الخميس، 1 أكتوبر 2020

مشوار في أنفاق الذات بقلم الشاعر إبراهيم العمر

 مشوار في أنفاق الذات

بقلم الشاعر إبراهيم العمر
أحيانا، يتراءى لي ...
أنَ هناكَ باباً خشبياً قديماً...
في مكانٍ ما، لا أدري أين ...
لا أبتعدُ عنه، كيفما مشيت...
وغالباً ما تكون الشمس في ظهري ...
ويرتسمُ خيالي عليه ...
أكادُ أرى على عتبته ..
بقايا حروفٍ مهترئةٍ منْ إسمي ...
تحتَ طبقةٍ سميكةٍ منَ الغبار ....
لا أنوي أبداً أَنْ أفتحه ...
لكنْ أحياناً تُرَاودُني الفكرة ...
تنعسُ، أحياناً كثيرة، جفوني ...
حتى تنام صورته في عيوني ...
ومع أولِ غفوةٍ أسمعُ صرير ه...
وكأنَ يداً خفيةً تفتحه بهدوء ....
وكأنَ روحاً شقيةً تُجّرجِرُني إلى داخلِ ذاتي ...
ظلامٌ دامس داخل أَروقةٍ ضيقة ...
مياهُ مجارير ...
رائحةٌ نتنة وخرير ...
فئرانٌ وصراصير ...
ممراتٌ متداخلة ...
جدرانٌ رطبة وعالية ...
تكسوها حشائش خضراء زلقة ...
وتفوحُ منها رائحة عفونة ...
بقايا جروحٍ قديمة ...
لكنها ما زالت دامية ...
وما زالت تؤلم ...
خفافيش كبيرة ...
تطير ُ فجأةً من مكانٍ الى مكان ...
معَ كلِّ خطوةٍ داخل الذات ...
وكأنني وسطَ نفقٍ مظلم ...
لا اعرفُ أوله ...
كذلكَ لا أعرفُ متى ينتهي ...
ولا أعرفُ إذا كنت أمشي فيه ...
الى الخلفِ أو إلى الأَمام ..
أعرفُ فقط أنهُ حياتي ...
جزءٌ كبيرٌ منه يأتي من الماضي ...
مشيتُ فيه دون هدى ...
وقد علقَ على جسدي الكثيرُ منَ القذارةِ والأوساخ ...
أبحثُ عمن يطعنني في صدري ...
فقد تركتُ للأصدقاءِ والأقاربِ الطعن في الظهر ...
أبحثُ عن بقايا بقعٍ ضوئية ...
كنتُ أحسبُ أنها تتراءى لي ...
من وقتٍ لآخر على الجدران ...
أبحثُ عن بقايا لمسات ...
كنتُ أحسبُها تُواسيني ...
في بعضِ لمحاتِ الأحلام ...
أبحثُ عن صدى بعضِ الهمسات ...
كنت أحسبُها أحياناً تناديني ...
كلما أخذتني الهلوسات ...
أبحثُ عن بعضِ آثارٍ للخطوات ..
حيثُ كنتُ أظنُ أَنه من الممكن قد أخذتني المشاوير ...
كنتُ أبحثُ عن نفسي في المطارح ...
حيثُ كانت تأخذني المقادير ...
تسلخني من الوهمِ في عزِّ الهجير ...
كم هي مُؤْلمة الرحلة داخل الذات ...
كم هي مؤلمة الحقيقة حين لا تنام ...
كم هي موجعة الصرخة حين لا تَسكُت...
كم هي حارقةٌ الدمعةُ حين تستوطن في العين ..
وحين يستعبدُ القلبَ الوجع ...
وحين تركعُ البراءة ...
وحين تتعذّبُ الطفولة ...
وحين تنظلمُ الإنسانية ....
كم هو مؤلمٌ هذا اليأس وهذا الإستسلام ...
حينَ يهاجِمُكَ المرض ...
دونَ إنذارٍ ودونَ نذير ...
فجأةً ترى نفسكَ في مراحلٍ متقدمة ...
حيث ينهشُ في وجدانِكَ الخوف ...
ويبدو العلاجُ نحيلاً أمامَ وحشية الهجوم ...
وفجأةً تغدو الحياة ...
ضبابيةُ الرؤية ...
كم هو موجعٌ هذا الشعور ...
بأنَكَ مغادرٌ منزلك ...
وأنكَ تطفئُ النورَ ...
الغرفة تلو الغرفة ...
تخالُ نفسكَ قدْ تركتَ نضارتكَ وخصوبتكَ ورجولتك ...
في غرفةٍ من الغرف ...
تخالُ نفسكَ قد سمعتَ عن الربيع ...
تخالُ نفسكَ قد حلمتَ بالخضرةِ والزهر ..
تخالُ نفسكَ حلمتَ بالرومانسية ...
حلمتَ يوماً بهمساتٍ حنونة ...
وعلاقةٍ حميمةٍ خارجةً عن أماكنِ الدهر ...
وخارجةً عن المواعيدِ والهجر ..
خارجةً عن العاداتِ والتقاليدِ والخوفِ ووخزِ الضميرِ والقلقِ والسهر ...
خارجةً عن مفاهيمِ الذنبِ والوجع ...
علاقةٍ من عصارةِ الحرمانِ والقهر ...
علاقةٍ من مزيجِ الروحِ مع بقايا الجَسَد ...
علاقةٍ روحيةٍ ليس فيها سوى لمساتٍ منَ الجَسَد ...
تماماً كما تلامسُ الشفاه ....
وهي تشربُ أطرافَ الكأس ....
فيها نكهةُ الروح ...
المنسكبة في كأسِ الجسد ...
تبدو في شكلها علاقة ...
لكنها أبداً لا تحمل دنسَ العلاقة ...
إنها عناقٌ بين الروحِ والروح ...
وإنْ كان يتعانقُ فيها الجّسَد ...
غالباً ما تذبل الروح قبل الجسد ...
وقد ظننتُ أن الجسدَ هو الذي ينحني ...
وقد ظننتُ أنَّ العطرّ يبقى ...
بعدّ أن يذبل الزهر ...
رأيتُ جسدي باهتاً دونَ لون ...
رأيتُ نفسي لوحةً رمادية ...
معلقةً على جدرانِ النسيان ...
وإنْ كانتْ قد حلمتْ كثيراً بالألوان ...
رأيتُ نفسي زهرةً بريةً ...
حلمتْ كثيرا بالينابيع والوديان ...
حلمتْ بلثماتِ الفراشات ...
حلمتْ بالربيعِ وبالنحلات ...
حلمتْ بالعطرِ والشذا ...
حلمتْ بالحمرةِ على شفاهِ الفتيات ...
صبرتْ كثيراً وحلمت ...
ظنتْ أنها من الممكنِ أنْ تحلم ...
مثلَ باقي الزهرات ...
وانتظرتْ المشاوير ...
على دروبِ الرحلات ...
فجأةً لم تعدْ تحلم ...
فجأةً أصبحتْ الحياة مظلمة وسوداء ...
فجأةً لملمتْ الأوهام ...
أذيال السعادة والأحلام ...
ولم يعد القطار يمرُ على محطاتِ الانتظار ...
لم أعدْ، كلما أَتى الليل ...
أحلمُ بالنهار ...
ــــــــــــــــــــــــــــ
إبراهيم العمر.
Aucune description de photo disponible.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق