الأحد، 18 أكتوبر 2020

مع الفنانة نعمة رحمها الله.... حاورتها الأستاذة ريم العيساوي معية المرحوم الشادلي أنورخلال حرب العراق

 مع الفنانة نعمة رحمها الله....

حاورتها الكاتبة ريم العيساوي
الفنانة نعمة سيدة الأغنية التونسية الأولى رحلت عنا اليوم تاركة حزنا عميقا في نفس محبيها من التونسيين ، رحلت بعد مسيرة فنية حافلة بالإنجازات ، وهي صوت فني متميز عرف الثبات على امتداد سنين طويلة، حاملة أصالة الأغنية التونسية بصبر وأناة مؤمنة بعمقها الإنساني وتجذرها التاريخي .
لقد عرفت الفنانة نعمة رحمها الله كيف تسلك طريقها نحوالشهرة بخطى متأنية يحدوها النجاح ، في كل حلقة من حلقات مسيرتها الفنية . ورغم اختيارها في آخر مسيرتها الابتعاد عن الجمهور ،واكتفائها بالغناء عبر الإذاعة والتلفزيون فقد استطاعت المحافظة على مكانها باحترام الجمهور لها ولفنها .
ذات ليلة زرتها رفقة المرحوم والملحن العصامي الكبير الشادلي أنور زمنها في بيتهابمدينة أريانة فكانت تحدثنا عن نفسها وعن مسيرتها وعن الواقع العربي وعن مستقبل الأغنية ، بقلب مفتوح وبتلقائية نادرة خالصة من كل غرور أو بهرج ، حدثتنا عن كل القضايا التي كانت تشغل بالها بحماس وصدق كبيرين ، وتحس وأنت تنصت إليها بشفافية فنانة شاعرة، رهيفة الإحساس ، ذات عواطف فياضة وينساب الكلام من أعماقها رقراقا حاملا بنبراته شحنات من الألفة والدفء وفي صفائها مثل ابتهالات الزهاد .
وكانت الفنانة نعمة تسبّح باسم الله وتحمدل في كل جملة ، اعترافا منها بهبة الله عليها بالصوت الذي وصفته بالنعمة التي حققت لها السعادة .
كنا نستمع للمرحومة نعمة تحدثنا عن مراحل مسيرتها الفنية بصوت هادئ ساردة في تواضع عجيب
ككل بثلاث مراحل .1957 -وقد وسمت بدايتها بمرحلة الحلم- : قائلة :" بدأت مسيرتي الفنية حوالي
فنان مرحلة الحلم – مرحلة الرحلة – مرحلة الاختيار).
مرحلة الحلم: هذه المرحلة مليئة بالكد والمثابرة من أجل إثبات ذاتي ، وبفضل جديتي وحماسي أثبت وجودي على الساحة الفنية التونسية ، مع جرأتي وإصراري وأنا من أسرة محافظة وقد اقتحمت مجالا كان محرما على بنات جنسي .وأحمد الله أنني وجدت من تبنّاني روحيا وفنيا وساعدني على تحقيق أمنيتي وهو الملحن الشادلي أنور والذي امتحنني وأنا بالمعهد القومي للراشدية .، ثم التحقت بالإذاعة التونسية .والشادلي أنور لم يكن ملحنا فقط بالنسبة إليّ ، بل كان المعبّر عن إحساسي والمترجم لأفكاري وتطلعاتي ،بألحانه الرائعة وبلا مبالغة أقٌول عنه بكل فخر واعتزاز:" إنه الملحن الأول بتونس "وقد اعتنى بصوتي وأثبته على الساحة الفنية وقد ألفنا ثنائيا فنيا منسجا انسجاما كبيرا ، وقد ساهم في إغناء الأغنية التونسية مساهمة كبيرة .
فترة الحلم هذه لم تطل ، إذ حققت نصيبي من الشهرة بتفاعل الجمهور مع أغانيّ، هذا وقد تفاءل الكثير من الفنانين التونسيين لي بمستقبل زاهر وشجعونني ، والحمد لله لم أتعب في هذه المرحلة .
مرحلة الرحلة: هي مرحلة مليئة بالحركية والرحلات عبر البلدان المغاربية وعبر الشرق والبلدان الأوروبية وهي مرحلة التعريف بالذات على مستوى أوسع ، ومثلما كانت مرحلة الحلم امتحانا أول فقد كانت مرحلة الرحلة ، امتحانا ثانيا ، اجتزته بسلام ، رغم صعوبته ، لأنه تحديد لمصير الفنان.
تميزت هذه الفترة بنوع من الارتباك والتخوف ولكن بفضل إيماني وعزمي وشجاعتي ، ذلّلت الخوف والعراقيل وساهمت في نجاح الأغنية التونسية ، ولم أجد صعوبة في التعريف بها ،إذ كنت واثقة من نفسي . وفي هذه الفترة أثريت الأغنية الوطنية التي ساهم في إغنائها الملحن الكبير الشادلي أنور، أذكر على سبيل المثال : أغنية الفدائي و جاء نصر الله والفتح المبين وتجلى الرشاد لكل الأمم .
لم تخل هذه المرحلة من بعض العقبات التي كان لها بالغ التأثير على نفسي وكان من نتائجها قراري الابتعاد عن الغناء في الحفلات، والفنان مهما حقق من نجاح فله إحساسه فهو شديد التأثر ، تعتريه فترات ضعف ،شعرت وقتها بالمظلمة عند سوء ترتيبي في معلقة الإشهار في الحفلات ، من أجل هذا خيرت الابتعاد .
مرحلة الاختيار :هذه المرحلة كانت صعبة وقاسية ، لأنني أحسست أنني ظلمت الجمهور وظلمت نفسي ، لأن العلاقة بين الفنان والجمهور علاقة قوية ووثيقة ومقدسة ،وهذا الندم سبب لي عدة انعكاسات على صحتي ، إذ كانت حياتي الفنية منفتحة واسعة ورحبة ،وتحولت فجأة إلى حياة منغلقة ، محصورة في الأسرة . تعبت نفسيا في هذه المرحلة ، لكن انشغالي بتربية أولادي ، جعلني أرضى باختياري ، إذ وجدت الأسرة في حاجة إلي وإلى وجودي معهم ،وساهم هذا في تأكيد اختياري ،لأن الفنان مهما حاول التوفيق بين حياته الفنية وحياته العائلية ، يعجز لأن حياة الفنان التزام وتضحية وعمل متواصل ، وباختياري جمعت شمل الأسرة ، بعد أن كان الفن مستأثرا بي ومفتكا لي منهم .
وأنا أشعر بدوري أن أعظم عمل فني هو تنشئة الأولاد ،وهكذا خف ذنبي إزاء الجمهور باختيار دور الأم المقدس .
وأكون صادقة بشعوري بالحنين إلى الجمهور، و رغم غيابي لمدة طويلة ومتواصلة ، ولما دعيت لتكريمي فسرعان ما استجبت عن حب وامتنان و الشوق لملاقاة جمهوري الذي له مكانة كبيرة في قلبي، والجمهور هو سر نجاح الفنان وقد بقي متعلقا بي رغم غيابي عنه .والجمهور له شأن عظيم في تحديد مسيرة الفنان وأنا أتهيبه وأهابه وقبل الصعود على الركح ترتعد فرائصي لإحساسي بمسؤولية جسيمة إزاء الفن وإزاء الجمهور المهاب .
وتتحدث الفنانة نعمة على أثر الفن في حياتها قائلة :
الفن جزء لا يتجزأ من حياتي ،والفن يتجلى في كل مشهد من مشاهد الطبيعة ،فعندما أسمع زقزقة العصافير أو إيقاع موج البحر أتمثل سمفونية الوجود في الطبيعة ، معزوفة ساحرة ملهمة للإنسان وهنا أتعجب من نظرة البعض للفن نظرة سلبية واستخفافهم به.فالفن راحة للنفس ،وأنس للإنسان وعلاجه من هموم الدنيا وهو شفاء للروح وقد بين العلماء فائدة الموسيقى العلاجية .
والفن جزء لا يتجزأ من ذاتي ولا يمكنني الاستغناء عنه وهو أساس صلتي بالحياة وبالناس ، وهو الذي يجعلني في تواصل وجداني وروحي مع الطبيعة ويحملني على التسبيح لخالقي الذي أنعم علينا بكل آيات الجمال وأحزن كثيرا لعبث الإنسان بجمال الكون وتدمير مظاهره الساحرة .
وتواصل السيدة نعمة حديثها عن الواقع العربي :
وتعبر عن موقفها من رسالة الفنان ،بقولها :"إن مهمة الفنان تتأكد في الظروف التاريخية الصعبة ، ظروف الصراعات ، ولا بد أن يلعب دورا فاعلا في مجتمعه ويتبنى قضاياه ولا بد أن يراجع تاريخه ويعتبر من انتصاراته ويستلهم الدروس من حضارة أمته ويقارن بها أحداث اليوم وكيف صرنا ضحية مؤامرات مجرمي العصر ، الاستعمار الجديد المقنع المدعي بحماية حقوق الإنسان وهو عدو الإنسانية ،فأي حقوق يتشدق بها ، وأي حرية يتبجح بها وهو يحبك خيوط الجرائم في خفاء ، هذا الاستعمار الجديد عدو بربري يحسدنا على خيراتنا فيسعى لافتكاكها .
هذه الحرب ( حرب الخليج وسقوط بغداد) أبشع حرب للإنسانية تفضح طمع الطغاة في ثروة العراق وأنا كفنانة أحزن لولاء بعض القادة العرب للعدوان ، والفنان في هذا الوضع عليه أن يتحرك من موقعه وأن يصرخ أن الأديان غايتها السلم والأمان لا التناحر والعداء .والناس توحدهم الإنسانية،لماذا الفلسطيني يذبح يوميا ويعيش الجوع والتشرد،ولا تحترم إنسانيته ؟ لماذا صارت الأمم المتحضرة أكثر ضراوة ووحشية ؟ هل هذه حضارتهم ؟ إن كانت بهذا الشكل المتوحش لا خير فيها .وأؤكد أن الدرس عظيم من هذه الحرب ، وأرجو أن يلهم الله العرب ليتحدوا ويكفوا عن التفرقة ليقفوا صفا واحدا في وجه العدو" .
وتتحدث الفنانة نعمة عن واقع الأغنية التونسية بالقول :" الفنانون من الجيل الجديد لهم قدرات فنية طيبة ، لكن لا بد أن يعتبروا أنهم امتداد لمن سبقوهم وإياهم للتنكر للماضي والغرور ، لأن سنة الحياة هي التواصل .ونحن امتداد لسابقينا ،لأن الفنان لا يخلق من فراغ ولا بد له من جذور يستمد منها أصوله.
وكي تكون الأغنية التونسية بخير ، فلا بد من المنشطين والمبرمجين والمسؤولين عامة على الفن أن يتوخوا الموضوعية والتجرد والبعد عن العواطف ويشجعوا الأصوات الجديدة دون مبالغة حتى لا يصابوا بالغرور واعتماد المقاييس الفنية الدقيقة للتمييز بين الجيد والرديء وتجنب المجاملات .
وتصوري أن مستقبل الأغنية التونسية يكمن بالحفاظ على خصوصيتها وأصالتها والبعد عن الانخراط في التقليد الهجين .
وفي اعتقادي فالأغنية تحافظ على قيمتها الفنية بفضل مضمون الكلمة الهادفة واللحن القادر على تبليغ معانيها بصدق وعمق ،مع الأداء الجيد واحترام قواعد الأداء الفني الصحيحة ،هذه العناصر متكاملة تسمح بنجاح الأغنية عامة .
حاورتها الأستاذة ريم العيساوي معية المرحوم الشادلي أنورخلال حرب العراق
L’image contient peut-être : 1 personne, gros plan
L’image contient peut-être : 1 personne, gros plan
L’image contient peut-être : 4 personnes, personnes debout
L’image contient peut-être : 1 personne, gros plan

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق