مرغمون على الحياة
بعد يوم منهك، يعود الجميع الى ديارهم. انهم لا يفكرون ولا يحلمون. لقد حدقت في كل النوافذ التي تجاورني. تشتعل فوانيس المطبخ، تطل منها النساء بثياب العمل. صوت الأطفال يتخاصمون على دورهم في اللعب الالكتروني الممل. وصوت شاشات التلفاز تعدل على أخبار تعيسة. هذا ما يحدث كل يوم مساء. تتسارع السيارات وتكتظ في بلدي لتقف صباحا امام بائع الكروسون منذ السادسة. أعينهم تتجه صوب هواتفهم، تحجب عنهم عثرات الطريق الكثيرة. تصطدم أقدامهم بكل شي، لا يحسون بسيء. غاب المعنى. يفكر الموظف في انتهاء الفترة الصباحية، ويفكر التلميذ في وقت لمجته. تتنفس الشوارع في الليل هواء مملوءا بغربة فظيعة. لا يشعر التونسي أنه يتمتع بالكرامة او بالحرية، تختنق انفاسه في اليوم مرات عديدة. يحسب دراهمه كل لحظة، ويخشى أن تتعكر حال عائلته أمام زحف المرض الغادر. لا يشعر بنو وطني أنهم أحياء، ولا يستطعون الثقة في اي كان. نخرت الأنظمة كيانهم، صدعت ثقتهم في بني الانسان، وفي الدولة وفي الآخر وفي المستقبل وصار الجميع مرغما على الحياة بأية طريقة كانت...
د. فوزية ضيف الله

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق