☆ الشّاعر بين سندان السّامع ومطرقة الإلقاء:
___________________________________
يُشكّل الشِّعر -في أحد وجوهه- غواية؛ غواية النصّ، وغواية الإلقاء، فكيف إذا تعانقا معا، باعتبار أنّ فنّ الإلقاء يعدّ دعامة أساسيّة للنصّ الشّعريّ. لكن ليس لكلّ شاعر "ملكة" الإلقاء على الخشبة. فبعض "الشّعراء والشّواعر" يشعرونني بالغربة والغثيان عند الانصات إلى إلقائهم الشّعريّ المزعوم. فلا يعدّ الإلقاء الشعريّ إلقاء ما لم يصاحبه إحساس عالٍ بما يتضمّنه من المعاني، ثمّ إتقان التّعبير عنها بخفض الصّوت ورفعه والتّوقّف عند الوقف، وتوافق ذلك مع الانفعالات التي تظهر على الوجه وحركة الجسد. وإن لم يتوفّر كلّ هذا فإنّ الإطلاع على القصيدة مكتوبة خير من رؤيتها تلقى، لأنّ الإلقاء السيّء يضلّل المتلقّي ويغيّب عنه مرادات الشّاعر.
وعليه فإنّنا نقول لا تكفي الكتابة أو جنس صاحبها (شاعر أو شاعرة) كذريعة، وكـبقرةٍ مقدّسة لإنتاج كلّ هذه الأكوام من الرّداءة، والخطابات الهجينة، والمؤلّفات والنّدوات الرّكيكة.
وفي هذا المقام نسأل: كم من الوقت نحتاج لننظّف الشِّعر والملتقيات الأدبيّة والثّقافيّة من كلّ هذه " الرّداءة"؟
ففي أيّامنا تمتلئ المنتديات والملتقيات وصفحات القرّاء والملاحق الثّقافيّة والمواقع الإلكترونيّة، بمئات القصائد ومقاطع الفيديو الرّكيكة والسّاذجة التي تغصّ بالأخطاء النّحويّة والإملائيّة المخزية، واختلال السيّد "المعنى"، وبالسّطحيّة الفاضحة وسقم الحال الذي تبدو عليه الكتابة أو الإلقاء، لكنّها تتوسّل الحصانة المطلقة، بل والقداسة التامَّة، فقط لأنها لامرأة فاتنة أو لرجل يدفع أو لغاية ما!
هي فقط محاولات لحوحة، من هؤلاء، للانتقال من مقاعد القرّاء التي لم تعد مقنعةً لهم إلى مقاعد الشّعراء! ولا أحد من الذين تستوقفهم الظّاهرة يجرؤ على نقدها، أو حتّى الاعتراض عن أخطائها الإملائيّة، فكثيرون لن يتورّعوا عن "تخوين" هذه النماذج واتّهامها بالإساءة للأدب العربيّ! فيكون الخيار الأسهل، والأقلّ كلفةً، هو التّصفيق "للشّاعرة والشّاعر" ومديحهما ورصف العبارات في تثمين ما كتبا، وتحديدا إن كانت امرأة، فحينها يأخذ المديح شكلا أكثر إثارة للاشمئزاز حين يتساءل أحدهم: أين كُنتِ طيلة السّنوات الماضية؟ ولماذا بخلتِ على السّاحة الأدبيّة بكلّ هذه العبقريّة؟
ويتوسّلها آخر: أرجوكِ لا تتوقفي عن الكتابة، وإلاّ توقّفت الحياة! في حين لا يتردّد كاتب سبعينيّ أشيب بوصف فتاة بعمر حفيدته لا تزال تتهجّأ الكتابة بأنّها "قدّيسة الثّقافة" وسيّدة الشّعر...! لكن شاعرا معروفا يهزّ رأسه بحكمة ويُعلّق: لم يخنّي حدسي كنت أعرف أنّك شاعرة جبّارة !!...
ولا يملك الذي يقرأ كلّ هذا الهراء والغثاء، إلاّ أن يشعر بالتّقزّز، وهو يرى المسوخ في الكتابة، يتستّرون بالشّعر العربيّ ويتذرّعون به تماما كما فعل مسوخ السياسة والقادة العرب بأمّتنا العربيّة وقضيتنا الفلسطينيّة، ولا يزالون يفعلون!
ختاما، أحبّتي الشّعراء والشّواعر دعوا أشعارَكم تكون صديقةً لذاكرة القارئ وشقيقة لذائقة السّامع.
____________________
سفيان المسيليني

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق