سؤال لجوج يقضّ مضجعي ويحيرني :
لمن نكتب في مثل زمن كهذا متخَم بالمواجع..ومفروش بالرحيل..؟!
"أحياناً يكون حزن -الكاتب-ظاهراً وأحياناً يكون مخفياً وتكشفه العيون من خلال الكلمات.."
أنكتبُ لأنفسنا أم للآخرين؟ أندافعُ بكتاباتنا عن بؤسِ العالم وبؤس الوطن أم أنَّ الأمر برمته لا يعدو كونه تسريبات لمعركة النفس الداخلية؟
أنكتبُ لأنفسنا أم للآخرين؟ أندافعُ بكتاباتنا عن بؤسِ العالم وبؤس الوطن أم أنَّ الأمر برمته لا يعدو كونه تسريبات لمعركة النفس الداخلية؟
ترى أيستحقُ العالم من الأساس أن يُفني أحدهم العمر من أجل الكتابة عنه وعن بؤسه اللامتناهي؟
وبسؤال مغاير أقول:
أيستحق العالم كتابات ماركيز ودستوفيسكي وبيجوفيتش وكامو وكونديرا وغيرهم؟
اقرأ العالم يوماً صفحة واحدة مما كتبوه بعقل الواعي المتدبر الباحث عن الحقيقة وعن التغيير؟
ولماذا نكتب من الأساس إذا كان وقع الواقع ووطأته أكبر من حجم كلماتنا؟
وما وسعُ اللغة أن تفعله أمام سيلٍ من تدفقات الحياة اليومية التي لا تنتهي إلا بنهايتنا في مثل زمن لئيم كهذا؟
أفنيت العمر في الكتابة وأصدرت كتبا وأنجزت تحقيقات صحفية عديدة..وانتصرت لحملة الأقلام ممن عضّهم الدهر بنابه الأزرق المتوحّش..وتبرعت-بكل نكران للذات-بمال زهيد للفقراء والمعطوبين دون زيادة ولا مزايدة..
واليوم..
ها أنا كما قال شيخ المعرة (أبو العلاء المعري) بتصرف طفيف مني:
"أَراني في الثَلاثَةِ مِن سُجوني
فَلا تَسأَل عَنِ الخَبَرِ النَبيثِ
لِفَقدِيَ -إبني-وَلُزومِ بَيتي
وَكَونِ النَفسِ في الجَسَدِ الخَبيثِ.."
أين الرفاق الذين سرت معهم حافيا على ثلج الدروب..؟
وأعيد السؤال بوجع ينخر شغاف القلب:أين رفاق الدروب القصيّة..الذين إستظلوا بظلي..حين داهمهم السقوط في وهاد الهجير..وانتشلتهم-بكل نكران للذات-من وهاد الضياع حين غدَوا منها على الشفير..لم أبخل عليهم بشيء وعلّمتهم الرماية والغواية والشدو البهي..؟
واليوم ثانية..وثالثة.. تحلّقوا في كل بؤرة وحضيض..لينهشوا لحمي وحروف إسمي..
أحتاج-إبني-فقط لألعنَ في حضرة عينيه المفعمتين بالآسى..حفاة الضمير،شذّاذ الآفاق..وطوافي اللّيل..وكل الأرصفة المتحوّلة بي صوب المجهول..
لم أعد أحتاج شيئا..سوى علبة دواء..رغيف خبز..شمس صغيرة..وهامش على مقربة من المجرة..
وإذن؟
إنّها الريح إذن ..
ولا لوم علي حين أبكي إبني..أو أحنّ إلى مهجة الليل فيه
أنا أُبكي بصمت في هدأة الليل..حين يهدهدني الشوق إليه..
أنا أبكي بصمت عينين عسليتين يغمرهما التراب
ولا عتاب..ولا عقاب لمن يبكي مثلي في مثل ليل كهذا
لكم تكرهني الحياة ولم أفعل لها شيئا
سوى ما يفعل بمن تاه في غياهب الصحراء السراب
وأحيانا أنا أبكي على أمي التي أنجبتني.. ذات شتاء يصهل في ليله الخراب
أو أبحث في جيبي عن الدنيا..التي عذبتني..
أصرخ في هدأة الصمت: أماه..أستغيث..ولا جواب
ولا أبرز كفّي للدنيا
كي لا تراني..أجن
"خائن مثلي تماما.. من لم يجنّّْ "
ولا لوم علي حين أبكي إبني..أو أحنّ إلى مهجة الليل فيه
أنا أُبكي بصمت في هدأة الليل..حين يهدهدني الشوق إليه..
أنا أبكي بصمت عينين عسليتين يغمرهما التراب
ولا عتاب..ولا عقاب لمن يبكي مثلي في مثل ليل كهذا
لكم تكرهني الحياة ولم أفعل لها شيئا
سوى ما يفعل بمن تاه في غياهب الصحراء السراب
وأحيانا أنا أبكي على أمي التي أنجبتني.. ذات شتاء يصهل في ليله الخراب
أو أبحث في جيبي عن الدنيا..التي عذبتني..
أصرخ في هدأة الصمت: أماه..أستغيث..ولا جواب
ولا أبرز كفّي للدنيا
كي لا تراني..أجن
"خائن مثلي تماما.. من لم يجنّّْ "
ّمذ-عضّني الدّهر بنابه الأزرق المتوحّش- ونالت المواجع مني في نخاع العظم..لم يعد يذكرني أحد..غير الطريق..ووحده صار يكفي..
"ختاماً، التصور السابق للمعاناة كمحرك أساسي للكتابة،لا يعني بالضرورة أنّ المعاناة هي السبب الأوحد الذي يدفعنا للكتابة،وأنه لا توجد أسباب أخرى نكتب من أجلها.فللكتابة أسباب مختلفة،وللكُتابِ هيئات وأحوال شتى يكتبون فيها،فمنهم من يكتب حين يغمره الفرح وتداعبه البهجة، منهم من يكتب على صوت الموسيقى وغيرها من الهيئات. "
لكن ما أريد أن أوضحه وأقرره في هذا المجال.أن تلك الكتابة التي تنبع من رحم المعاناة هي الأجدر على البقاء،وأجدر على أن يتلقاها القارئ بقلبه قبل أن يعيها بعقله.
محمد المحسن

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق