الأحد، 11 أكتوبر 2020

(أجراس غاضبة) للشاعرة منجية حاجي تقديم محمد المحسن( برؤية برغماتية)

 تقديم محمد المحسن( برؤية برغماتية)

كنتُ أعرف أنّها امرأة جميلة،مفعمة بالحيوية،ولكنّني كنُت أجهل أنّ في أعماقها موهبة شعرٍ، في وقت تسلّل إلى ملكوت الشعر طفيليّون لا عَدَّ لهم،يفورون في هذا الملكوت كرغوة الفطر السامّ،أو كالعفَن،تُعْوِزُهم اللغةُ والإيقاع،وبنيةُ القصيدة؛وباختصار: يُعْوِزُهُم الشعرُ! شُعراءُ بلا شعرٍ،ولا وجه،ولا جباه.
ما أشدَّ بؤسَكَ،أَيُّها الشعرُ، بهم!
لكنّ-منجية حاجي-،ولَجَت بخطْوِها، شأنَنا هنا،هذا الملكوت،وهي تحمل معها موهبة فذّة، ومعرفة باللغة،وحِسًّا مرهَفًا،وإلمامًا بالإيقاع،وهندسةً للصورة من غير صناعة،فلا تأتي صورُها جميلة كتماثيلِ الرخام،بل تكونُ حيّة،دافئة،كقلوب البشر المتفجّرة عاطفةً.
واللافت في عاطفتها التي تترجمها شعرًا أنّها تنقل حبًّا كما لو كان ضاع،وتتمسّك به على أنّه خشبة خلاص في هذه الحياة.كلُّ شيء،في عالم قصيدتها،يسيل عاطفةً،ويلهَج شوقًا،وكأنّما عاطفةُ الحبّ هي بيت الإنسان الذي يقيه عثَراتِ الحياة،وخطرَ الضَّياعِ في ظلماتِ الأيام.
وبين زفرة وزفرة،تترقرق اللغة مثل كوثرٍ منهَلٍّ مِن عَلُ،يحمل في إيقاعه الدافئ حنينَ العودة إلى البدايات،وتَرَفَ الإحساسِ الثَّرِّ الذي يجعل المرأة امرأةً حقًّا.
إنّها المرأة التي تَكْنَهُ الدنيا بإحساسها،بروحِها لا بحواسِّها المادّيّة،بضميرها المليء الذي يميّز بين الأشياء الهشّة الفارغة،والإحساس الممتلئ المتكامل.
وإذن؟
الكلمة الشعرية إذا ليست مجموعة حروف مجموعة مع بعضها البعض لتشكل كلمة ؛إنها مجموعة من الأرواح المتشابكة تبعث فينا الروح و الثورة .‏
إن الكلمة الشعرية كالينابيع التي تتفجر في سطح الارض ،تتشكل و تتخمر عبر سنين طويلة ثم تشق وجودها الى حيز الوجود .‏
والشاعرة التونسية المتميزة -منجية حاجي-التي تقف أمام ذاتها،وتحاول الكشف عن القيم النبيلة في الانسان باستخدام لغة لها اتجاهان:واحد للاشارة،والآخر للتعبير عن انفعالها بما حولها.وإذا صحت المقابلة،فإننا أمام صورة فنية تحتم الالتفات إليها والتمعن فيها،كمثل ما تحتم ذلك الأسئلة في الرياضيات والفيزياء وسواهما من العلوم بمعنى آخر،فإنه يجب علينا إذا ما رغبنا في تحليل هذه القصيدة،تقديم تحليل شامل يوجب البحث عن الانسجام بين أجزائها جميعها،دلاليا وتركيبيا وجماليا،وذلك لاكتشاف المعنى الحقيقي ومعرفة آلية تمظهره في اللغة الشعرية..
و قبل أن أنهي -هذا التقديم المتعجلة"ل“أجراس..غاضبة”لا بد أن أشير الى أن الشعر هو عمل لغوي بالأساس و من لا يكون له حس مرهف باللغة و عشق لها لا يمكن أن يتعاطى فعل الكتابة و الشاعرة-منجية حاجي-تسعى دوما الى الإنفتاح على أفاق تعبيرية جديدة تفصح من خلالها عن تجربتها الإبداعية و تقول غائر مشاعرها بأناقة لغوية لافتة .
الشاعرة التونسية-منجية حاجي- في ديوانها الجديد “أجراس على وجه المدينة،تسعى إلى معالجة قضايا الحب والإنسانية بحساسية مفرطة،فهي تختزن الكثير من المفردات الشعرية في معجمها الدلالي وتركيبها الشعري دلالات لا يمكن أن يفهمها قارئ القصائد من المرة الأولى لذا عليه أن يعيد سبر أغوارها ثانية وثالثة ليتمكن من اكتشاف المعنى المتدفق في المقطع الشعري في كل سطر وبيت.
وخلاصة القول في ايقاع قصيدة الشاعرة منجية حاجي في ديوانها هذا ان ايقاعها متدفق، وغير مضطرب في أغلب القصائد،وهذا ما كشفته دراستي السابقة وان سبب هذا التدفق والانسجام في الايقاع هو حرصها الشديد الواعي،أو غير الواعي (الدفين )في انتقاء المفردات، وتنظيم توافقها داخل النص،كما دراستي للايقاع تؤكد ما ذهبنا اليه من ان النثر يحتوي على ايقاع ذاتي متأت من طبيعة تشكيله .
لذا قد يستغني الشاعر عن ايقاع البحور الشعرية اذا امتلك القدرة في تنظيم التشكيل وخلق إيقاع الكلمات في النص .
لنستمتع بهذه القصيدة التي تحمل إمضاءها:
(أجراس غاضبة)
تدوس بنعلها الطين
بخفة رأسها المفرغ وصمته الخاوي...
ظهرها مسند لهوجاء الريح بصراخها المفجع بالأوجاع
رسمت على وجهها تجاعيد بخارطة شمس... في جحيمها تصطلي
لم يتبق منها غير خزانة ذكرياته
التي تزدحم بالأدراج ...
وماتخفيه من يابس أزهار قديمة
كانت ذات يوم هدايا مميّزة...
سنون الجمود ركنت...
كصخرة تنام في صحراء
لا ترى من الحياة غير نهر النسيان النتن...
في ركن ميت تطلّ من ثقب الليل...
تنسج رداء لأجراس الأمل... فتتفتّتُ الأجراس ،و يفنى الأمل
هاهي...
تطفئ أنوار الحياة وتمضي...
لعلّها ترى مالا تراه بعيون النهار
فيخذلها صخب الرصاص...
وحثيث النّعال إلى المقابر...
فتَعَضُّ أصابعها أطراف الكفن وترررررررحل..!
---------
بقلم منجية حاجي

L’image contient peut-être : 2 personnes, dont Mongia Hajji, personnes assises
L’image contient peut-être : 1 personne, gros plan

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق