الأربعاء، 14 أكتوبر 2020

.....انتظار على أبواب الموت..... بقلم الكاتب صالح عزوز / الجزائر

 .....انتظار على أبواب الموت.....

لما اصطدم القارب الصغير بالصخور، تحطم كأنه مصنوع من ورق، طار كل شاب في اتجاه، سقطنا كما تسقط أوراق الأشجار في الخريف، عندما تصفعها الرياح، أردت أن أمسك بشيء يشدني الى الأعلى، حين كان الماء يخنقني، لكن القعر كان يجدبني بقوة، كأنه مغناطيس يجذب كل معدن قريب منه، حلقت في ذهني، صورة والدتي، وهي تداعب ملامحي قبل يومين، تذكرت ابتسامتها التي ترتسم على محياها الجميل، لمست في لحظة، خصلات شعرها وهي تصارع الشيب، شممت عطر المسك الذي أتت به حين اعتمرت، رغم أن الماء كان يسد أنفي.
أحسست بجسدي يتجمد، بعدما فقدت حذائي من قوة الاصطدام، وتفرقت أزرار قميصي الرياضي، الذي استعرته من عند صديق، كنت أحس بألم خفيف مثل وخز الإبر، لكنني كنت لا أبالي، استرجعت العديد من ذكرياتي في لحظة قصيرة، كنت أمرر عليها أناملي مثل محارب، يعيد رسم ملامح أبنائه بعيون باكية، وهو متجه لأرض المعركة، ويعرف أن موته أكيد، كنت أقبلّ كل ذكرى عشتها، قبل أن أصل إلى دار الفناء. سمعت صوتا يناديني، لكنني لم أعرف من أي اتجاه، ولم أستطع الالتفات بسهولة، لأن الماء كان يشدني كأنه شخص يخنقني، كان شاب صغيرا من حيي يطلب مساعدتي، لكنه غرق بعد لحظات، لن أنسى نظرته إلي، وهو يتدحرج إلى ظلمة القاع. كنت أعانق ذكرياتي وأنا أبكي بكاء مسموعا، كانت أغلبها لحظات مع والدتي، تذكرت كل يوم، كنت أدخل عليها وهي تنتظرني، لما أذهب لمقابلة مدير شركة، من أجل العمل، دمعت عيناي، ورغم أن ماء البحر كان يمسح دموعي، غير أنني كنت أحس بحرارتها، كما كنت أحس بحرارة دموع والدتي، على وجنتي وهي تقبلني، لمواساتي بعد رفض كل طلبات العمل، لن أنسى شهقتها، حين أقسمت أنني سوف أهجر هذا البلد، ولو في قارب الموت، بعدما يئست، وتحولت دراستي العليا هباء منثورا مع مرور الوقت. حين هزمني التعب و تجمد جسدي، دعوت أن أفيق في حضن والدتي، ولن أتركها مرة ثانية للأبد....

صالح عزوز / الجزائر

L’image contient peut-être : nage et eau

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق