قراءة في انثى الفصول للكاتبة ربيعة الفرشيشي - سيرة التماهي في الحضور والغياب بقلم : ساسي حمام
**********
انثى الفصول
سيرة التماهي في الحضور والغياب
بقلم : ساسي حمام
بعد ان نشرت الكاتبة ربيعة الفرشيشي عدة مجموعات قصصية منها: "الرجل الضباب" و"في تلك الليلة" وتهنئة" وتفاصيلي الأخرى" ها هي تقتحم عالم الرواية وتنشر روايتها الاولى بعنوان" انثى الفصول" وان هجرت مؤقتا القصة القصيرة فانها بقيت وفية لأسلوبها التي تفردت به وعرفت به واشتهرت ولطريقة سردها المتقطعة اللاهثة حتى انك اذا قرات صفحة واحدة عرفت ان ربيعة هي الكاتبة.
تشرع في قراءة الرواية فتنفتح لك منذ الصفحات الاولى ثلاثة مسارات. المسار الاول يخص المتحدثة او الساردة وحبها الشديد لعمر وبحثها المتواصل عنه ورفضها كل الاشخاص الذين احبوها لانهم لا يشبهون عمر.
اخيرا تعتقد انها وجد ظالتها في عمر الرسام الذي ياتيها من وراء الحدود على طائرة من بلد عربي. تقضي معه بعض الوقت متنقلة معه من مكان الى مكان ومن مقهى الى مطعم الى قاعة عرض .
تنفجر أحاسيسها وتنطلق مشاعرها ويتقد ذهنها فيجنح بها الخيال ويحلق بعيدا في المدى الرحب فيلتقي الماضي بالحاضر وبالمستقبل فتترك عمروتقفز من واقعها الحاضر في المدينة إلى اعماق الريف والجبال والوهاد والغابات فتتماهى مع جدتها التي هامت برجل غريب جاء حاملا على ظهره صندوق الدنيا وذات يوم ممطر ترك الصندوق وحملها وغادرا القرية.
وتتماهى مع طقوس التي تعيش نفس حكاية جدتها وعاشت كذلك قصة حب مع غريب وتعيش معه يوما ويختفي وتبقى باقي أيامها في انتظاره آملة أن يعود إليها ذات يوم.
ومع « سيسيليا» الدليلة السياحية الاسبانية التي احبت عرافا وتخلى عنها وغاب.
هي واحدة في تعددها وهي اختلفت عنهن وتركت كل محبيها لانهم لا يشبهون اباها ورفضت ان تقضي بقية حياتها في انتظار الرجل الغريب ورجعت الى جذورها الى حبها الطفولي الاول الى علي المهاجر رغم ان صدره لا يشبه صدر ابيها ووجهه لا يشبه وجه ابيها.
لقد كانت ترى اباها رمز للرجولة والامن والاطمئنان والقوة واحبت علي الذي رات فيه الرجولة منكسرة والرجل مهزوما عندما حاول ضربها على شاطئ البحر ولكنه سقط وغطى وجهه بيديه وبكى وبقيت تلتذ بصوته البكاء.
حضور الاب لافت في جل أعمال ربيعة الفرشيشي القصصية والروائية فهي تداعب صدره الغابة وتندس في برنسه العالم وقوقعته الورقاء وبرنسه الداكن كلاهما يجمعها ويعيد اليها الطفلة الهاربة منها ومن دونه تشعر بالوحدة وهو الذي يمسح دموعها بانامله الصغيرة وحده كان يراها قبل ان تنحدر من مكمنها وكان يمنع مغادرتها لمكانها.
هي لا تعاني من عقدة الكترا ولم ينتابها شعور الغيرة تجاه امها ولم ترها عقبة تقف امامها في طريق الاستحواذ على ابيها لانها لا تذكر امها الا عرضيا مرة واحدة صاحبتها للحمام.
لقد احبها ابوها وقربها منه لانها كانت اخوتها الذكور. فتسهر معه مع اصدقائه الرجال وتسمع احاديثهم ومغامراتهم مع النساء وذات يوم ذهبت الى سوق القرية المجاورة فتضيع هناك وبحثت عن امها فلم تجدها وعن ابيها فلم تعثرله عل اثر
واطلقت عليها العائلة التي وجدتها اسم طقوس واصبحت تبحث عن ابيها في كل الوجوه ولم تتحرر من الم الفقد الا بعد ان تذكرت على المهاجر وهو يبكي.
اللون الاصفر كذلك لافت حضوره في جل اعمالها القصصية والروائية اللون الاصفر لونها المفضل، فالرقة لفت بقماش اصفر، والمنزل مطلي بالطين الاصفر والستائر صفراء تلبس الاصفر وتتوشح بالشال الاصفر وباقات الورد صفراء ووردتها صفراء وتواري ما اتلفت في حفرة صخيرة تحت وردة صفراء وطلبت زهرة صفراء للمزهرية وفستانها اصفر وتحب اللون الاصفر العنب الاصفر والورد الاصفر والتفاح الاصفر.
ان اللون الاصفر هو لون مادي اولي وهو لون الذهب والشمس ويدل على الوجه المناقض للفرح والسعادة ويرمز للحزن والهم والذبول والماضي ان الساردة ضعيفة امام اللون الاصفر ولا تدري لماذا تفضله على بقية الالوان الاخرى وتحتفظ بصورة لها وهي ترتدي فستانا اصفر وهي لم تبلغ السادسة.
ان رواية " انثى الفصول" لربيعة الفرشيشي رواية نفسية بامتياز وهي من الرويات التونسية الجديرة بالقراءة والاهتمام والدرس وتحتل موقعا متميزا باسلوبها الذي يمتزج فيه الخيال بالواقع وبلغتها السلسة الشعرية التي تختص بنحتها وصوغها الروائية ربيعة الفرشيشي.



ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق