سلسلة دروس في تحليل النص الادبي
وعلم العروض
أ.د/ نبيل العريقي
المحاضرة رقم 8
ألوان مختلفة في الأدب العربي
خطوة بخطوة
🌷🌷مفاهيم عامة🌷🌷
🔴 المفهوم الثاني النقد7
ط -- النقد الأسطـوري :
النقد الأسطوري من تلك المناهج النّقدية التي قدمت نفسها كأداةً تملك مفاتيح النّص الأدبي، وقد وجد هذا المنهج أنصاراً من الذين يدعون إليه، واستطاع أن يقدم تفسيرات وتخريجات مقنعة للنصوص التي عالجها.
وهو نقد من خارج النّص، فهو لا يدرس الشعر بل يبحث عن مصدره الخارجي ومادته الخام، ويزداد النّظر انحرافاً
حين يرى مصدرا وحيدا لهذا الشعر، وهو الأساطير وهكذا تغيب أركان الظاهرة الأدبية. ويكثر أتياع هذا المنهج في الغرب،
وقد بات يلاقي هذا المنهج الرضى والاستهواء في نفوس كثير من الدارسين والنقاد العرب.
وهذا المنهج يوظف في سخاء في كثيرمن الدراسات العربية، التي قام كتابها بتطبيق هذا المنهج على بعض نصوص الشعر الجاهلي
وكل هذه الدراسات تقوم على تحليل النّص من خلال أسطورية الأدب كربط المرأة بالخصب وعبادة الشمس وحيوانات الصحراء ونجوم السّماء، وعد الفرس رمزاً للشمس.
وقد كان توظيف هذا المنهج عند البعض منهم ناجحاً موفقاً، مدعماً بالأمثلة التي تفسره
فالمنهج الأسطوري هو ذلك المنهج الذي يتخذ من الأدوات الأسطورية والإنثروبولوجية والتاريخية والأثرية أداة في تفسير النّص الأدبي وفكّ أسراره، وفهم مراميه، وإدراك غايته ورسالته. ولهذا المنهج أصول في الكتابات العربية مثل
كتاب الحيوان للجاحظ، والذي مهد لظهور هذا المنهج (نورثروب فراي ) في كتابه (تشريح النقد) الذي حاول فيه تأسيس منهج جديد لتحليل الأعمال الأدبية
هو المنهج الأسطوري.
وقد أولى فراي في هذا الكتاب أهمية فائقه لنظرة الأنماط العليا أو النماذج البدائية التي تعني أنّ كل إنسان يرث من جنسه البشري قابلية لتوليد الصور الكونيّة التي وجدت من دهور سحيقة في النفس حين كان الإنسان مرتبطاً بالطبيعة.
وليسـت تتحدد هذه الصور الكونية - وفقا لهذه النظرية - بمضامينها بل تتحدد بأشكال؛
لأنّها في ذاتها شكلية صرف. وبناء على هذا التحديد تكون على سبيل التمثيل لا الحصر
جمهورية أفلاطون صورة نمطيّة تكرر النّمط الأعلى أو النّموذج البدائي الذي هو جنة عدن، وتكون رحلة السندباد صورة نمطية
وعلى الناقد أن يقف بعيدا عن القصيدة، ويتأملها ليكشف منظومتها الأسطورية أو تصميمها الميثولوجي.
إن الأدب وفقا لنظرية فراي يصدر عن بنية أساس -- نسق أو نظام-- وهي الأسطورة في حالتها الأولى والأصل النفسي: اللاشعوري الجمعي الذي يربط فيه كثير من الباحثين بين المنهج الأسطوري ونظرية كارل بونج في التحليل النفسي. بعد أن طور يونج نظرية فرويد باكتشافه طبقة أخرى من اللاوعي الذي تقع تحت طبقة اللاوعي الشخصي أو العقل الباطن التي اكتشفها فرويد، ورآها أشبه بقبو ضخم تختزن فيه الأخيلة المكبوتة، والمكبوحة التي تشكل العقد
وهذه الطبقة العميقة من اللاوعي التي اكتشفها يونج هي طبقة اللاوعي الجمعي التي تستعصي على التحليل الفرويدي؛ لأنّها منبتة الصلة بالكبت والعقد. والإنسان -وفق هذه النظرية- شبكة معقدة من الثقافة والبيولوجيا، فهو المخلوق الوحيد من المخلوقات جميعاً الذي يرث تاريخ جنسه جسدياً وعقلياً معاً، فكما يرث جسده الذي تطوّر عبر ملايين السنين أيضاً.
ويشكل اللاوعي الجمعي جزءاً من الإرث الإنساني الذي يرثه كلّ إنسان، ومن هنا كان هذا النوع من اللاوعي عاماً وشاملاً ومتشابهاً ودائم الحضور في كلّ إنسان، ونستطيع أن نصوغ هذا الكلام فنقول، إنّ في أعماق كلّ منا -- نحن معشر البشر-- إنساناً بدائياً نصدر عنه في أمور كثيرة دون أن نعي، وعن هذا الإنسان البدائي أو اللاوعي الجمعي تصدر الصور المألوفة في الفن والأدب والأساطير والأحلام. ومن إيجابيات توظيف
- المنهج الأسطوري في دراسة النصوص:
1– ينطلق هذا المنهج في دراسة النص من مفهوم اللاشعور الجمعي وبقايا العبارات الكامنة في باطن النص، ولا يحجب صاحبه، بعد أن يرفض الارتكاز الأحادي على الدراسة الوصفية للأدب.
2– هذا المنهج يبرز الصورة، كما يبرز مستويات تناولها ودلالاتها عند كلّ شعب. فمثلاً من يوظف هذا المنهج يدرك أنّ الشّمس رمز للخصوبة المؤنثة عند العرب، بينما هي رمز للرّجولة عند اليونان .
3– هذا النوع من المناهج يحتمل توسّع الرّؤى والتفاسير والمناظير حسب تقدم التفاسير الميثيولوجية، وتقدم الفهم لطبيعة التفاسير الميثولوجية، وتقدم الإدراك للرمز في حياة الإنسان.
4– يتطلب قراءة نصية فاحصة، فهو يهتم من النّاحية الإنسانية بما هو أبعد من الاكتفاء بقيمة الجماليات الدّاخلية في النّص، فهو يهتم بالمتلقي، وبالأنماط الأساسية في المجتمع وبالمتلقي.
5– إنّ هذا المنهج، كما يرى سكوت، يسعى لكي يفيد إنسانيتنا، تلك الإنسانية التي تقدر العناصر البدائية.
6– وهذا المنهج يستطيع أن يفسر لنا كثيراً من الظواهر، ويربط فيما بينها ربطاً يعجز عنه أيّ منهج آخر.
7– هذا المنهج يساعد على معرفة الآخر، بل ومعرفة النّفس من خلال تعامل هذا المنهج مع الذات والأعماق الإنسانية واللاوعي الجماعي.
8– هذا المنهج يستعين بتقنيات علمية حديثة أدبية وغير أدبية، كما يستعين بمعارف عصره في تفسير نصوصه.
9– إذا أحسن تطبيق هذا المنهج وفق معاييره الموضعية، فإنه يقدم نتائج موثقة توثيقاً لا يترك مجالاً للأحكام الانطباعية أو الأهواء الشخصية، مستمداً في سبيل ذلك ممّا توصل إليه علم الآثار، وما تركه القدماء من أساطير أو تماثيل أو طقوس.
ومن سلبيـات توظيـف المنهـج الأسطـوري فـي دراسـة النصــوص:
1– كثيرا ما يتحمّس أنصار هذا المنهج له، فيخرجون بمقولات دون أسس، ويسعون جاهدين لتدعيمها بعد لَيّ عنق النّص، فمثلاً يزعم بعض الدارسين أنّ ملحمة جلجامش كانت معلقة على الكعبة دون إعطاء أدلة على ذلك، كما يزعم بعض آخر أنّ جلجامش وهرقل وذا القرنين وموسى الخضر شخصية واحدة دون إعطاء أدلة على ذلك أيضاً.
2– المبالغة في تطبيق هذا المنهج على كلّ نص، تجعل النّص يبدو كأنّه تاريخ أسطوري، لا نص أدبي.
3– هذا المنهج يبالغ في تفخيم الأعمال الأدبية، ويرتفع بها إلى مستوى الوصايا أو الكتب المقدسة.
4– كما أنّ هذا المنهج يحطّ من قدر مؤلفي النّصوص، فيتلاشى الكاتب، ويبقى النّص مقدساً بما يحمل.
5– هذا النوع من المناهج يُبعد القراء عن قراءة التّحف الأدبيّة؛ لأنّه يجعل المرء محتاجاً إلى قراءة الكثير من الكتب كي يفهمها، كما أنّه محتاج إلى أن يفكر ملياً في كلِّ جملة من جمل العمل الأدبي.
6– قد يبالغ أتباع هذا المنهج، فيجعلون اعتقادات أخرى مكان ما قاله المؤلف على وجه الحقيقة، ويؤولون ما أراده على غير ما أراد.
7– هذا المنهج يجعل الأدب كحامل لعدد من الأساطير، فيفقد العمل جزءاً من متعته التي تنتهي بمجرد أن يفكّ الشّخص رموز هذا العمل، دون الاستمتاع به، فهو مجرد لعبة رموز.
8– هذا المنهج يلغي الحدود بين الفن والأسطورة، بل بين الفن والدّين.
9– هذا المنهج لا يفرّق بين الفن الجيد والفن الرديء، فهو يضعهما على قدم المساواة، فكلُّ ما يهمّ المنهج تفسير باطن النّص، وفكُّ رموزه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق