ثقافة التمدن
المثقف الحق لا يعني المتعلم او القاري بلغتنا الدارجة أو العالم أو الباحث أو الفنان أو الفيلسوف أو المؤرخ أو المخترع أو المكتشف او حتى العبقري بل يعني ذلك الذي ترتقي به ثقافته إلى مرتبة المتمدن بالمعنى الخلدوني ونعني بالمتمدن الإنسان المحصن المضمن
المرقى من العديد من الظواهر الاجتماعية السلبية والتي لا تستثني أحدا ولا تفرق بين درجات اكتساب المعرفة والعلم ومن أهم هذه الآفات وأخطرها على الوطن بالاخص التخلف والتزمت والهنجعية والتطرف والعصبية والتخونج المنهجي كل هذه العاهات تصيب الجاهل والمتعلم و الوضيع ونقيذه و الفنان وعديم الاحساس والجاهل والعارف ولا تفرق بين الغني و الفقير والحقير والوجيه والصغير والكبير والمرأة والرجل والابيض والاسود والاحمر والاصفر لذلك لا تستغرب أن ترى أستاذا متزمتا أو طبيبا متعصبا أو محام متخونجا أو فنانا جاهلا أو كاتبا ركيكا أو بذيئا أو عربيدا فإن تحول أحد هؤلاء أو حتى من تشبه باحدهم الى سياسي فلا تأمل خيرا او تنتظر فرجا
ومثل هذه الآفات لها القدرة على التحالف مع بعضها البعض في الكائن الواحد مثنى وثلاثى و رباعى وحتى أكثر من ذلك ورغم تشعبها وتنوعها وقدرتها على الانتشار وحتى العدوى ورغم حدة تمكنها بالطبع والغريزة وحتى بالفكر والسلوك وسهولة التسرب فإنها لا تصيب اطلاقا المثقف المتمدن اي الراسخ في تمدنه وحبه لوطنه أرضا واهلا وتاريخها فهو الوحيد المحصن من كل هذه النقائص وتبقى الوصفة السحرية الوحيدة التي تميز هذا التمدن هي تلك الثقافة المدنية الحقيقية
وكل مثقف لم تمدنه ثقافته لا يحق تسميته بالمثقف اصلا لأن الثقافة التي لا تمكن صاحبها من نفع محيطه المدني والتأثير فيه بالايجاب هي مجرد شبهة ثقافية لم تكتمل بعد عناصرها تماما كالشجرة التي لا تثمر
ونحن اليوم في اشد الحاجة الى مثقفين متمدنين لهم القدرة على الانشاء والارتقاء بوطنهم واهلهم إلى السؤدد والنماء والترشد الذاتي والجماعي وفي نفس الوقت لهم القدرة على اخراج الانسان التونسي والعربي المسلم من أزمنة الرداءة التي تردينا فيها
جميعا بلا استثناء
عزالدين الشابي

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق