الأعمال الفنية للمبدعة التونسبة سليمى السريري: وظائف بنائية ودلالية..مغايرة للمعتاد
إنّ الفنّ العظيم يدعو الإنسان دائما إلى ممارسة الحرية عن طريق المحاكاة”(ألكسندر إليوت).
الفن التشكيلي مرآة للجمال و فرصة لمحو آثار القبح من ذاكرة الإنسان وملامح وجوده.وفي جميع تفاصيله،هو رحلة لإسترجاع شغفنا بالمفقود و الضائع عبر مسيرنا اليومي.منه و إليه الطفولة تنتهي،و من خلاله نتخذ لأرواحنا تجليات تتماهى مع مقاييس تشكل أحلامنا و انتصارنا على الهزائم و الانكسارات..
من هنا،لا يحيد القول عن جادة الصواب إذا قلت أنّ المبدعة والشاعرة الألمعية التونسية سليمى السرييري تمارس الرسم وتنحت الشعر أيضا،كونهما فعل عصيان.فعن طريقهما لا يفارق المرئي،فحسب،بل ويمحوه من ذاكرته البصرية أيضا لكيلا لا يقع في شراكه.وهي عن طريق هذا النسيان المتعمّد إنّما تحرث الطرق أمام حساسيتها لتقتنص فرائسها.وهي حساسية إنسان قرّر أن يترك العالم وراءه مكتظا بزواله.إنّها تقتني كائناتها مزهوة بإنفصالها هذا.
انفصالها الرؤيوي عن العالم ليمتص رحيق أحلامها من مكان آخر.مكان يقع خارج مما هو متاح بصريا.فتخرج كائناتها نقية كما لو أنّها لم تفارق عريها لحظة واحدة.كائنات حين يصطدم هواؤها ببعضه يحدث إيقاعه يظلّ عالقا بالعين.إنّها- سليمى الشاعرة/الرسامة التي تتلمذت على يدي -عن طريق الرسم وكذا الشعر تصل إلى إختراعها .كائنات تتدفق من بين الأصابع ذاهبة إلى مستقرها لتفاجىء -مبدعيها ومريديها-بحضورها..
بين الريشة والقلم تتنفّس- المبدعة التونسبة الفذة سليمى السرايري- المقيمة على التخوم الفاصلة بين البسمة والدمعة..يشموخ وإعتزاز..لذا ينبض قلبها على ايقاع سري حيث تلتهب في صدرها المشاعر التواقة إلى النفاذ نحو باطن الأشياء إلى سر الجمال والكمال.
حين تدخل إلى محترفها تحار على أي حجر تصوب عينيك وإلى أي رسم أو قصيدة تمتد يداك..؟ أشكال إبداعية تجتاح ألوانها الحواس وما عليك سوى أن تغوص في بحار عوالمها وجراح ابداعاتها لتجد نفسك أمام ذاكرة كونية تتلاطم ألوانها مثل الموج على شاطىء الروح. فنانة/شاعرة تجرك من شرايينك إلى سرمدية عوالمها العالية. أشعارها/رسوماتها.. المختلفة الأشكال تختصر معاناة كاملة تجسد الإنسان في حركاته،في رقصه وحزنه وأفراحه..
المبدعة -سليمى السريري- لديها القدرة الكافية لإحتواء التفاصيل حيث تظهر سلطتها في الأحياء والخلق والإبداع. إبداعاتها تستمد ضوءها من المد والجزر لألوان الوجود ..
سليمى-كما عرفتها- بأعمالها الفنية من رسومات ولوحات شعرية مشاغبة من الدرجة الأولى رغم قلبها المسالم تعبث بالألوان بحرية عاشقة متلهفة للكمال..وتعبث بالفرشاة وكذا القلم تجرحهما في كل اتجاه من الصمت إلى البوح..إن الصور الجمالية في رسومات-وأشعار المبدعة-سليمى-،تسبح في مساحات فنية بوسائط تشكيلية مختلفة كوحدات بنائية لتثبيت الفضاء.
فعملية التشخيص البنائي لديها من خلال أعمالها الفنية تقوم على الواقعية التي تحرك الأشكال المباشرة بالألوان لتنتج معاني ودلالات ذات قيمة فنية كبيرة،ولاشك أنها قد وفّرت لفعل ذلك جملة من المواد بتصورها المخالف للمألوف،عن طريق إنشاء نظام تشكيلي بدءا بالخامة والتقنية العالية،التي تروم من خلالها التوليف والإنسجام بين كل عناصر الإبداع (شعرا..رسما ..نحتا..إلخ..).
إنه تطبيق عملي وفق رؤى وتخييلات المبدعة الرائقة -سليمى-،حيث تتخذ عملية التوظيف الشخوصي أشكالا جمالية تتيح للبناء البصري صياغة تصويرات تتفاعل مع مقومات العمل وتستنطق مخزوناته الإبداعية،وأسلوبا فنيا ممنهجا يختزل قيما جمالية بأبعاد غير محدودة.
إنها بذلك تصنع فنا مرئيا تتذوقه الرؤية البصرية بصيغة حسية على اختلاف الوسائط التعبيرية المُستخدمة في العملية الإنتاجية.فأستطاعت بذلك أن تصنع مفردات تشكيلية جديدة بمقومات فنية عميقة الدلالات وبأسلوب معاصر،اتخذت منه مادة فنية جمالية لبناء عوالم فنية متنوعة المضامين ببعد فني رائق، وقد وظفت لذلك تجربتها الرائدة في الفن التشخيصي بتحويل أبجدية الواقع بحسية وأسلوب تعبيري غزير الدلالات،جعل من هذا العمل الفني عنصرا فاعلا تحكم بواسطته في الفضاء عبر مجموعة من الأشكال والألوان الدقيقة.
فالفنانة/الشاعرة -سليمى-دائما تبني عملها الجاد في فضاء يسمح بخروج المادة التشكيلية إلى حيز الوجود الحسي والبصري بكثير من المهارات والتقنيات العالية،في نطاق ما تسمح به خبرتها الرائدة في الحركة التشكيلية المعاصرة.كما أن مهاراتها في صنع أشكال شخوصية مبتكرة وذات معاني على خامات ناعمة يؤشر على تصوراتها الابداعية التي لا تتوقف.
إن أعمال المبدعة/الشاعرة الألمعية -سليمى السرايري-تتسم بجمالية غير محدودة،وبلغة تشكيلية شخوصية تنتج عن الرسومات اللونية بتعدد مفرداتها،وبتعدد الألوان والأشكال التي تبعث فيها الحركة،والتي توحي بالحياة والتفاؤل في سياق واقعي وإبداعي وجمالي،فأعمالها الفنية تترابط على نحو جمالي يرصد الواقع الإنساني بخلفيات فنية ودلالية،تعج بالإيحاءات والإشارات والدلالات التي تعزّز الوجود الواقعي وترقى بالمادة التشكيلية إلى مستوى يباشر البصر والإحساس على حد سواء.
*ملحوظة: في رسم/وأشعار-سليمى السريري- تشكيل فنّي تتخلّله روح فنيّة تبحث عن مستقرّ لها في شكل ما..ولنا عودة إلى أبداعاتها الخلاقة عبر مقاربات مستفيضة ..
محمد المحسن


ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق