الاثنين، 19 أغسطس 2024

الوِحدةُ٫ وأَنَا٫ يقلم الكاتبة جهاد المثناني

 الوِحدةُ٫ وأَنَا٫ ودَمعةٌ ضَارِيـةٌ٫ نَتقاسَمُ رغيفًا حَافيًا وحَنِينًا إلى مفرداتِ أمّي وعِطرِها وهي تسكُب الشَّاي وتَقولُ لي : أخَافُ عليكِ مِن ذاكِرتكِ المُعلّقة فَوق سَعفِ النّخيلِ ومِن وِحدةٍ تخطفُ ضجيجكِ وتُودِعُكِ للصّمتِ ومِن قصيدَةٍ ترفُضُ أن تَنتَهِي.

أشْـرُد قليلاً وأنا أترشف الشّاي وأتلمّس أصابع أمّي ..

أتوسّد ركبتها لأجرّبَ الحياةَ

 وأنا على ركبةِ أمّي٫ تسرِي بِي الغيماتُ إلى سَماءٍ مُسيّجةٍ بماء البحرِ .. تسكُنها النوارسُ والأطفالُ اليتامى وقهقهاتٌ المتعبين٫ أولئك الّذين أدْمَت الزنابقُ كفوفَهم وهم يحملُون حزنَهم وملحَ الأرض .. أرى الشمسَ تتودّد إلى السنبلاتِ .. تُهديها الخناجرَ وتعلّمها الطعناتِ .. أرى نايًا يُعالجُ ثقوبَه ٫يتَدرّب على الحُزنِ في أغنِية .. أسترقُ السمعَ عَلّني أسمعُ اللهَ يتنهّدُ .. فتُربِكُني حشرجةُ السنُونُو يتخبّط .. يبحثُ عن عُشٍ نسِيَه في مفرداتِ الربيعِ .. وأرى شاعِرا هناكَ عندَ أقاصِي المجازِ يعجِنُ قصائدَه بالطينِ وانكساراتِه .. ينثرها في الرّيحِ كي تُورِقَ في كفً طفلٍ ينحتُ حُلمهُ في الزجاجِ  

تسرِي بِي الغيماتُ لأرى سيزيفَ يُراوِد الصخرةَ عن نفسِها ويدفعُها نَحوَ عبثيّتِه المُشتهاة .. وأرَى الجوكندَا تتعثّرُ بحُزنِها فتبتَسِم كَي تبقَى القصائدُ والسقسقاتُ .. وكَي يطلَّ العصفورُ على فيروز من شبّاكِها فتخبّئه في صوتِها

أفتّشُ عنِ الله كَي أستعيرَ ضحكتَه أزرعها في دربِ الرّعاةِ أولئك الّذين قُطِعَت رؤوسُهم ومُنِحت قُربانًا للوطن .. 

كَي آخُذَ مِنه زنبقةً وبعضَ الخُزامى .. وحزمةً من الترابِ

 كي تكتَحِلَ أمّي .. كَي أُوَارِيَ سَوْأَةَ اللَّيْلِ وريشَ الغُرابِ

  كَي أُربّتَ على طفولتِي وأُحَـرّرَ الأشرطةَ الورديّة التي كانت تشدّ شعري وأخبِّئ كلّ ألعابي الّتي لم أمتلكها يومًا .. ألملِمُ جُرحًا بعثرتهُ الحياةُ حذوَ أغنيةٍ حزينةٍ وأتفقّدُ عقاربَ السَّاعةِ .. أوشوشُها فتكفَّ عن الدّورانِ ..

تعرجُ بِي الغيماتُ .. إليهَا .. ومعي التفّاحةُ دونَ خطِيئةٍ 

أنا على ركبةِ أمّي .. 

أبسطُ إليها كفّي فتبتَسِمُ .. تتشكّل الجنّةُ..  ويبتسمُ الله.

أتلذَّذُ الشّايَ وقَدَاسَتَها٫ثمّ أغفُو ٫ فتزرعَ أمّي على وجنتِيّ

 وطَنًا وأحلامًا ..  وتَعدُني بِلعبة ضاعت عندما كتمتُ طفولتي ذات بياضٍ ..

 وتَجيئُ... 


جهاد المثناني 

18/أوت/2021



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق