الجمعة، 18 سبتمبر 2020

كـا نـكيـــــــج .. بقلم فتحى عبد العزيز محمد

 كـا نـكيـــــــج ..

سيد القوم وعكاز الملك نائل .. " من حوليات الدررالسنية المجلية .. لطبقات الملوك والعلماء والاعيان .. والاحداث في السيرة الذهبية السنارية الكبري " ـ جزء (3) .
" يا ابن ادم .. إن بينك وبين الله خطايا وذنوب لا يعلمها إلا هو , وإنك تحب أن يغفرها الله لك, فإذا أحببت أن يغفرها لك فاغفر أنت لعباده , وأن أحببت أن يعفوها عنك فاعف أنت عن عباده , فإنما الجزاء من جنس العمل ... تعفو هنا يعفو هناك , تنتقم هنا ينتقم هناك تطالب بالحق هنا يطالب بالحق هناك .
" الإمام ابن القيم "
«قمت برحلات رائعة، على متن كلمة»
" بلزاك"
📷
وتقول أما فى السير وأحوال العلماء والاعلام وأحداث التاريخ والدهر وتقلباتة المروعة التى لاتدوم على حال , فحدث ولاحرج فقد كانت لة فى تلك جلسة كبري و وقفة حتى لذاك الخلاف الذى نشب فجاءة بين النافعاب والسعداب ملوك جعل , وتراهنوا فيما بينهم عن من أيهم ألاكرم وفادة وضيافة وعطاء الشيخ أدريس ود الارباب , الذى بلغ درجة الصديقية بجزيرة الفونج أم ولدة حمد أذا ذهب القوم مذاهب شتي فى ذلك الامر , بين مؤيد ومعارض فمنهم من قال بأن الارباب الكبير , زاد فى النفقة والذبيح وقداحتة ستون قدح ولكنة كان كثير الاعطايات شرق وغرب , أما ولدة حمد فقام مقام والدة فى الكرم والهيبة والوقار وحجز العرب والفونج , وزاد فى النفقة والذبيح لكنة قلل من العطاء وقداحتة مائة وعشرون , وزادت الحلقة فى زمانة وتوسعت بزيادة الطلب من بلاد وضاى ودارجيل وما وراهما , ولا يساويهم فى البذل والعطاء بالنفس والمهج سواء حبر زمانة الحضري الشيخ عووضة ود عمر " شكال القارح ", فقد بلغ والعهدة علي الطبقات .. الدرجة الكونية أن يقول للشيء " كون فيكون " بأذن الله , التى لم يبلغها أحد غيرة لا فى دنقلا ولا جزيرة الفونج ومع كل ذلك كان ركاضيا متواضعا يملئ أسبلة الفقراء جميعها بمسيد الشيخ سوار الدهب , وباع ذات يوم فرسة الوحيدة وقسمها أعطايات فى صرر صغيرة لفقراء ومساكين زمانة , كما كان يعطى كل ما يبيعة من مغيبات للفقراء والمحتاجين , وقال يوما لمعاصرة فى الطريق الشيخ الاعسر ود حمتو أدينى فرستك الشهباء الفلانية أعطيك ولدا يمسك عقابك , وكانت ولادتة كلها بنات قال لية : والله شىء ما خصنى بة الله سبحانة وتعالي ما بدورة بالوسائط " , وكان بالجملة متلافا لم يبقي شىء غير الجود والكرم وآيثار الغير والسيرة الطاهرةالحسنة , وكان شيخة عيسي سوار الدهب كثيرا ما يمازحة قائلا سبحان " من أعطاك يا " ود عمر " , وأما وأذا ما سالتة عن سيرة المغاربة السنارين أجمالا وتفصيلا فيقول لك أما أولئك فهم الاقطاب الزينين النجباء والبدلاء الواصلين , فكانوا من أكثر الناس معرفة بطرق السماء عن الارض وطرق الاجتماع بالعبد الصالح " نبي الله الخضر " كالشيخ ود شوشاي فى السافل والشيوخ اللبدى وسمحوني وسماحة فى الصعيد , وكانوا هم والشيخ أدريس الارباب وسوار الدهب والنحلان قد أوصوا والله أعلم " نبي الله الخضر " وكما يقال على ذريتهم من بعدهم , وتقول أيضا أما هناك وفى الحاضرة سنار المحروسة تعجب حينها " سندال عاج " الفونج وكبيرهم , وهو بدرجة عكاز عند الملك نائل أو أو أدون وكان قد حضر زمن الشيخ أدريس الارباب وبانقا الضرير , فقال لمحدثة مستدركا ومستعلما " ود الشيخ " بخل ونقص فى المصروف والاعطايات .. أم زاد ..؟؟ " , وحتى فى ذاك اليوم تحديدا تقول " أم بقارة " جاءنا ود الشيخ محمد ود عركي بن أدريس وحيرانة ليلا مشغلب عقبة قري من الحج , وليبكي أبية مع الشيخ دفع الله ود ابو أدريس العركي , فقال لة مابخليك تمشي أهلك داير أزوجك وتقعد جنبي تؤنسني يا المبروك , دحين من دربك أمشى لود شيخك أخوك حمد يعطيك شىء تتزوج بة , قال مشيت لية أعطاني ثوب دقنوس وسبعون محلق ذهب ولكنها لا تكفي .. , فقال ذهبت لقبة الشيخ ونمت محتارا فجاءني فى حلم وقال لي أقعد فى أمانات أمسكها تعينك فى الزواج , فقال وبينما كنا بين صلاة العصر وقبيل المغيرب كنت صائما وجائعا فجاءت أمراة شايلة لها فطير وحليب فاكلتهم , ثم فجاة هبط علينا رهط رعاة من بادية الكبابيش وقالوا يا أبونا الشيخ دى ذكاة أبلنا عن العام عين بيها على الحيران والخلوة , وقبيل العشاء أو بعدة بقليل جاء أربعة تجار شكرية من الريف فوضعوا خمسة عشر ثياب حرير منير وصوف , وقالوا دا حقك يا أبونا الشيخ .. وبضاعتنا ردت لنا من غاصبين , فنهمناك فنجدتنا .. وضعوا أيضا كيس آخر ملان محلقات فضة وقالوا دي ذكاة أبلنا عين بيها على الفقراء والمساكين , قال فقمت لاذهب لاحدث أخي الشيخ " حمد " فسمعت منادى يقول لى :
" خذها أنت .. ولا تكلم أخوك حمد .. حمد طماع .. ؟اا , قال فضحك الشيخ دفع الله .. حتى بانت نواجذة .. .
-4-
أما فى اليوم العاشر على التوالي بعد المائة الاولى أعتدل فى مجلسة العامر بحفير مكاشفي القوم بـ "الشكينيبة دولة عظيمة ", وفى تلك الضحوية الشتوية من الرجبية الكبري المشهودة , وليقول وأما من ناحية الكرم فاعلمي يا الفقيرة " بنت حدوق " أن السلطان " محمد الفضل ود المعقور" قد قام بالكرم سننة وفرائضة ومندوباتة , وعلى أكمل وجه فهو أكرم أهل زمانة ببر السودان الكبير قاطبة والممتد غربا حتي بلاد شنقيط , وهو على الارجح مساوي زمانة حتى بزمان الوصل بالاندلس البعيد كما يقولون , وحدثني فى ذلك بلا أدني حرج كما يقول حوار الشيخ الازرق بكدباس " مكي برمة كاكوم " , قال هو الآخر جاءنا فجرا تاجر كبير متمول من الريف " مصر " , ونحن فى بربر ولا دارمالى بالرباطاب , بعد الضيافة والكرم قال لي:
ـ أتعرف بداية آمر تجارتي يا فقير " برمة " كنت فى طريقي لديم زبير بجهات راجا ومديرية شكا جهات الجنوب , طالبا للعمل بزرائب بحر العربان فصادفني فى الخيران جهات بارة شرق كردفان الوزير السناري الهمجي القوي " أبو لكيلك " , وهو فى رحلة صيد عظيمة مع حراسة المكادية حملت البندق , فقلت لة :
ـ الفقير لله .. من شندى والعرس عندنا غالي تب .. بدورك تعطيني شىء أتاهلبوا .. , قال لى :
ـ أبشر بالحيل وشرفني بقصر الحكم الكبير بسنار المحروسة متى ما وصلت هناك , قلت لة :
ـ حتى ولو وصلت لسنار الحراس ما بدخلوني عليك بالهين , أديني المقسومة وأكون لك من الشاكرين , فسالني :
ـ الا أى الجهات تتجة الان فقلت لة :
ـ جهة قبائل مسبعات . قال لى :
ـ ما يخالف .. أقول لك شىء أختصر الموضوع وواصل بسفرك ودربك دا عديل لدارفور و للفاشر , وللسلطان " محمد الفضل ود المعقور " وقص علية قصتك كلها وقول الية انا مرسل لك من الوزير السناري " ود أبولكيلك" , وبالامارة أعرض علية فروتي ومصلاتي هذة .., وهو بعرفها مباشرة .. وعلى طول " ..
ـ ولو الله سبحانة وتعالي داير يغنيك .. ما بغنيك الا السلطان محمد الفضل دا .. ولا أنسان غيره أبدا .. أبدا .. ؟؟ اا , فقال فعلا ذهبت مباشرة للفاشر أبو زكريا وقابلت السلطان فى الفاشر وقلت لة أنا مرسل لك من الوزير السناري ود ابولكيلك , وعرضت علية بالامارة فروة الصلاة المعنية وقصيت علية قصتى كلها وقلت لة قال لى :
ـ .. ولو الله سبحانة وتعالي داير يغنيك .. ما بغنيك الا السلطان محمد الفضل دا .. ولا أنسان غيره أبدا .. أبدا .. اا.. ,هنا نادى السلطان على وزيرة ربما " كرة " وأمرة ان يعطينى فى الحين والحال الف راس من الابل والف راس من الابقار والف رأس من الضأن الدقاق .. وقال لى وزيرة تبيعهم وتعطيها لة فى صرة , والتفت ليقول لى لاتنسي يافقير تحضر لمقابلتي صباح الغد , وهكذا كنت أذهب لة وفى كل يوم يعطيني نفس الاعطايات ويزيد ويطلب من وزيرة ببيعها واعطاي المبلغ فى صرة كبيرة , ويطلب منى القدوم فى صباح اليوم التالي وهكذا دواليك , ولكنني فى اليوم الحادى عشر وعندما مثلت بين يدية , أراد أن يطلب لى نفس الاعطايات وأكثر ولكننى شكرتة شكرا يليق بمقامة وكرمة الحاتمي الفياض , وقلت لة :
ـ أن ما اعطيتني لة جلالتكم يكفى وأكثر .. , فقال لى السلطان مداعبا :
ـ يا فقير فى بحر ما برضي بالزيادة .. , فشكرتة كثيرا مرة اخرى , وقلت لة :
ـ وهل يأذن لى حضرة السلطان المفدئ .. بالمغادرة لبلادي عندها ودعنى وأجزل لى من العطاء مرة اخري , وما لايسع المكان لوصفة وحملنى تحياتة للوزير السناري , وأمر وزيرة بتكليف فرقة من الفرسان والحرس السلطاني فى الحين والحال , لتوصيلي وحتى بلدتى بدار صباح بندر " شندي " , ثم التفتت وقالت قولتها المعروفة وبعد أنتهاء كل حكاية وآخري من حكاوئيها الطويلة والمشوقة , ثم أنقطعت وانشطفت والصغير فينا منوا .. ولاقول لها في ذلك الوقت : طبعا أنا .. .
-5-
أما ما سمعتة من سياحتة الكبري بكل الحواضر والبوادي البعيدة والقريبة فى بر السودان الكبير , وفى مسيد الشيخ القطب الصمداني " برير ود الحسين " بشبشة بالبحر الابيض تلك الليلة , فقد تقشعر لة الابدان وترتعد لة الفرائض جميعها , قال كنا يومها نسوط مع الفقراء فى مديدة خميرة دقاقة فى برام صغيرة , بعدد الطلبة فى سحور وعشاء رمضاني كبير مشهود , تزامنا مع زيارة خليفة الشيخ ود العجوز وحيرانة النبهاء , وفى مواجبتة السنوية ومواصلتة سواء فى حياة الشيخ أو بعد مماتة .. , ولم اصدقها ورغما عن الكثير المتواتر فى صدقها وتقول هكذا ايضا حدثتها بها جدتها لامها بنت " أم الهميم " بحدوثها وبحزافيرها بالمحروسة سنار القديمة , زمن سلطنة العرب والفونج وزمن سطوة سحرة جزيرة ناوة سحرة فرعون الاوائل الاولين , وكان على أيامها أغلى شىء فى سوق سنار الكبير .. بالطبع " هو السمن والعسل " وقبل ظهور ريش النعام والجلود وسن الفيل وغيرهم كتجارة حرة , ومن كان لة منهم نصيب أو مقدار فيعتبر من كبار التجار ووجهاء القوم , أو كمن ملك خير الدنيا ونعيمها كلة أو ما فيها .. , وهكذا كان حال كل مشرقنا ومغربنا العربي القديم , والتاجر الذى يملك قربة أو مخلاية ولو صغيرة منهما , فهو يعد من كبار تجار السوق ومن كبار اثرياء المدينة , ذاك الصباح قالت جاءت للدرويش المغربي " علي اللبدي " أختة الكبري " محجوبة " صاكه وجهها قائلة :
ـ ما سمعت يا دروبش أختك " لبيدة " .. البارحة أرسل لخطبتها الوزير السنارى .. الخطيب عبد للطيف .. , الفناجري .. من أولاد الصولة والجولة .. والحل والعقد بالبلد وباربعاتا .. ؟؟ااا
ـ أها أيش قولك يادرويش .. وأيش مقدرتك معاهم .. ؟؟ , قال لها ببساطة وطيبة خاطر وعريكة :
ـ واللة أنا يا الفقيرة .. مابعرف شىء غير صلاتي وصيامي وكتبي دى والكدسة ديل الحارستنها .. وما أكذب عليك غيرهم ما بعرف شىء فى دنياكم دي أصلا ..؟؟اا , لتردف قائلة بيأس وللمرة الثانية :
ـ أصحي ..أصحي معاي " يا درويش " .. " بقول ليك أختك " لبيدة " جاء ليخطبها ويتزوجها .. خطيب الدولة .. والبلاط السناري العظيم الذي ساريذكرة الركبان .. عبد اللطيف الخطيب بذات نفسة .. أولاد السمن والعسل ؟؟ ااا..
ـ فمن أين لنا بتجهيزها .. ؟؟ اا , وانت فى دروشتك الشديدة دي .. والما عارفين ليها أول من آخر .. فكر معانا شوية يا " دروبش " .. ؟؟ اا " , عندها فقط نظر الى السماء وأخذ يقهقة بسذاجتة المعهودة وليقول لها :
ـ يعني يا الفقيرة أختي .. " لبيدة " الليلة جاها عريسا زين .. , ويعني الحكايا كلها عندكم .. سمن وعسل .. وبس ؟؟ اا" , قال لها مواصلا وبعد تلكؤ محبوب منة .. :
ـ أقول ليك شىء يا الفقيرة .. أبشري بالخير بحلها ليكم بالحيل تب .. ياناس الدنيا .." الغشاشة .. الغشتنا وراحت .. غمامة .. "؟اا , ثم نظر اليها وجارتها " مسك بنت أب نيران " حاضرة يضحكن علية :
ـ .. طلعي بره أزيار " وتيبارات" حبوبتك " منانة " بنت الحاج سمحوني الفاسي " الثلاثة الكبار , .. وغسيلهم وخلي " الضو ود بلة " السقا " يملاءهم موية وتراني انا ماشى خلوة فى .." تريرة " .. وجاي .. , والليلة صبحت مبسوط بالحيل وداير أبسطكن .. , ثم التفت وليسمع كعادتة كل من كان بالحوش وحتى الجيران قائلا :
ـ أبشرن بالخير يا مغربيات .. أنا جبيلكن يوم القيامة .. وزي ما قال الشيخ دفع الله ود هنونة بعد ذلك بزمن فى الحلفايا" أبشرن يا هنونيات أنا جبيلكن يوم القيامة .. " .
فى الظهيرة وعندما عاد من الخلوة تقول فاطمة بنت " بنت النمش " " جاء متحزم ومقنع وشايل عكازة .. وأتجة مباشرة للازيار وقال ليهم :
ـ ما قلتا ليكم حضرو الثلاثة .. والقدرة حاصلة وأكثر .. , تقول خالتك الكبيرة " بنت عمسيب " , أدخل عكازة وهو يسوطهم الواحد تلو الآخر ويقول:
ـ بسم الله الرحمن الرحيم وبأذن وأحد أحد " أ ب ت ث ج ...الخ " , ففى الساعة والحين أنقلب أحد الزيرين الى عسل أحمر مصفي , والآخر لسمن أصفر دراش يدفق .. , وكل النسوة الحضور أخذن يزغردن بصوت عالي أرتجت لة حاضرة السلطنة كلها , وتسارع بنت " عمسيب " , وتقول له :
ـ أنتظر يا درويش نجيب ليك .. الزير الثالث .. , قال ليهم وهو يغادر مسرعا :
ـ خلاص .. يا الفقيرة .. فات الفوات .. ؟؟اا
تمت ,,,
فتحى عبد العزيز محمد
كسلا الختمية ـ شكينيبة ـ الابيتوراء البطانة
14/4/1999

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق