نصافح اليوم قلم مبدع من رواد مجموعتنا آملين أن تروق لكم خربشات قلمه المبدع
هو كاتب
تونسي عاشر القصة والرواية، تميزت أعماله بالسلاسة وحسن الصياغة والبيان، هذا
العملاق في فضاء الكلمة الرحب هو الأستاذ المتميز أحمد مال
ماجستير في
الأدب الحديث
أستاذ مميز
درجة استثنائية
أعدّ
للشّروع في إنجاز دكتوراه عن الاستعارات التّصوّرية في الشّعر العربي الحديث.
له ثمان
روايات أصدر منها واحدة هي "الحب في رقادة."
وجاهزة
للنشر:
1-قفصة
الدم العبثي
2-جمهورية
الحموعي
3-التشريقة
4-ليالي
العقارب
5-إذن
بالجولان
6-وقرأت
الكتاب (رواية لليافعين)
7-الأستاذ
منصف /سيرة ذاتية
8-مزمار
ولبأ وبرتقالة /سيرة ذاتية
له إصدار
قصصي (من حكايات هذه الرّبوع)
وأربع
مجموعات قصصية جاهزة للنشر لم تعنون بعد
بدأ شاعرا
وله مئات النّصوص العمودية وقصائد نثرية وأخرى عامية
له ماجستير
بحث/صور الذّات المتلفّظة في لزوميات المعري.
باكلوريا
1989
أصيل ريف
الدوارة /أم العرائس/قفصة
-مهوس
بالأدب الواقعي
محب
للرّواية السوفياتية.
كتب عن
الحب والحرب والظلم والسجون
مراجعه
المهيمنة بدوية أدب الرعاة والمنامات والحيوان والرحلات والحوع
وثورة
التحرير والمناجم
لكن في خضم
هذا الركود والجمود الحاصل في العالم العربي فهو يجد صعوبة في النشر وإيصال تجربه مثل
العديد من المبدعين
************
من كتابات الكاتب والتي أعتز بها شخصيا لما لمست فيها من حسن صياغة وبيان، وتجسيد
الفكرة برمزية مبسطة مفهومة تجربته الأخيرة التي إختار لها عنوان "إذن
بالجولان"
******************
إذن
بالجولان 1
بعد ساعات
من قيادة سيّارته على الطّريق الوطنيّة رقم 3 وصل عبد الفتّاح إلى مفترق دائريّ
يعرفه جيّدا وعبره آخر مرّة منذ عشرة أعوام ،يومها كان عائدا من ريفه وقبلها
بثلاثة أيّام حضر جنازة آخر عمّ له من أعمام سبعة عمّروا طويلا ويومها كان طالب هندسة
في السّنة النّهائيّة ويومها
كان موجوعا
لأسباب ثلاثة:
-موت آخر
عمّ له وكان يحبّه كأب حقيقيّ.
-فشله في
إقناع ابنة العمّ المتوفّى بأن تقبل به خطيبا بعد أشهر وقد قالتها واضحة كالشّمس
في يوم بلا سحائب:"أنا أحبّ أستاذي في مادّة الفيزياء ونحن ننتظر انتهاء العام
الدّراسي ونجاحي في الباكلوريا ليطلب يدي من والدتي"
-قراره
بهجر موطنه وترك هكتارات خمسة ورثها عن والده بورا فذلك المكان افتقد معانيه بموت
الكبار ونزوح الصّغاروأصبح يرمز إلى العدم بعد أن صرّحت جنان بأنّها تعتبره أخا
عزيزا فقط.
سينعطف يمينا في مسلك بدائي يربط قرى ومداشر ودواوير بعضها ببعض . المسلك يزداد
ضيقا وحفرا ورمالا ولكنّه هذه المرّة لن يخشاه فسيّارته رباعية الدّفع كفيلة
بالإجهاز على كلّ مطبّات الصّخر أو الرّمل أو الخنادق والحفر.
عشرة أعوام
مرّت بلياليها ونهاراتها
رتيبة
بلاطعم وحتّى الانتصارات
المهنية في
عاصمة إقليم بافاريا
بألمانيا
الاتّحادية لم تخفّف من ذلك
الألم فكلّ
نساء العالم كنّ عاجزات
عن ترميم
دخيلة منكسرة. فجنان ليست مجرّد ابنة عمّ تجمعهما رابطة
الدّم
وليست وجها جميلا قد ينساه في أوّل محطّة ...إنّها حلم سكنه لسنين. وفي صبيحة
اليوم الثّالث
لوفاة عمّه
استجمع قواه وطلب الانفراد بها خارج منزل مكتظّ بالمعزّين.
كان شبه
واثق من أنّها تبادله مشاعره بأخرى من صنوها .
اعذريني عن
لجاجتي وتشبّثي بالحديث إليك في ظرف كهذا قال.
أجابت وحزن
كبير يرين على وجهها:
أنت ابن
عمّي ومن حقّك التّحدّث إليّ متى شئت.
قال
:سأختصر فوقتي ضيّق،بعد أسابيع أتخّرج وهذا عقد عمل بأكبر شركات صنع السّيارات
بألمانيا أريدك
رفيقتي
هناك ،أخطبك ونتزوّج ونسافر معا.
غشت وجهها
بعض حمرة وأصدعت بما رجّه رجّا:
ولكنّني لا
أرى فيك أكثر من أخ وأنا
على علاقة
بأستاذ فيزياء من بلدة بشمال تونس.
أحسّ طالب
الهندسة وكأنّه طائر كان
يجول عنان
السّماء منذ ثوان بجناحين قويين وفجأة أصابته رصاصة صيّاد ماهر فأسقطته أرضا
فغدا شبيها
بأضعف خشاس الأرض.
في مارس
2010 غادر الطّالب
المميّز
مسقط رأسه وحزنٌ كاوٍ قد تلبّسه جسدا وروحا وكي يصل
هذا
المفترق الدّائري كان عليه أن يمشي على قدميه ثلث المسافة وعلى شاحنة ايسيزي
مخصّصة لنقل الحليب ثلثا آخر وعلى جرّار فلاحي
أحمر
الثّلث المتبقّي.
وما لا
ينساه أنّ الشّاحنة عجزت عن تجاوز رمال تكدّست في منحنى محاصر ب"طابتي
هندي"
وكان عليه
أن يساعد السّائق العصبي على إنزال الحمولة جانبا وجرف الرّمال النّاعمة جانبا
.كافحا لأزيد من ساعة دون جدوى وطفقت شمس ربيعيّة تصفع أوعية الحليب والرّمال
بشواظها،وفجأة تناهى إليهما هدير يقترب ....إنّه جرّار أحمر بلا محراث أو مجرورة
ساعدها سائقه على تجاوز
المطبّ
الرّملي وحمله إلى المفترق الدّائري .كانت ملابس السّائق زرقاء
مبلّلة
عرقا وكان يردّد بصوت قويّ جميل :
"جنّنتيني
يا جميلة روفي الّله يهديك
ڨلبي عندك
وبخلتيني راو حرام عليك"
سأله
عبدالفتّاح :
من جميلة؟
أجاب
:جميلة خطيبتي طالبة علوم تمريض قادمة من صفاقس وقد تصل من حين إلى آخر إلى
المفترق ومن هناك سأنقلها إلى قريتنا الجبلية.
***********************
إذن
بالجولان 2
كان في
حسبانه أن يعود إلى ألمانيا بعد اختتام صالون السّيارات الفاخرة.وكان هو ممثّل
شركته ذائعة الصّيت ولكنّ قرارا مفاجئا بإغلاق الحدود حتّم عليه البقاء بنزل من
فئة الخمس نجوم أقامت فيه وفود من بلدان كثيرة .وحين أدرك ألّا تفصّي من القبول
بالأمر الواقع قدحت بذهنه فكرة زيارة مسقط رأسه بعد عشرة أعوام وأيّام من الغياب.
عرف أنّه
لا بدّ من إذن بالجولان ،وتدبّر أمره لدى الجهة المسؤولة.
هاهو يصل
إلى مكان شبه مقفر ولكنّه يحبّه ....أزيد من عشرين مسكنا جلّها صفصف توفّي من
بناها
وغادرها
الأبناء والأحفاد لفقر عاوٍ ولإهمال حكومات تونس منذ الاستقلال.
نزل من
السّيارة الكبيرة وقلبه يكاد يفتح نافذة بين الضّلوع ليقبّل أرضا أحبّها.
وفجأة سمع
صوتين :نباح كلب وترحيب عجوز من الغابرين .
عرفها فهي
مرضعة والده واحتضنها
باكيا وسمع
بكاءها .
هي تدنو من
التّسعين ولكنّها في منتهى الحضور الذّهني.
قالت
:"البارح حلمت بحوشكم عامر
وأرضكم
اخضارت".
قبّل يد
العجوز مرارا وحمد الّله على أنّ حسابه البنكيّ به ما يكفي ليُسعد ويَسعد.
قالت
:انتظرنا عودتك لأعوام،كلّكم
تنكّرتم
لهذا المكان باستثناء جنان.
ولم يدر
ماذا أصابه بعد سماع الاسم
سمع طنينا
بأذنيه وازدادت دقّات قلبه
ونزّ جسده
عرقا واعترته رغبة في البكاء بصوت أقوى صوتٍ تردّده جدران المنازل القريبة
وتتلقّفه شعاب الجبل البعيد فيهمس الأخير في أذن
السّحب أن
اهطلي.
+أحمد مال+
********************
إذن
بالجولان 3
ظلّ يبكي
بصوت يسمع بالكاد زهاء ربع ساعة ،بكى الرّاحلين
من الأهل
وبكى أكثر من رحلت وهي على قيد الحياة ابنة عمّه جنان.
اجتهدت
العجوز في التّخفيف عنه ودعته إلى تناول طعام العشاء.
وذكّرته
بجدّته قبل ربع قرن وكيف
كانت تهبّ
لنصرته كلّما سمعت بكاءه
الّذي كانت
تشوبه محطّات أشبه
بفرقعة
الأصابع ثمّ يعود صوته ملعلعا.كانت جدّته تنصره
ظالما أو
مظلوما ومازال يذكر صوتها :"خلليتلك الكسرة في الرّڨعة 1" بعد كلّ بكاء
أو تباك.
وحين توقّف
عن البكاء انتبه إلى أمرين :
-العجوز
نحيلة "كڨصبة الرّيح"
-كلبها
ضُكاضك لا يشبه كلاب أهله
قبل ربع
قرن فقد كانت أكبر حجما
وأكثر
هزالا.أمّا كلب العجوز فقد كان
قصيرا
مكتنزا.
وليلتها
أدرك أنّ سرّ سمنه يعود إلى كثرة ما يَنفق من دجاح وأرانب
بهذه
النّاحية منذ أشهر.وتساءل
أهي جائحة
أخرى تنضاف إلى
كوفيد 19.
قبل ولوجه
منزل أسرته الّذي شيّد قبل نصف قرن أي قبل ولادته بعقد ونصف لاحظ أنّ الجدران
أصبحت
قصيرة وفسّر ذلك بكثرة
ما يزحف
عليها من رمال.ووجد
مبرّرا
منطقيا لكلم


ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق