السبت، 26 ديسمبر 2020

قراءة تأملية في قصة (مرآة..خرساء..بكماء) للقاصة التونسية المتميزة..منجية حاجي بقلم الناقد والكاتب الصحفي محمد المحسن

 قراءة تأملية في قصة (مرآة..خرساء..بكماء) للقاصة التونسية المتميزة..منجية حاجي

عند قراءتنا لأغلب المواصفات والتنظيرات لفن القصة القصيرة في الأدب التونسي المعاصر،نجد ذلك التحذير من أن يتحول النص القصصي إلى مشروع خاطرة،أو قصيدة نثر أو شذرة أو انفعال،و يأتي هذا التنبيه خاصة عند اعتماد الكاتب/الكاتبة لغةً تعتمد البلاغة بكل صورها،و قد وقع أغلبُنا بالفعل في هذا المطب الذي تمَّ التحذير منه،و ذلك حين انفلتتِ النصوص من أيادينا و خسرنا فيها روح السرد والقَص،وخاصة في القصص القصيرة جدًا.
واليوم نحن مع قصة (مرآة..خرساء..بكماء) للقاصة التونسية منجية حاجي..
أمامنا قصة قصيرة اعتمدت على تجسيد مباشر ينطوي على سؤال،بل عدة أسئلة،تضعنا الكاتبة أمامها والتى تتوالى وتتعمّد من خلالها أن تكسر أفق توقع القارئ منذ البداية: كيف حدث ذلك؟ ولماذا حدث؟ وفي أي زمن نجد هذه الثقافة والبيئة المنفلتة من العقال؟
هذه الاسئلة التي تدور في الذهن..بل في ذهني وأزعم-أني ناقد.-
لقد وظفت الكاتبة ما تمتلك من أدوات الكتابة وتقنياتها لخدمة الفكرة و السرد، وليس لإبهار العيون في مدى التقيد بقواعد الكتابة القصصية حرفيًّا،لأنَّ الأدب الحقيقي يعتمد على الإبداع القائم على كسر جميع الأفق،إن كان على مستوى التلقي أو النقد أو الكتابة.
وللقارئ للقصة أختم وأقول: أحيانًا لا تحتاج إلى مساحة كبيرة من الوصف لتضع يدك على الجرح،يكفي أن يصل إليك كومضة تقف طويلًا على نافذة إدراكك دون أن تغادر..!
وهذا مافعلته-القاصة التونسة اللامعة منجية حاجي ببراعة وإقتدار- ..
وتمنياتنا لها بالتوفيق والسداد بالقادم من أعمال.
مرآة..خرساء..بكماء..!
الشباك يطلّ على شارع كساه البياض.
بين الأغصان المتعانقة تتسلّل خيوط الشّمس بدفء يذيب الجليد، يعاكس أشعتها الزّجاج داخل الغرفة، كمن يغيّر اللّعبة لصالحه.
أثاث يسكنه جدار الصّمت
مرآة خرساء تقطف تفّاح التّاريخ وقد تزيّنت بمفاتنها ذات يوم.
شرائط شعرها المتفحّم حولته للفافة عشب أخضر.
فراشات بيضاء تحتفل بنهر الماء وهي تراقص زقزقة العصافير وتحمل عنها آهات الرّياح حين تسكب صوتها وتحبئء ريشها تحت الوساد فيغرقها الوجع ،ويخلعُ عن أكمام الورد وشاح التردّد ،يمدّ يديه للسماء بتأنٍّ، يعبث بغيماتها، ويحوّلها إليّ ملامحَ ماطرة ،
كمن يكتب قصيدة لعاشقة مجنونة
تعصف بلحظة ضوء فتجعل الكون كوكب ماء يندلق في أرض الله.
سكبت ذاكرتها على وجه المرآة
وامتطت جناح فراشة
ترتع في سهوب الخيال
تسكنها ما تبقى من لهفة العناقات
برشفة حب على شفاه الياسمين كمن يمشي على رواق الفؤاد
تركت وراءها بقايا حلم على شط مهجور.
اَنتشله ابوها من الغرق ذات يوم عار من الماضي كبياض الكفن لا تسكنه سوى براءة الأطفال..
آواه في بيته ليكون فردا من عائلته.
تمكن منها الشغف وتسلطن عليها الحب لغريب الديار واغرمت به ليكون لها زوجا عاشت معه أحلى ايام حياتها وهي تسوق أحلامها إلى موانئه الدافئة،وظلت كالفراشة تحلق على أغصانه الوارفة، لكنها تحس احيانا أن هناك بقايا أحزان لم تستطع فك طلاسمها مدفونة داخله لا تعرف أسبابها.
فترى نفسها و كأنها تمرّغ صوتها على أرض مجروحة مخضّبة بأحلامه التي تحاصرها كل ليلة كخيط العنكبوت، لتجد نفسها صباحا أمام امرأة تدق بابها وبيديها طفلين في عمر الزهور.
من أنت وماذا تريدين؟
هل احمد هنا؟
أتقصدين زوجي!
هل تزوجته؟
لكنه زوجي وهم أولاده
يخرج أحمد
يسألها باستغراب
سيدتي من انت؟
أنا لا اعرفك!
يتشبث الأطفال بتلابيبه ابي كنا نبحث عنك أين كنت؟
خرجت كلمات متقطعة من فمه دون وعي أنا........
أنا ابوكم لكن كيف؟
وهوى كل شيء داخله
أنا لا أعرف من أكون؟
يسقط على الأرض، يختنق تحت جثته ويسلك طريق الموت
وتلتف الساق بالساق.
يتصاعد الظل المتربع في أرجاء المكان َ يحمل نشيد الوداعات
لرجل ملته الدروب.
تتسارع الأحداث بوتيرة موجعة وتجد نفسها تتقاسم ألم الفراق مع امرأة أخرى غارقة في لجّ الياس قبل أوانه تصطلي كجمرة مستعرة ليضمدا معا نتوءات الجراح بثلاثة أيتام يعبرون الدرب الأخير..حيث الندم..وصرير الأسنان..وصمت المقابر..
محمد المحسن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق