ناكر الجميل
صامت مكتنز الدرر وعصارة الذكريات، مؤنس وحشة الوحيد وحامل لهموم الزائرين, فبين بياض موجه قصص وعبر وبين دقائق نسائمه صور لعابرين أفرغوا مكنوناتهم هنا ثم رحلوا حاملين ذكرى مشهد الصديق الوفي الذي يسع صدره الجميع ذاك المتمتع بالقدرة على التنفيس عن الحزين وحامل الأثقال.
فهو المأوى الذي يرسم الأفق بألوانه الحقيقية ويرسل للقريب والبعيد مذاق الثبات على العهد ولو تعددت الفصول، فبين لوحات الساكن الهادئ وما ترسله من تفاصيل ورسائل تدغدغ النفوس الهادئة قد تلوح فجأة في الأفق بعيدا غمامة سوداء فينقلب الرزين لثور هائج يتلاعب بالعماليق ويلتهم جذور التهور ويحصد أرواح الجاهلين بعواقب الإعتداء على القواعد الثابتة التي تخطها الحقيقة والتي طالما صدحت بها النفوس الساعية لإيقاض الغافلين.
ولكن وبرغم كل عطور الجمال وقوافي البهاء التي يلاقيك بشذاها، دائما ما يقابلك وجه عابس لا يقرأ بين السطور ولا تلامس جوارحه أبدا بيانات الأنس والرفقة، فتراه يتفنن في عدوانه ويتنكر للمحسن زاحفا مئات بل آلاف الأميال ليخط بيساره راية النكران وينسج سطوة حس الجاحد المنافي بمواقفه لأخلاق راسمي الحضارة وكاتبي التاريخ.
وبين الآثار المتنابزة مع صفاء الذهن، و الصدام الراقي بين أبهى المخلوقات الإلاهية و جحيم مصادرة الأخلاق، ينثر بيانه الختامي كأنه يلفظ للإنسانية أدوات تنكرها لسحر الإبداع والجمال الفتان ويعيد تذكيرها بواجب صيانة شمس النعم قبل الأفول واتقاء انقلاب العافية، فلا دهاليز النفس السوية حَوت بذور البغي ولا الفطرة السليمة جارت بنقاءها على قبول الأحاسيس الصادقة، ولكن الأمر كله اختصار لمسار ناكر الجميل، وموجز لرحلة جاهل بمفعول عود الثقاب الضعيف الجاني على الغابة العظيمة التي قد تستيقظ بعد مائة عام على الأقل.
هي مشاهد تستدعي الوقوف منتصبا طول العمر أمام جلال عظمة الخالق الجبار، والإمعان بدقة في حمد تفاصيل الرحلة وأدقها وحبك لواء الشكر والخضوع لملك السماوات وهو يمن علينا بالنسائم والأمواج والمشاعر الرقيقة.
محمد بن سنوسي
من سيدي بلعباس
الجزائر

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق