الاثنين، 24 أغسطس 2020

"رحلة العمر مخزون لامتناهي" في تجاعيد آسرة للكاتب الجزائريّ محمّد الكامل بن زيد بقلم النّاقدة الذّرائعيّة إبتسام عبد الرحمن الخميري من تونس

 "رحلة العمر مخزون لامتناهي" في تجاعيد آسرة للكاتب الجزائريّ محمّد الكامل بن زيد

بقلم النّاقدة الذّرائعيّة إبتسام عبد الرحمن الخميري من تونس

"تجاعيد آسرة" هي مجموعة قصصيّة ضمّت تسعة عشر أقصوصة يمكن لنا تصنيفها بالقصص الواقعيّة حيث أنّها تجتمع كلّها حول عناصر توحّدها و تجعل منها قاسما مشتركا و هي المعاناة الإنسانيّة الوجوديّة،
إنّ مجموعة "تجاعيد آسرة" تتجاوز الزّمان و تكسر حواجز المكان فترسم لنا بلغة سلسة رغم بساطتها، آلام الإنسان أينما كان و في كلّ زمان تقريبا بالنّظر لواقعنا العامّ إجمالا، فهي مكتنزة معان عميقة غاية في العمق...
إنّنا آلينا على أنفسنا تقديم هذه الملاحظات بعد القراءات المتعدّدة و المختلفة في الزّمان( من سنة 2016، بعدها سنة 2017 ثمّ سنة 2019 كآخر فترة ) و تأكّد لنا رسمها لكلّ الآلام في كلّ الأزمنة... و سنغوص في بعض اللّوحات الّتي قدّمها لنا الكاتب "محمّد الكامل بن زايد". مفردة : تجاعيد جمع "جَعْدَةٌ" كما في معجم "المعاني الجامع" يقال برزت تجاعيد في وجه الشّيخ ظهرت فيه غضون، ما ظهر على الوجه من خطوط و غضون سطّر العمر تجاعيد وجهه.
مفردة: آسرة، هذه التّجاعيد لم ترد في المطلق بل هي آسرة، أَسِرَ: قبض على شخص و أخذه أسيرا، بهذا المعنى نلمس أنّ الكاتب أراد القبض على خطوط العمر و تقديمها إلينا كمن نبش الغبار عن مشاعر مركونة أعطاها قيمة حين كتبها و لعمري هي كذلك.
"إنّها أثر أدبيّ نقف عنده لنزداد معرفة بالحياة" و الكلمة للنّاقد "حبيب مونسي" فالمجموعة القصصيّة "تجاعيد آسرة" هي تجاعيد مفزعة و غريبة، هي رسوم قد يكون الكاتب عاشها لكنّها متّصلة شديدة الاتّصال بالإنسان أينما كان، بغضّ النّظر عن مكان إقامته، فكانت لنا رحلات من الجزائر إلى تونس و مصر و كذلك فلسطين و غيرها من الأماكن العربيّة الطّافحة أوجاعا...
و كان للطّفولة مكان مهمّ بين القصص فالكاتب لم يهمل تواجده المحوريّ بين سطوره، حيث بدا لنا في صور مختلفة، إنّه الطّفل الصّغير الّذي جرفته المياه إلى الشاطئ غريقا (ص 14) و دعوة للاهتمام بأطفال فلسطين حين قال: " سيّدي أيّها الصّحفي... يا من تملك القدرة على إيصالها إلى العالم... أرجوك أن تكتب بكلّ لغات العالم قصّتهم." (ص 19)
و نجد حضور الابن/ الأبناء/ ابنتي/ طفلتك الصّغيرة في قصّة "وجه كرتوني" ( ص43 -44) و هو ما يبرز لنا قيمة العائلة عند الكاتب و مدى تعلّقه بهذا الراّبط المتين... و ذلك ما يفسّر لنا في المقابل الخوف من الفقد، حيث يمثّل الرّهبة العظمى عنده فهو الّذي فقد عقله في قصّة "حلم، إغفاءة... للبيع، و الخوف من فقدان الأمّ في قصّة السّتار (ص 34- 35) أمام هذه المرارة و الخوف و الحيرة الّتي تلبّسها الكاتب نجده قد كشف عن بعض الآمال و الأمان لهذه الحياة المعتمة إن صحّ القول، فهو القائل: "ما زال فيّ ما يَفرحُ... ما زلت قائما." (ص 46) و ذلك لوجود السّند في الحياة: هو الابن، فهو الضّوء بما يرمز إليه من أمل و رغبة في العطاء و التّضحية في سبيله، فالكاتب يواصل تأكيد قيمة السّند خاصّة الأبويّ إذ يقول: " لم يجد حرجا في أن يبتسم ابتسامة تشبه ابتسامة والده من قبل."(ص 11) رغم وقوف الآخر بلا حراك، فالآخر هو مصدر الوجوم و الخوف لأنّه بلا قرار.
كما تبرز لنا قيمة أخرى بين هذه القصص: إنّها الضّحك و السّخرية من القدر مؤكّدة في قصّة "شفاه صغيرة" فبالرّغم من أنّه "الموت الحرّ" إلّا أنّه يبقى بصيص أمل... يشتاق إلى حكاية جميلة من الزّمن المرّ ( ص26)
على هذا الأساس، نستنتج أنّ الكاتب في "تجاعيد آسرة" يضع لنا أرجوحة لنعتليها، هي الأمل و اليأس، الأسى و المعاناة، الظّلمة و الضّياء، فبذلك يصرّ لنا "عيناي تحلم بأفق بعيد". أفق متماوج بين الماضي و الحاضر، بين الجذور و ما يرمز إليه من أصالة و تراث... و بين حاضر متّصل به لأنّه الواقع الّذي لا مفرّ منه، هو الصّراع بين قيم مندثرة تربّينا عليها و أخرى عمّت الأمكنة اليوم: كالفساد و الحاجة و الخصاصة...
"تجاعيد آسرة" مجموعة قصصيّة عبارة على مجموعة من اللّوحات الفنيّة لمشاهد طبيعيّة أعادت رسم الواقع و أجاد كاتبها الرّسم مستعملا لغة سلسة بسيطة يسهل على المتلقّي فهمها و استيعابها بما تحمله من دلالات و رموز و هو الشّاعر الّذي برع في الرّسم...
هل تراه يبحث عن واقع أجمل؟؟ هل تراه يسلّط الضّوء لإيجاد حلول؟؟ فهل من حلول فعلا؟
و تبقى "تجاعيد آسرة" بوّابة أخرى لنوافذ مترعة حكيا...

L’image contient peut-être : 1 personne
Aucune description de photo disponible.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق