مقدّمة الديوان الأول بقلم النّاقد المصري سامي ناصف
""""""""""""""""""""""""""""""""""""
مدخل ..
يقدّمه الشّاعر النّاقد /سامي ناصف
جمهوريّة مصر العربيّة..
هو مدخل استكشافي وليس نقدي
وتحليل لبعض الرموز التي انطوى عليها الديوان الفصحى، الصادر عن (الوجدان الثقافيّة ) لمجموعة من الأدباء والكتاب التونسيين والّتي يقودها الشّاعر والأديب الطّاهر مشّى.
....................
إن مهمّة النّقد في التّوضيح والتّفسير والشّرح والتّحليل، والحكم على العمل الأدبي ، بحيث تظهر فيه التّجربة الجماليّة صورة مؤثّرة مقبولة تسُرّ القارئ ،وتطرب السّامع ،وتمتّع النّاظر الفاحص الخبير .
فالنّقد يجعلنا ندرك سمات الجمال وملامحه في النّص الأدبيّ ويقودنا إلى سحر المادّة ؛ ويدلّنا على الطّريقة والشّكل الّذي صِيغت فيه، ويضع يدنا على ما في النّص من رموز مؤثّرة، وروح تعبيريّة خلاّقة، وعناصر متكاملة.
فالنّقد يعطينا إحساسا بالمقصد الجمالي.
وهناك شعراء وأدباء، يفقدون قدرة التّحَكم حال كتابة نصوصهم الأدبيّة،
فتطغى في نصوصهم، لغة الفوضى وفوضى اللّغة.
بمعني أنّ هؤلاء يكتبون بلا هدف أو إطار أو رسم لملامح التّجربة، بل يلقي بعقله وحسّه في سراديب التّجربة ،فتنفلت منه حاسّة العين والذّهن فيغرف لغة مخاصمة للإطار والفكرة والوجدان، فتتسرّب من بين حروفه الوحدة الفنيّة للنّص، ويصبح النّص مخوخا فتطفو على السّطح لغة الفوضى وفوضى اللّغة .
إلا أنّنا أمام هذا الدّيوان الّذي يضمّ نخبة من الكتّاب والنثّار، على اختلاف مدارسهم، وتعدّد مشاربهم، نشتمّ ثمّة خيط جامع بينهم، ألا وهو التيّار الوجدان، والنزعة الرّومانتيكية، التي سيطرت على چلّ النّصوص .
ويتميّز هذا الدّيوان بنهج أسلوبيّ ناجح في تحقيق الهدف والمغزى، فهذا النهّج ينعم بمظلة (اللّغة الانزياحيّة ) التي تتميّز بالخروج عن المألوف،
فالانزياح في اللغة، هو زوال الشّيء وتنحّيه، وبذلك فإنّ الانزياح إذا حقّق قيمة جماليّة وتعبيريّة، يُعدّ خروجا عن المألوف، وتجاوزا للسائد، وخرقا للمتعارف عليه.
ولمّا كان الانحراف اللّغوي مرتبطا بالنّص، فيمكن تقسيمه إلى نوعين واضحين :
الأوّل- هو الانزياح الدّلاليّ ويكون في البلاغة، أو الصّور، أو التّشبيهات ،الاستعارات والمجازات .
الثاّني- الانزياح التّركيبي وهو مرتبط بقوانين اللّغة والنّظم وتركيب العبارات كالتّقديم والتّأخير، كما نجده في معظم النّصوص التي تقع بين أيدينا هنا ومن المعلوم أنّ ظاهرة الانزياح الأسلوبي، تُظهر لنا النّص الأدبي كخطاب مغاير للخطاب العادي، من حيث بناء الكلام فيه على مبدأ الانزياح عن النمط المألوف للغة، صيغة ووظيفة.
ونجد هنا عبر نظرتنا الكاشفة لهذه الأعمال أنها جرت في هذا المجرى.
وإذا كان الانزياح بهذا العمق والتّغلغل في صلب الإبداع الأدبي وبهذا الاتّساع والشّمول غريبا أن تتداول للدّلالة، مصطلحات عدّة، كالتّجاوز، والانحراف، والاختلال.
وقديما استعمل "ابن جنّي"مصطلح "الخرق" للدّلالة على شذوذ الشاّعر المبدع في تعامله مع اللّغة وهو ليس ببعيد من حيث سماته الايحائيّة عن المصطلحات المذكورة آنفا.
والجدير بالذّكر أنّ استعمال ابن جنّي لهذا المصطلح جاء في معرض دفاعه عن حريّة الشاعر في تعاطية مع اللّغة يقول ابن جنّيّ: فمتى رأيت الشّاعر قد ارتكب مثل الضرورات على قبحها وانخراق الأصول بها، فاعلم أن ذلك على ما جسّمه منه وإن دلّ من وجه على جوره وتعسّفه .
فمتى ظهرت ظاهرة الانزياح؟
ظهر بظهور الشّعر الحديث، أو الحداثة الشّعرية، ذلك لاختلاف اللّغة الشّعرية عن غيرها.
والانزياح هو وسيلة من وسائل هذا الإيحاء، فهو من الظواهر المهمّة في الدّراسة الأسلوبيّة التي تميّز النّص الأدبي عموما والنّص الشّعري خصوصا، وذلك لما للنّص الشّعري من ميزات تجاوز المألوف وتخطّيه .
فعلى كل مبدع حصيف أن يزاول اللغّة الانزياحيّة عبر نصوصه الأدبيّة ليلبسها حلل الإبهار والدّهشة، ولا يرمي بالانزياح إلى مزالق الغموض الذي يُلبس النص انبهاما يكبّل التّوظيف الجيد للمفردة ويعوق المعالجة لمقصود التّجربة .
ونجد هنا بعضا من الكُتاب من مهروا اللغة الانزياحيّة مع ضبط الإيقاع حتى لا يقعوا بمنزلق الغموض.
والمتصفح لهذا الدّيوان ،سيجد ملمحا داهشا حيث تنطوي بعض نصوصه على جملة من الصور البيانية الابتكاريّة الماتعة التي ليس لها بصمة سابقة في دنيا الإبداع سوى البصمة الوراثية التأثيرية لمخزون الثقافة العربية ،
ومنهم من جمع بين -عبق التراث ، ووهج الحداثة ، ومهر في ذلك.
تلك كلمتي استكشافيّة ،لا نقديّة ،مفتاح لمدخل الدّيوان ،وعلى القارئ أن يستكشف بنفسه وينعم بما تحصله من فائدة حتى مبدع النّص نفسه يبحث عن اللّغة الانزياحيّة في نصوصه بعد أن عرف دورها،
ويبحث عن الصور الابتكارية بعد أن تبين أهميّة دورها.
ألف مبارك لكل الأدباء والشعراء أصحاب الأعمال التي أنارت الديّوان ،
ومبارك للواقع الثقافي ،هذا الدّيوان الرّائع.
كتبها لكم ..
الشاّعر النّاقد /سامي ناصف
جمهوريّة مصر العربيّة

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق