جليق
بلدة نائية وصغيرة تسمى "جليق" تجمع البحر مع الغابة
مختلف الحيوانات تعيش فيها بسلام، تتوزع أكواخ القصب متفرقة على امتداد ساحلها
غذاؤهم خضار وسمك ،في زيارة لهذه البلدة الرائعة بجمالها
تعرّفت على الخالة "سولان" وزوجها الصياد وابنتها "صالا"،
أتمشّى في طرقها الطينية والملتوية، تصافحني الأغصان المتدلّية وتحيّيني نسائم البحر..
يقترب غريب منّي يسألني:
_ أتزورين البلدة لأول مرة؟
_ نعم
_ وأنا أيضا أول مرة ...أُدعى المجنون
_ تشرّفت... وأنا "روح"
كنت اتمعّن تضاريس وجهه
وضحكة عيونه، شاردة في ملاطفته، كان يتحدّث ولم ألتقط ولو حرفا واحدا من كلامه، كنت بين البحر والشّجر والمجنون
تفطّن لشرودي ،أومأ بيده إلى وجهي، خجلت من شرودي هذا، وعدت لتوازني
قال_أنشرب قهوة يا روح؟
_نعم أشرب ... قلتها وأنا مرتبكة متلعثمة،
ابتسمَ ومَسكَ يدي لنتسلّق مسلكا يوصلنا للمقهى في أعلى الجبل،
مقهى كان أثاثه من جذوع النخيل وأوانيه من الفخار،
تقدّم النادل يسألنا ماذا نشرب؟
قلت: أشرب الحياة،
تعالت ضحكة من ثغر هذا المجنون
رجّ صداها الفؤاد،
وضعت يدي على فمي أُخفي بها حماقتي أمام النادل
_طيّب كأسا من النبيذ ممزوجا بالفاكهة
_وأنا مثلها
_المكان فارغ لا يوجد سوانا!
_لأنها بلدة نائية وبدائية
_كيف وصلت إلى هنا؟
ابتسم كعادته وقال: كما وصلتِ أنتِ
_طيّب وصل شرابنا تفضّلي
رفع الكأس من الفخار وبصوت دافئ
_بصحّتك روح
تقدّمت بكأسي لشفتيّ ورشفت رشفة
مقلّدة صوته،
رأيته يكثر النظر الى عينيّ وكأنه يقول من أنت؟ وأيّ جنون تحملين؟
أخذت كأسي بين يدي متمتمة ، ثملت قبل ثمالة الكأس..
صحوت من شرودي على صوت موسيقى تراقص جسدي
قلت: أترقص lombada ؟
سحب كرسيّه إلى الوراء، ووقف يقطف زهرة تسمّى زهرة الديمورفوتيكا(زهرة معمّرة متنوّعة الألوان تعيش في مناخ معتدل)
تقدّم ببطء ووضعها على أذني مطوّقا خصري بذراعيه وهمس: جنّي ياروح..
كنت أرتدي فستانا أبيض اللّون بحمّالات رفيعة,
كانت الرقصة سريعة وكنت مزهوّة كطير خفّاق يجوب السماء دون قيد العادات والتقاليد والمركز الاجتماعي وتجار دينهم،
اتمايل بخطوات سريعة طبعا كما تقتضي تلك الرقصة التي أحبّها بجنون...
ادور كحبّة قمح في الرحى لأعود الى حضنه.
تغيب الشمس مودّعة إلى عمق البحر ويحين موعد العشاء الذي سيكون في كوخ الخالة ،"سولان" وزوجها الصياد
_أتذهب معي للعشاء؟
_ وهل تقبل الخالة سولان بزيادة ضيف ٱخر عليها؟
_تعال... الخالة "سولان" تحبّني وقلبها مفتوح للجميع..
وجدنا الخالة "سولان" قد أعدّت السمك المشوي وحساء خضار من حديقتها
ناديت "صولا" ابنتها التي لا يتجاوز عمرها 13 سنة خجولة جدا تكاد لا يُسمع لها صوت
_دعينا نساعد والدتك ونفرش فرش الطعام،
تأتي "صولا" بحملة قشّ نفرشها على الساحة أمام الكوخ، ثمّ نضع جلد ثور قديم معدّا ليوضع فوقه الأكل..
تحلّقنا حول الطعام... تعلو ضحكاتنا فرحا وراحة..
تبادلنا بعض الحديث عن تاريخ البلدة وتقاليد أعراسهم
همست في أذن المجنون
_أين ستبيت؟ فأنا ضيفة على الخالة سولان
_أنا أنام على الشاطئ، انتظر عودة المركب
_اتغادر البلدة؟
_لا أظن بعد الٱن
_المعنى؟
_وهل يترك الانسان روحه؟
وهل تعيش الروح دون الجنون؟
_نورة هويّات

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق