حنين
نهضتُ مسرعا منتشٍ كلي نشاط وحيوية.. تناولت تمرة على مضضٍ قال أبي أنها سوف تجعلني ذكيا متفوقا.. جمعت أقلامي المتناثرة هنا وهناك صفّفت شعري الغزير فلم ترضَ عنه أمي فأعادت تشكيله بمشط أكبر من سني.. ألبستني محفظتي الصغيرة وحذائي الجميل.. خطوْتُ على عجل نحو الباب لأفتحه، فسبقتني فرحتي التي أراها ترقص على شرفات بيتنا وفي الطريق وفي كل مكان... حاولت العدو فشدتني يد أبي مبتسما :" رويدك حاذر أن تقع".. سرت مع أبي ذاك الرجل العظيم الذي كان لي ولا يزال مدرسة ومعهدا وكليّة رغم محدودية تعلمه... كنت أنظر بل أحدق في البنايات الجديدة والسيارات المندفعة من كل حدب وصوب.. كانت سعادتي لا توصف بدنوّي رويدا رويدا من مدرستي من رفقتي... من طاولتي.. من كل جميل في حياة جديدة إسمها الدراسة .. كنا نعبر الشارع وكأني على جناح طير.. أبتسم تارة وأغني أخرى.. أنتظر لحظة وولوجي الي قسمي ومعلمتي...
قالت : "أبي نسيت اللّمجة أبي أريد لمجة" ماذا صوت أبنتي!!!
أجل كنت أرافق إبنتي إلى المدرسة في أول أيامها.. فعلا كانت رحلة عبر الماضي.. عجبي!! ذاك الطفل بداخلنا لايزال غضا فتيّا لم يكبر.. أبَى إلا المكوث لم يغادرنا.. كان حلما إنتهت صلوحيته لكن ما برحني يوما طوافا في مخيلتي.. أوصلت بُنيتي إلى باب القسم عانقتني طويلا كعهدها كل مرة.. تسمرت في مكاني أرقُبُها أعانقها بعيناي وبدعائي... نزلت على خدي دمعتا فرح وإعتزاز... بنيتي كوني لي الماضي والحاضر والمستقبل...وأحضني الحلم بداخلي فأجعليه حقيقة...
محمد بيولي/تونس

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق