اعتقال
مرت عشر سنوات على موتها في السجن ظلما.
فقدت والدها ولم تتمكن من توديعه، هجرها خطيبها وتزوج صديقتها. خسرت وظيفتها، وتخلى عنها كل من عرفها. تبا للديمقراطية الكاذبة!
لم تشتم أحدا، ذنبها أنها كتبت مقالا انتقدت فيه السلطة في بلدها.
لا فرق بينها وبين شجرة الخريف حين تجردها الرياح من أوراقها.
اليوم تغادر الظلام إلى ظلام آخر، ستستقبل خيبات أخرى تميتها أكثر.
لا أحد في الانتظار، جلست في المحطة، المطر يبللها كأنه يغسل الكدر عنها.
استرجعت مشهد اعتقالها، والآه تلو الآه تجلدها.
لاتزال تتذكر كيف أفاقت مذعورة على أصوات أبواق و طرقات عالية ومتواصلة على الباب.
تحسست هاتفها، أنارت به الغرفة، حتى وصلت إلى زر الكهرباء،
كأنها مشلولة، كانت ترتعد خوفا.
ماذا هناك يا إلهي؟
تسمرت في مكانها وهي تلمح رجال الشرطة يقتحمون غرفتها.
سحبوها بقوة، ثم أحكموا الأصفاد.
تمزق قلبها وهي ترى أمها وأبيها يبكيان كالأطفال ولا تستطيع طمأنتهم لأنها هي الأخرى لاتدري ماتهمتها.
-يجب أن أنسى يا إلهي، لقد تعبت ولم أعد قادرة على تحمل سياط الظلم والقهر...
تماسكت قليلا واتجهت نحو سائق سيارة أجرة، ظلت مترددة بعض الوقت ثم همست له.
لكنه صاح ساخرا منها، يتشدق بكلام جارح.
غادرت المحطة ولا تدري إلى أين؟
ملابس رثة كأنها متسولة، عيون ذابلة، محاطة بهالات سوداء.
ظلت تمشي لساعات، تارة تقف وتارة تجلس على أي مقعد يعترضها في الحدائق العمومية، كانت تتضور جوعا، والبرد ينهش جسدها النحيل.
لم تعد قادرة على المضي، طلبت من أحد المارة أن تجري مكالمة هاتفية من عنده، تردد قليلا ثم أعطاها.
تغيرت ملامحها للأفضل،
بعد حوالي نصف ساعة، لمحته قادما من بعيد، هرولت نحوه واحتضنته، ولم ترفع رأسها المثقل بالخيبات، بكت بمرارة وهي تعيد نفس الجملة" أرجوك لا تتركني"
مر أسبوع وهي في منزله مع والدته،
اشترى لها أجمل الملابس، أحاطها نفسيا، حتى عادت ابتسامتها، واسترجعت رغبتها في الكتابة،
ماإن نشرت نصها الجديد مع صورة لها حتى تجاوزت التعليقات الألف،
وفي روحها شخص واحد.
الآن بإمكانها الرجوع إلى أمها بوجه هاش.
ناهد الغزالي/تونس
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق