السبت، 30 يناير 2021

ما وراء الشمس .. بقلم الكاتب فتحي عبد العزيز محمد

 ما وراء الشمس ..

" كان مشغول بصنع لغة يستحيل الكذب بواسطتها , ذلك الذي يعادل غيابه اغلاق منتزه "
" محجوب كبلو " من سكرتير الحقول
-1-
أستمع بأنصات بالغ وتحيز واضح , لشكواها ولومها وتقريعها بشخصى الضعيف , وبمواقفى الغير مواتية معها هى بالذات , التى لايمكن وصفها فى مثل هذة الظروف الا بالخزي والجبن الصريح , وأمام أنانيتها وأطماعها الشخصية , وأفتقارى حسب زعمهم الطائش الاهوج لابسط قواعد اللياقة والكياسة مع أمرآة رمز ضخمة وفى مثل حجمها , وقدرها ومكانتها العالية السامية وشهرتها الطاغية , وأنني مازلت أقف كحجر عثرة أوعقبة كؤود بالمكتب التنفيذى لمجلس الوزارة الولائية , أمام تمرير أى من أجندتها ومشاريعها للاستحواذ والتوسط والتكسب والثراء الحرام , وعلى أكتاف أولئك البسطاء السذج الشرفاء ومن أبناء الوطن المكافحين , وبطرق مبتكرة خسيسة ملتوية وغير نزية بالمرة تارة بالنفاذ من وراء الثغرات القانونية , وأخرى بالالتفاف بجراءة غير عادية على النظم واللوائح الداخلية , التى تحكم وتنظم العمل والمنافسة الحره العادلة والشريفة بين الجميع .
بالطبع ما أن أنتهى أخى الاكبر من كفكفت دموعها المنهمرة كالسيل , حتى جاء لى ذاك اليوم هو الآخر لايألو على شىء سواء أن يلومنى ويوبخنى , على غير عاداتة وبأشد ما يكون اللوم والتعنيف ويحاول جهد طاقتة أن يدير عنقى متبرما لامتثل جملة وتفصيلا لرغباتها وطموحاتها الذاتية الضيقة , ويذكرنى بالمصائب والاهوال بل يحزرنى صراحة بالنكبات الغير محسوبة الجانب , التى ستحل بنا وبالعائلة بكل فروعها وأصهارها أن آجلا أوعاجلا, , نتيجة سوء تصرفى الاهوج وحماقتى ورعونتى بعدم غض الطرف وتسهيل وتمرير مصالحها وأوامرها ,المسلطة كالسيف وعلى كل الرقاب والعباد ومطلوباتها الفورية الملحة والتى عادة ما لا ترد .. , وحتي تطاولى الاخرق يومها لدرجة تهكمى الضمنى على شخصيتها ألاخطبوطية الواصلة وحجمها الدستورى الرفيع الخطير وبطول البلاد وعرضها , والذى لا يجروا كائن من كان أن يقف خصما أوندا لها , ناهيك أن يكيل لها التهميش والتجاهل المستفز , أما هى على الرغم من أنها فى سن الاحالة للمعاش الا أنها مازالت , ولخبراتها النادرة تعمل بالمشاهرة وتؤهم الكثيرين من السذج بأن فى يدها .. وحدها الحل والعقد , وليس لاحدا سواها .
ولتتجراء ذاك اليوم تتبجح وتقول لى بمنتهى الصراحة مهددة ومتوعدة :
ـ والله أنت محظوظ خالص .. خالص .. , يا باشمهندس " تامر " وفى معاملتك الغير كريمة .. والمستفزة لى أنا بالذات ..
ـ والله أنت الليلة .. لو ما كنت نسيبي وزوج بنتى الوحيدة " دعاء " .. وأبا لاولادها وبناتها الخمسة .. ومحسوب علينا ..
ـ مش كنت أنقلك خارج العاصمة وبس .. كنت لبستك جريمة بجلاجل .. وأرسلتك غير ماسوف عليك .. " وراء الشمس .. يابعيد ..اا " .
-2-
أما أخى الاكبر المتعشم والذى أجتهد فى تدبير موضوع أرتباطى وزواجى بابنتها الوحيدة , وأوهمنى بأنها ستكون زيجة كالبلسم مريحة وتملئ العين على كافة المستويات والاصعدة , جاء اليوم ليدير عنقي وعلى رؤوس الاشهاد وليذكرنى بالتزاماتى وليقول لى بكل أزدراء وجراءة وتبجح :
ـ ثم ثانيا .. أنت فاكر نفسك .. لما دقيت سدرك وتجراءت ..وعوجت رجليك ودقيت بابهم .. وفتحت نفسك .. وطلبت يد بنتهم الوحيدة " دعاء " ..
ـ أنت فاكر أمها الاستاذة " هيبات الباشا " كأى نسيبة أخرى .. والسلام ..
ـ لا .. لا .. يا أخوي .. ويا حبيبي خد فى بالك نسيبتك دى كوم .. وأى نسيبة تانى غيرها كوم .. اا ", لاجيبه مستهزيا :
ـ لية أصلو على راسا ريشة يعنى ولا شنو ..؟ ولتقول لى يومها أمى الطيبة , المغلوب على أمرها وفى كل ذلك :
ـ نعم يا ولدى وأنا أمك .. دى بالذات ما على راسها ريشة وأحدة وبس .. دى على راسها الف ريشة .. وريشة كمان .. دى أمراة متعنطزة وأصلة ومقدره ..
ـ وبينى وبينك .. أنها فعلا أمراة توزن عشرة رجال .. كما يقولون .. اا " , لتواصل قائلة :
ـ فبعد أن كانت معلمة روضة عادية ..أمتحنت ودخلت الجامعة .. وأتخرجت مستشارة قانونية .. وصلت لوكيل وزارة .. ومرتاحة خالص .. وعلى الاخر ..
ـ وكلمتها مسموعة كالجنية الدهب .. وقرارها نافذ على الجميع .. ياولدى .. " , لاقول لهم مشفق :
ـ وأية يعنى دكتورة .. أنا نفسى ما دكتور يعنى أية المشكلة .. مافاهم , ليقول لى أخى بعدها مستهجنا موقفى الملتبس .. , وبأمتعاظ :
ـ لو سافرت لبلاد بره لتحضير الدكتوراة .. ورجعت وبقيت طبجى وغشيم .. خلينى أفهمك ومن ألاخر .. , ليقول لى:
ـ .. هى طبعا بتتعامل مع آخريين .. وأنت ما عليك الا أن تتعاون معها .. وزى ما بقولو " حلاوتك برة .. وكدا .." ..
ـ يعنى بالدارجى .. شيلنتى .. و أشيلك .. , ليواصل بأستهجان :
ـ .. يعنى وبالعربى كدا .. يا أخوي قدم السبت .. عشان تلقى بكرة شنو .. الاحد , وهكذا يعنى .. , ليواصل :
ـ وأبشرك هى ستتعاون معاك ومن يدك دى .. لدى وحياتك كلها حتكون أسثمار فى أستثمار.. وبزنس فى بزنس ومنفعة متبادلة .. والبدفرك تانى ما برميك .. اا " , وأبدا ما فى أي خوف .. عقلها قاموس " دكشنري " يوزن جبل .. والراى رايك ..؟؟اا " , بالطبع قلت لة بداخلى :
ـ " يا لعجبى هذة دعوة صريحة مفتوحة للثراء الفاحش الحرام تحلم بة هى وأنت .. , وحتما قطعا بل أكيد سأتنكب الويلات بسببها .. , لاوأصل داخلى قائلا :
ـ ثم بعد ذلك القيل والقال وكثرت السؤال .. والذى لا يتوافق حتما قطعا مع مبادئى ومثلى العليا التى أومن بها .. , لاقول لة بداخلى أيضا مؤبخا:
ـ أسفى الشديد .. وأنت الرمز والقدوة تعلم كل شىء تقريبا .. حتي حكم الدين والقانون وفى هذا كلة .. وتغض الطرف وأنت تعلم بأن الوظيفة وهيلمانها لو دامت لغيرك ما الت اليك .., لاواصل بداخلى أيضا:
ـ وأنها يا أخى تكليف وليس تشريف .. وأمانة وأخرها ندامة .. وحساب عسير فى الدنيا والاخرة .. وللة درك .
😚
كالمعتاد تفتح التلفاز ذاك المساء , ليطل فجاءة الخبر المزهل القنبلة والذى أقام الدنيا بعدها ولم يقعدها , بين مؤيد ومعترض من الزملاء والاهل وأنت لاتدرى والذى يقول :
" كما تم فى الاجتماع الوزارى الطارئ , الاجماع على تعين الباشمهندس " د. تامر مروان " مدير للهيئة العليا لتطوير مدن وقرى كررى شمال والريف الغربى وو.. " , ومع صبيحت اليوم التالى مباشرة وبعد أن أنهالت عليك التهانى والتبريكات , من الكثيرين عند باب الاستقبال وفى طريقك لمكتبك الجديد , يقول أحدهم وهو يتجاهلك بصوت أجش خفيض لكنة مسوع ولم تتبين حتي شخصة .. , وعلى درج السلم الجانبى لقاعة الاجتماعات الكبري :
ـ غريبة يا سيد " عقباوى ".. ناسكم والله المرة دى حيرونا معاهم عديل .. فجاءة زول مغمور ذ وما معروف ا أصلا .. ولا حتى على البال .. يقومو ناسكم ومن وسطنا يختاروا ويرقوا.. ", ليواصل مستهجنا :
ـ وشنوا ترقية وبالقفز بالزانة .. لوكيل وزارة بدرجة نائب محافظ وبدون أدنى مقدمات أو وأسطات أوتوصيات أو سند حزبى أو جهوى .. , والله .. شىء محير وعجيب .. خالص .. خالص ؟اا " ليرد علية الآخر :
ـ دنيا عجيبة .. وأنت فى دى ولا المصيبة يختاروا كدا .. بالاجماع وبالاسم .. ويقولون هذة المره بالذات :
ـ برضاء ومباركة من الاجهزة العليا .. نفسها .. وعلى كدا يا صاحبى نكون أتهمشنا عديل .. تانى فى شنوا كمان ؟؟اا " , وتسمع أحد المتنطعين من الزملاء هواة التمسح والتملق يحتضنك بالاعماق بلا مقدمات , ولاول مرة ويقول لك مهنيا بمكتبك الوثير الجديد :
ـ والله أصيل .. وود قبائل مصفى والتعين بسم الله ماشاء الله.. صادف أهلة فعلا .. " , ليضيف فى تملق نزق وغير مسبوق , وهو بالطبع يعنى آخريين بالجوار يسمعون الحديث كلة برمتة :
ـ .. وهكذا تاتيك السلطة والوجاهة .. يا باشمهندس " تامر " , .. طائعة منقادة تجرجر أزيالها .. وكانها ما خلقت الا لك .. وما خلقت الا لها .. " , حدجتة بنظرة عابرة متصنعة تنم عن الشكر والرضاء , أما زميلك وخليلك وأبن دفعتك المستشار دكتور " النورانى السعيد " ومحلك سركم جميعا , فحدث ولاحرج فقد أبدى وعلى ما يبدوا خلف الكواليس ثورة غضب عارمة . ومقاومة وهياج غير عادى لتخطية مثل هذا الاختيار التشريفى .. عنوه , والذى كان يصبو الية فعليا وهو فى الحسبة رئيسك المباشر والاحق , ورئيس اللجنة الاستشارية التنفيذية العليا للازالة والتطوير وأنارة ألعاصمة الكبرى , بل العضو الحزبى المناؤب وبحكم منصبة الرفيع , ليقول مستهجنا :
ـ غريبة الجماعة يا سيد " دلدوم " .. ما شاورنا فى هذا التعيين بالذات .. المتسرع والغير موفق أطلاقا .. والذى يفتقر لأدنى درجات الحكمة , .. الغريب في الامر يا سادة .. أن أعضاء الريف الغربى والشمالى بالولاية .. غيرو الخطة .. , فى اللحظات الاخيرة ووأفقوا على ترشيح دكتور " تامر " , ليضيف مستغربا :
ـ ويقولوا عايزين أنجازات فورية .. وكيف مع تعيناتهم الفوضوية .. ثم ثانيا الزول دا بيني وبينكم .. وصراحة كدا .. لامن طينتنا ولا عجينتنا .. والشىء المحير تحت .. تحت بيقولو أنو .. رؤساء اللجان والامانات الجدد الشباب بالعاصمة والسيد نائب المحافظ للشئون القانونية نفسة وأفق على هذا التعين .. الفوقى .. , ليواصل بامتعاظ مستنكرا :
ـ ثم ثانيا يا أخوانا .. الزول دى غير مؤهل .. ولا متعاون ولا متفهم للاوضاع .. صحيح دكتور .. ولكن فى هندسة الكمبيوتر وتحليل البرمجيات واسع شن دخل دا .. فى الادارة وتخطيط وتطوير المدن والقرى ...؟؟اا , ليضيف سيد " دلدوم " مدير المخازن والمهمات واللجنة الرقابية من جانبة قائلا فى تندر وأستهجان :
ـ شىء عجيب وغريب .. والله كنا مرشحين أبن المنطقة الحبوب .. ولدنا " خالد كندورة " وهو مهندس طرق شاب نشط متنور ومتعاون .. , ومن يدنا دى .. ليدنا دى .. , ليتوقف لبرهة زمن ليواصل قائلا :
ـ بس داير أعرف .. الناس المهبوشين ديل .. الهداون منو عشان يقومو .. يسلوا لينا الزول المبدل مثلهم دا .. من أدارة الموازنات والتخطيط ويرقوا بالقفز بالزانة .. ويرسلوا ولنجاضنا نحن وبس اا.. والله شىء يقرف .. ويمغص كمان .. ليضيف مواصلا :
ـ حاجة تانى كمان .. الزول دا صراحة معروف مش صعب وبس .. دا وتحت تحت متشدد ومشعوذ حبتين .. ومضيقة على نفسة وعلى الناس .. ويضحكوا علينا ويقولوا لينا دا الرجل المناسب فى المكان المناسب .. دا كلام ياناس .. وهو نحن ناقصين كمان ..؟اا " , وليضيف مدير الرقابة والسيطرة قائلا بتهكم مزرى :
ـ دي ياأخوانا ما صحافة وقنوات الايام دى .. تلفح من طرف ساكت .. وعملوها فينا .., ليواصل :
ـ طبعا أول ما أعلنت محلية البقعة غرب الجديدة رغبتها لترشيح شخص مؤهل وكفوء ومن أولاد أمدرمان , .. طبعا لحفظ توازنات جهوية معينة .. وحائز على درجة الدكتوراة ..
ـ لم يصدقوا يومها العزال الخبر وأولهم الصحفى والمزيع التلفزيونى " أدريس خازوق " .. , حتى قام وعلى الفور بتقديمة وتلميعة كمخلص للبشرية .. وهاك يا أستضافتة بالتلفزيون الولائى والاذاعة والقنوات الفضائية , أما صحيفة " الشمس المشرقة " .. المنحازة لاحزاب التوالى المنقسمة , .. بدلا من أن تجرى بالمطار مقابلة سريعة مع وزيرنا الهمام ورئيس الوفد المفاوض , بالعكس قضت الطرف وتجاهلت الوزير تماما وقامت بتغطية خبرية غريبة جدا , وهى تقول فى صدر أفتتاحيتها :
" .. وفى مقابلة هامة وعاجلة مع الخبير الوطنى والمحلل الاقتصادى الدولي الدكتور/ مهندس " تامر مروان " عضو الوفد المفاوض فى أجتماع صندوق النقد والبنك الدوليين ـ بنييورك طمئان سيادتة الصحفيين المهتمين بالشأن الاقتصادى قائلا " بانة متفاءل جدا من أداء البرنامج الثلاثى للنهضة الشاملة والمستدامة والذى حقق على أرض الواقع نسبة نمؤ عالية وغيرمتوقعة بلغت حوالى 4,8% وأكثر , مما كان يتوقعة خبراء الصندوق أنفسهم , كما تراجعت الواردات بنسبة 60% وزادت الصادرات المنظورة والغير منظورة وبما يعادل الضعفين عن الاداء الماضى , وبالتالى أنحسر الدين العام للثلث , وتم فى نفس الفترة الغاء التجنيب والاستدانة من النظام المصرفى , وتعهد سيادتة بالقفز بالصادرات وبالناتج القومى لنسب غير مسبوغة , للسنوات المتبقية من عمر البرنامج الطموح و .... الخ .. " .
-4-
بالطبع بعد ذاك التصريح المتفاءل الذى أثلج الصدور وقلب الاوضاع راسا على عقب , لقبتة الصحافة الموازية الالكترونية بالسيد المتفاءل فى الزمن الصعب , أما مدير لجنة الخدمات والتسير سيد " بشرى " المقال بلا جريرة , ونكاية بمن أبعدوة من الطغمة المسيطرة قال وهو يمازح الصراف " حسام " وهو يصرف راتبة :
ـ والله فعلا حواء وألدة .. يا " حسام" يا أخوى ليرد علية قائلا :
ـ قول ليهم عديل جاكم الموت يا تاركى الصلاة .. ليضيف :
ـ قالوا بينى وبينك .. جوكرعديل يختوا فى أى حتة الكمدة بالرمدة .. ويمشيها كالخيط .. الله يستر ساكت .. , وليضيف سيد " بشرى " قائلا :
ـ وبعد دا قول لنائب الامين للتشغيل نظف مكتبك .. وخليك جاهز للنقل والتهميش الفورى وللمكاتب الميدانية كاقسام الدوانكى ..والشفخانات الطرفية .. , ليواصل :
ـ وقول لية تانى قعدة فى المكاتب المكندشة والراحات مافى .. الزول دا شغلوا كلة ميدانى .. دا زول ما بعرف الدهنسة والدغمسة .. , ليستفهمة :
ـ ثم ثانيا الزول دا من .. وين يا "حسام " يا أخوى ؟؟ اا , وأصلوا العينوا منوا يعنى وكدا .. والقصة كلها مماحقات ولا شنو ؟؟اا ليجيبة " حسام " :
ـ القصة كلها .. الزول دا قالو يا صاحبى .. من أمدرمان " بانت شرق " وكان مستشار بالخارج لشركة زين ـ أفريقيا .. وزول دقرى وحقانى وعينوا مليانة .. وما عندوا فى الشغل دا مدير .. ودا كبير .. الكبير عندة الجمل .. وبس اا "
ـ من " بانت شرق " .. ما تقول لى .. دا كان كدا .. ما وطنى أتحادى عديل لكن السؤال .. , هل هو من الاصل .. ولا الفرع ... ؟؟اا " .
أما هى ست الوجعة وعندما فؤجئت بخبر تعينى والغير متوقع أصلا , قالت لهم يومها متهكمة وممتعظة وبأشد ما يكون الامتعاظ :
ـ شوفوا يا بنات أمى .. لجنة أعادة الهيكلة فهمها فهم السواد .. لم يجدوا زول شاطر وفالح .. فى الدنيا دى كلها غير " تامر " ..مقطوع الطارى ؟؟اا " , الغريبة وهى تتقول كل ذلك وهى فى الحسبة "حماتى " أم زوجتى وبنتها الوحيدة :
ـ بالله قولى لى .. ماذا تركت بعد ذلك للغرباء والعزال أن يتقولوا " , يومها أستسلمت وأنا مرغم لكامل أحراجها المسموع والمزرى تماما .. , وسط كل هذا الجمع والحشد من الحضور والذين جاءوا من كل حدب وصوب ليباركوا لى الترقية , بينما هى بشقاوتها تنتهزها فرصة مؤاتية لتشفى غليلها ولومها الممقوت , وتقريعها الساذج بشخصى متحالفة بطريقة أوما مع زمرة الاعداء المعارضين لترشيحى وتعيينى الذى أغاظهم فى مقتل , والذين عادوا لينعتونى بأسخف وأقبح النعوت والاوصاف , وفرزى بلا مبررات من دعواتهم ومناسباتهم حتي الاجتماعية المحضة.. , ومقاطعتى بالكامل كالاجرب والنطيحة والمتردية و وصمى بالمتنحى دائما عن ركوب المخاطر والصعاب وبلوغ المرام , لتقول لى بعدها بنرجسيتها المتعالية ذاك اليوم :
ـ " دا ما ياهوا حالك يا " تامر " يا ولدى .. والجد عليك شنو يعنى .. ؟؟ . لتواصل بعدها قائلة مستهجنة :
ـ ما أصلك دائما كدا .. وأذا سالونى ومن بتين .. ؟؟ اا.. حاقول ليهم طبعا ومن عمرة أربعة سنوات .. وهو تلميذ صغير عندى فى الروضة والاساس .. فقران ومتعنتظ حبتين كمان .. ومن دون أقرانة كلهم وعلى حاصى الفاضى ..
ـ وأسع بشوف لية الايام دى .. يا ناس قومة وقعدة .. على حاصى الفاضى .. وشىء أجتماعات بالوزارة الاتحادية والولائية ..
ـ وهاك يا ماموريات وسفر لمؤتمرات الامم المتحدة والبنك الدولى .. وكمان شىء جديد وعجيب .. وشاحات وأنواط جدارة من الطبقة الاولى .. وبس كمان ومن قبل أيام .. شنو كمان .. أبن السودان البار .. وهلم جر .." . ونحن فى فقرنا وحوجتنا .. وكأننا يا أبوزيد شنو .. لاغزينا .. ولا شفنا الغزو ... اا " , ولتواصل :
ـ .. حتى وأمبارح القريبة دى تحاسب زوجتك " دعاء " وعلى المائة الف جنية .. والناس تعد بالدولار والمليارات وشوف عينى .. , ولتواصل :
ـ تنبح فيها أمبارح الماهية أديتك ليها وديتها وين ..؟ صرفتيها فى شنوا يامراة ؟.. وثلاجتك ملانا أكل .. ماشاء الله .. والمخزن ملان .." , ولتواصل بحدة وهى تصف دراما رعونتك وغيرتك على الصرف البزخى :
ـ تقول بس عندك الدنيا كلها .. أكل وشراب وملابس وبس ..؟ اا" ولتواصل أيضا بأمتعاض وأستهجان :
ـ أمس قال لى السمسار جارنا ود " الفكس " نسيبك دا .. بلدوذر عديل .. نائب الوكيل وماسك الميزانية كدا فى يدة ..أى شيك ما يوقعة سيادتة .. وبالقلم الاخضر .. حرم ما بتصرف .. ليواصل قائلا :
ـ أكورك .. ما بنصرف .. ما بنصرف يا ناس .. وهو الوحيد المفوض من البنك المركزى وراسا .. ولا أحد غيرة وشوفى ليك صرفة معاهوا .. " ما بتعرفوا تحفروا لية أنت وبنتك زوجتة .. والله فعلا .. نسوان آخر زمن .. اا "
ـ بيقولون رجل حقانى خالص .. نزية ونظيف .. ومرشح للوزارة والاجهزة العليا بتفتش ليها على شخص كفوء ..يعنى ودقبائل وعينوا ملانا , لترد علية ممتعظة :
ـ صحيح كل هذا .. لكن قول لى طعموا شنو .. وفايدتوا شنوا ..أذا هو أصلا لا ينفع نفسو .. ولا بنفع أهلة وحتى ولو جعلوا منة وزير ودى الناقصة .. والحيتموها ليك طبعا " .. وممكن بعد أيام معدودة .. يعينوا بقرار جمهورى .. .
-5-
ذاك اليوم وأمام باب منزلهم الكبير العامر , وسياراتهم الحديثة العديدة والمتوقفة فى شكل أسطول ضخم ودائرى , وهى تتعمد جهد طاقتها
أن تحرجنى وتصدمنى فى مقتل وأمام زوجتى وأبنائى وتعايرنى ويا عينك يا تاجر وأنا أستعجب لها , وبموديل سيارتى الحكومية المتواضعة وأمام سياراتهم المرتصة وبافخم الماركات العالمية ولتقول لى محرضة :
ـ .. وهكذا تؤخذ الدنيا غلابة يا أبنى .. ثم الم ترى الان وبأم عينيك كيف أن أبنائى "حاتم "و " ماهر " يتبؤون المناصب الرفيعة حيث شاؤا , ويتمرغون هم وزوجاتهم وأبنائهم .. ومن نعيم الى نعيم .. الا أنت يا كافى المحن ؟؟ اا "
ـ حقيقى لا أدرى من أى طينة .. أو من أى خرارة أنت بالذات ..؟؟ اا " .
زهلت تماما عندما قلت لها بمنتهى الاحترام والصراحة والوضوح الذى أزهلها :
ـ " فى الحقيقة يا والدة أننى أتلقى أوامرى ليس منك أنت أو أى شخص آخر .. وأنما من رئيسى الاعلى وأتقاضي راتبى وأمتيازاتى وحوافزى وأحمد الله على ذلك وأنوم غرير العين .. وأصحى هادى البال .. " , ولتقول لى بعدها وكأنها تستعطفنى .. وهى لا تيأس أبدا :
ـ " .. ولكنك لوشيئت يازوج أبنتى العزيز .. لاغتنيت وفى رمشت عين ؟أ , ولكن أهلنا قالو .. الشقى شنو.. عمرة ما بسعد " , ولاقول لها بداخلى وهى تكاد تسمعني :
ـ كيف يتأتى ويستقيم مثل هذا .. وأنا أحنث بعهدى أمام الله ورسوله .. وعندما رشحونى ونعتونى بالقوى الامين .. وأنا أصلى وأصوم وأخاف الله . وعلى يداى يمر غذاء ودواء الناس .. ثم كيف يحدث كل هذا الان .. , ليضيف قائلا وبأصرار :
ـ وأنت قبلها الم تكونى ويا مقلب القلوب أستاذتى الاولى ؟ .. فى الروضة والاساس ويا " ست هيبات " , .. وغرستى فينا يومها مثلا عديدة وقيما عليا سامية .. لا تبدل ولاتحول أبدا .. أبدا .. أبدا " , يومها أحتارت وصرخت مزمجرة وقالت لبنتها بأعلى صوتها :
ـ " والله يا " دعاء " زوجك دا لو رسلوا للبحر .. يمشى ويجى ويدينة فاضيات مدلدلهم بالواطة .. وعلى حاصى الفارغ .. ؟اا " .
أما بعد آخر أجتماع مع مجموعتها القابضة , جاءت لاتالو على شىء .., لتقول لى مهددة ومتوعدة عن ثقة :
ـ أسمع منى أنا دى .. بعد يومين الاجتماع الطارئ القادم .. للمكون الحزبى الضاغط .. , وتعال قابلنى أذا ما نزلوك لسفير بأقصى الدنيا ما أكون انا دكتورة " هيبات الباشا " , فالتفت وقلت لها مستهزيا :
ـ أنا يا والدة معروف جندى وجاموس عديل .. أخدم فى أى موقع تقتضية المصلحة العامة ولا أبالى .. حتى ولو أرسلونى لللعمليات وخطوط ألتماس .. , ولتقول لى متحفزة :
ـ لكن شنو خت فى بالك بنتى " دعاء " وأولادها ما حيسافروا معاك .. حتسافر لوحدك .. وزى المقطوع من شجرة " , لارد عليها هذة المره :
ـ لا وحياتك .. حتسافر معى والحجل بالرجل وأساليها الان .. وبالتلفون لاننى حالف بالتلاتة .. لوما مشت معى .. ما حاطلقها .. وما حاشاورها فى الحتى دى بالذات .. , ليواصل :
ـ وأفتكر أنوا الرجل .. محللين لية مش وأحدة وبس .. أربعة .. وذنبها على جنبها .. , وأولادى وبناتى زاتهم كبروا وما بتخاف عليهم .. ودى جوازت السفر .." , ولاوأصل قائلا ومحزرا :
ـ والله باكر أذا ماجات البيت .. , الجمعة بعقد والسبت فى شهر العسل .., وأهلنا قبيل شن قالو .. قالو السواى ماحداث .. " .
-6-
مساء ذاك اليوم نفسة على غير العادة دهشت , ولم أصدق عندما جاءت هى وبصحبتها بنتها وأولادها وهى تودعنا والدموع تكاد تقطر من عينيها , وهى تقول لى متأسفة على غير عادتها ومستعطفة وبدون أى مناسبة :
ـ أرجوك أعفوا منى .. وأنا السبب فى دا كله ..اا " , وتوصينى وأنا نفسى أستعجب بالذى حل بها فجاءة وهكذا .. , وتقول لى بكل خنوع :
ـ بنتى " دعاء " أمانة .. ختها فى عيونك .. " ,
ذاك الصباح بالصدفة , لم أتحمس أطلاقا لقراءت الصحف اليومية مباشرة , عندما قامت المضيفة مشكورة بوضعها أمامى على أستحياء , بمقاعد الدرجة الاولى بالطائرة , حقيقة أحمد الله كثيرا .. بأننى لم أقراءها الا وبعد أن تناولت الافطار والشاي وبلعت حبتين أسبروا , لانها بصراحة كانت صادمة جدا , وغيرمتوقعة بتاتا , والخبر الاول المؤسف حقا كان يقول :
" تم صباح اليوم التحقيق والتحفظ على موظفة سابقة بالمعاش وآخريين , رئيسة اللجنة العليا الدائمة للتسويات الجردية البنكية والتعويضات الدولية وفى قضية تلاعب وأستغلال نفوذ وغسيل أموال , وتم رفع الحصانة عنها فورا " وبالمانشيت العريض .
تمت ,,,
فتحي عبد العزيز محمد mohmed_mohmed@gmail.com
ـ سوداني
جدة ـ الكورنيش الجنوبى ـ الخمرة
18/4/2015م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق