الجمعة، 23 أكتوبر 2020

إضاءة في ديوان "في رحاب الوجدان " بقلم الأديبة جميلة بلطي عطوي

 إضاءة

الجميع يعلم أنّ الشّعر من الفنون العربيّة الأولى لذلك قيل "الشّعر ديوان العرب" باعتباره في نظر الدّارسين وثيقة يمكن من خلالها الاطّلاع على أحوال العرب وثقافتهم، من أجل هذا حرص العرب على أن يكون هذا الجنس الأدبي متميّزا عن غيره من الأنماط الأدبيّة الأخرى فكانت العناية بتحديد خصائصه الفنيّة التي من أهمّها أن قيل فيه "الشعّر كلام موزون مقفّى" وقد ظلّ الشّعر عبر العصور قرين الحياة ونبضها السّاكن في القلوب.
الشّعر إذن صوت الذّات، صوت الآخر وصوت الجماعة إذ بالشّعر يغزو الشّاعر المسافات، يرسم الواقع كما يراه أو كما يشتهي أن يراه وخيال الشّاعر قادر على كسر الحدود وخلق المفارقة لينشئ عالما مختلفا، مفرّقا، جامعا، هو خلطة الأنا والأنت والهم.
هو الإنسانيّة التي تتأرجح أفكارها ، أحلامها وآلامها على حبال اللّغة، ينسج منها الشّاعر دثارا أو يتقلّد سيفا وقد يمتطي براقا.
الشّعر نفحة الطّيب تغري وتثري، حمّالة أوجه، رسّامة أهداف غايتها الأولى الإنسان وسلاحها اللّغة والجمال يتغلغلان في وجدان المتلقّي ويفتحان عينه على الواقع.
لذلك كان الشّعر يتطوّر مع الزّمن حتّى يواكب التطّوّر الحضاري الذي تعيشه الشّعوب فمن القصيدة الأنموذج كالمعلّقات إلى القصيدة التّجديدية بداية من القرن الثاني للهجرة وصولا إلى العصر الحديث الذي تعالت فيه أصوات الدّعوة إلى التّحرّر، حركات اعتنت بالتّجديد في اللّغة والصّور والأشكال البنيويّة كالشّعر الحرّ، شعر التّفعيلة والقصيدة النثريّة التي تولّد عنها ما يعرف حديثا بالقصيدة الأفقيّة ذات الكتلة الواحدة التي كسرت الحواجز بين الشّعر والنّثر.
ولعلّ أّول ما يشدّنا في هذا الدّيوان أنّه يجسّد صورة لكلّ ما ذكر إذ يجمع بين الأصالة والحداثة: فيه القصيدة التّقليدية ببحرها وقافيتها وأوزانها الخليليّة كما فيه ذاك النّزوع إلى التحرّر من القيود بحثا عن مساحة أرحب يسجّل فيها الشّاعر ما يخالج نفسه من الأفكار والأحاسيس. فيه الحرف الذي أتيحت له فرصة الظّهور كما فيه الحرف الذي يتلمّس طريقه إلى النّور والتّجربة الإبداعيّة.
هذا الديوان الجماعي مبادرة تهدف إلى رعاية الحرف وتكريس اللّحمة بين المبدعين خدمة للغتنا العربيّة الجميلة.
هنيئا للجميع بهذا المنجز الثقافي الذي لا شكّ سيفتح باب العمل الجماعي على مصراعيه من أجل ثقافة جادّة وراقية.
جميلة بلطي عطوي
L’image contient peut-être : texte

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق