الخميس، 15 أكتوبر 2020

بمناسبة عيد الجلاء ،مُقتطف من رواية "سيمياء الحُبّ" للكاتبة سامية ابراهيم الحاجي يتحدّث فيه والدها برهوم عن لمحة من نضاله

بمناسبة عيد الجلاء ،مُقتطف من روايتي "سيمياء الحُبّ" يتحدّث فيه والدي برهوم عن لمحة من نضاله

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
روى أبي حكايته قال:
الوطن غال يا ابنتي وإذا ضاع لا تُعوّضه أيّ رقعة على الأرض، حتّى وإن استأنستِ ببلدٍ غيره. صدّقيني هو وحده يظلُّ ساكنًا في القلب. من أجل ذلك عدتُ من سوريا بعد فشلنا في تحرير فلسطين تاركًا كلّ شيء ورائي ، تركتُ الزّوجة وفي القلب حسرة. حاولت زوجتي السّوريّة الاتصال بي من خلال الرّسائل أو بواسطة بعض الأصدقاء الذّين فضّلوا مواصلة العيشبسوريا، ولكن دون ردٍّ منّي فحضارة سوريا وطريقة عيشهم زيادة على الفوارق الاجتماعية حالت دون المُواجهة. ثمّ إنّ قُوّة النّيّة لدى الوالدة كانت أقوى من نيّاتنا فلنشيجها ودموعها مفعول السّحر على قلبي ممّا جعلني أختار طريق العودة مُسرعًا .
سمعتُ إثرها أنّ زوجتي أنجبت ولدًا وأسمته عدنان، لكنّني انغمستُ في النّضال وتركتُ للأيّام التّكفُّل بمُهمّة النّسيان. وسرعان ما كوّنتُ مجموعة من الثّوار لغاية تدريبهم على السّلاح. كان ذلك وقت سواد اللّيل والنّاس نيام قصد الاختفاء من الوُشاة إلّا أنّ أحدهم أو هو قوّاد فرنسا كما كنّا نُطلق عليه وشى بنا. وللأسف كان قريبي ،كان يُخبر "الجندرمة" بكُلّ ما يحدث ويجدّ في منطقة بوشمّة. ففي تمام اليوم الثّالث داهمتنا دوريّة وزجّوا بنا في السّجن. أدخلوني إلى غرفة صغيرة منفردة .أعطوني سيجارة وأمروني بالإقرار على الاتهامات الموجّهة أي تلغيم قنطرة وادي المالح وقطع أكثر من عشرة خطوط هواتف و تمزيق دفتر أوراق انتخابات وكذلك اختلاس أموال من قهوة قوّاد فرنسا. التزمت الإنكار. فكان التعذيب. نزعوا ثيابي وتركوني عاريا تماما. كيف أصف لك يا اِبنتي شعور الرّجال حين يُقهرون؟ جرّدوني من ملابسي، لكن في الحقيقة كان عُريًا للكرامة والهويّة إذ تُصبح هي الهدف ومنبع الجُرح. ربطوا يديّ وساقيّ وأدخلوا بينهم" بالة" ثمّ استعانوا "بمُخطاف" وعلّقوني في السّقف كخروف العيد.. كالوا لي الضّرب المُبرح كصخرة لا تشعر. فهم لا يرحمون. كان التّعذيب يدفعُني للاعتراف لأتراجع بعدها ممّا يزيدُ في حنقهم وغضبهم .. غيّروا طُرقهم.. ووسائلهم فاستنزفوا بذلك ما بقي من قُدرَةٍ على المُقاومة.
أحضروا أدوات الكهرباء ووضعوا الأسلاك في أُذنيّ. كان كامل جسمي يرتعش في حركاتٍ مُريعة قاسية ومُؤلمة .ما أحسسته لن أنساه يا ابنتي إنّه محفورٌ في الذّاكرة وفي خزائن الوجع . إنّه تدمير في العمق.. وفي الواقع لم يكُن تدميرًا لشخصي بقدر ما مسَّ هذه الأرض الطّيبة وشموخها. سألوني عمّن أمدّني بالعدّة والعتاد . هدّدوني ببعثي إلى رمادة لكنّني أصررتُ على الإنكار. سكبوا عليّ الماء الحارّ ثمّ البارد .و تمادوا في طُغيانهم أمام تمسُّكي بالإنكار. كانوا يركلونني بأرجلهم في كلّ مكان من جسدي...ويصفعونني على رأسي ووجهي حتّى أُصاب بالإغماء.. وليختلط تحتي الدّم بالبول. إنّهم زبانيّة التّعذيب ، فقد كانوا ينتظرون عودة وعيي حتّى يُعيدوا الكرّة. كانوا يبصقون على وجهي تماديًا في الإهانة والإذلال. إثرها وضعوني في سيلون متر على متر لا يتّسع لشخص واحد ولمدة ثلاثة أيّام. كدتُ أجنّ. في اليوم الثّالث انتابتني نوبةً من الصّياح :
ـ ماء.. ماء...أُريد ماء...عطشان.. أريد أن أشرب...
من رواية "سيمياء الحُبّ لسامية ابراهيم الحاجي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق