فرقعات زجاجات بيبسي " موسكوفية " باردة وظهيرة خرطومية ساخنة..-1-
" يا عذرائي المنتحبة
يخترق اسمي قلبك كاستغاثة
(انت نسر وحيد وانا سماء كاملة)
" آه يا بعل رؤاي يا اسمها
انا بقرتك الصفراء
وثور قربانك الكحيل."
" محجوب كبلو "
1- من حركة الطائرة وأزيزها وصوت محركاتها الهادر الناعم , وما تنفسه في الاجواء السيبيرية الضبابية القاتمة من هواء طارد مستنفد , تيقنت بلا لبث أوغموض وأنا أعارض بشدة تخمينات أصدقائي الجنود الكزخيين المتخمين لحد ما بنعمة البترودولار المميزة , الذين يمازحوني بمحبة ويقدمون لي بكرم فياض مربة الكشمري الاحمر والازرق , وأقداح من الجعة الدافئية وملاعق الكافيار المترفة الواحدة تلو الاخري , وأوكد دامغا بأن الطائرة حتما قطعا قادمة أما من أقاصي القطب الشرقي البعيد راسا من مدينة " بتروبفلوفسك " المعزولة حيث قاعدة الدعم اللوجستي الاولي للغواصات النووية لاسطول الشمال وحتي جميع المحيطات , أو بالعدم من مدينة " أومسك " آخرمدينة ظلومات الارض كما يدعون جازمين والتي وصلها ملك الدنيا القديمة الاسكندر ذوالقرنين , والتي يظن أن بها نهر أوعين ماء الحياة الابدي , وأنها ليست " توبولوف " عملاقة كما تبادر لاذهان الكثيرين من طلاب الميري الامميين المبتعثين لجمهوريات أسيا الوسطي حينها , وأنها بالتالي وعلي رؤوس الاشهاد طائرة " ياك " كاملة الدسم بهيئتها الضخمة التي تشبيه لحد ما جاموس بقر" الياك" الوحشي المنشوري الغير مروض , الخرافي في زحزحت وتحطيم قمم وسلاسل الجبال الجليد بقرونة الصلبة , بحثا عن جزور النباتات الثلجية والملصق كشعار بارز أو ماركة مسجلة بكابينة القيادة , والمصنف محليا من المفترسات الوحشية السبع بالاورال الكبير وصحراء جوبي وبحيرات بلكاش وقزوين , والعهدة هنا علي مساعد الطيار صديقي " ألكسي يتسين " وهذا ما حاجاجوني فية أيضا بشدة بعد ذلك طلاب ماجستيرـ الديناميكا الهوائية aerodynamics , كانت جميلة رائعة ذات تكنولوجيا متطورة وبطابقين لا تتبع لخطوط الميري الرسمية الايرفلوت أنما تتبع لخطوط منشورية السياحية الجديدة , مع ضخامة أجنحتها الا أنها وكما يقول شاعرنا الحردلو معصومة من شبت الاكتاف , لحظتها كانت تمخر بسلاسة أجواء منشوريا الشاسعة المخيفة المليئة بالمطبات الجوية الهوائية وكتل الضباب الغاتمة المعتمة والسحب الركامية الهشة , في ذاك المساء من بواكير الربيع المنشوري والسيبيري البديع الزاهي الفاقع الحمرة , الطابق العلوي لاسباب أجهلها كان بالكامل مخصص للعشرات من الموسيقيين والفنانين والراقصين والراقصات ليسوامن فرقة البلشوي الكبير أو الصغير الموسكوفية الشهيرة , لكنهم جوقة فنانين شعبين مغمورين من فيافي وقري أبخازيا وجورجيا واسيا الوسطي , جلهم فتيات وفتيات من القرغيز والطاجك والمنغوليين والازبك المتشابهين تماما بازيائهم الزاهية المميزة المزركشة الصارخة الالوان , متوجهين راسا علي ما يبدوا لاول مرة لاكرينيا " كيف " العاصمة للمشاركة في الذكري الاكتوبرية الثالثة والاربعين لهزيمة النازية بحضور السكرتير الاول المعتق والمخضرم يومها " شيرينكو" , القادم الجديد كمرشحا وحيدا من لدن لجنة امن الدولة العليا, أما الطابق الارضي فقد كان مزدحم بالاصول والانواع الكونية المختلفة الاشكال من المخلوقات الغرائبية كسفينة نوح .. , ففي المؤخرة أو زيل الطائرة الضخم ترقد بسلام أنواع مختلفة من النباتات الطبية وزهور الزينة والشتول القطبية الشبة مجمدة , وأنواع أستشكلت علي من الطيور الغربية الالوان والوجه واللسان بعضها محنط والاخري يسري بها دبيب النشاط والحياة والحركة .. , جنبا الي جنب بتراتيبية غير مخله مع أنواع مختلفة من الحيوانات القطبية المنشورية الشرسة الصغيرة الحجم المشاكسة , والغير مروضة كالدببة والنمورالقطبية والثعالب الفضية وأنواع من الباندا الصينية وبقر الرنة والياك الوحشي وبعضها علي سجيته وطورالنمؤ الاولي , داخل أقفاص حديدية مسيجة بالفولاذ المغلظ , أما وسط الطائرة فقد كان شيء عجيب وغريب مزدحم عن آخره بالعشرات من المجندين والمجندات من الاحتياط وأسطول الشمال , من البلوروس والموسكوفيين والاكرانيين واللتوانين منشغلين بالرقص وفرقعات زجاجات الفودكا البيضاء ورائحة التبغ الهافني تكاد تذكم الانوف , يجاورهم كتف الي كتف عدد غير قليل من طيارين مقاتلين مميزين لدول صديقة , يقال بأنهم انتهو للتوه من التدريب علي الضرب بقنابل الاعماق زنة 250رطل بالقاذفات الاستراتيجية تي يو والقتال .. والهبوط الليلي بطائرات الميج 25 الاسرع من الصوت , تعرفت علي بعض الطياريين العرب منهم المصري ممدوح والسوداني علي ما أذكر ألشهير " قيس .. "والذي ترقي فوريا كما جاء في الاخبار نائبا لقائد ـ جناح التكتيك بالقوة الجوية السودانية , كنت بالمقادعد الامامية مع رتب عليا بدرجة مارشالات جو ـ وبحر يقاسمني المقعد الوثير ضابط حراسة مفوض علي ما يبدو مشاكس وشفت من الكي جي بي , وعلي الرغم من المنصب الرفيع الذي اشغلة ومتزوج من روسية بطلة للالعاب الاولمبية , الا أن الضابط الشاب المعني وهو برتبة لفتنانت كولنيل " مقدم " من الاذكياء المعدودين والمميزين واختير قبلها وكما قال لي بعد أن توطتد العلاقة بيننا , للعمل لفترة عشرة اعوام تقريبا بلجنة أمن الدولة بالسفارة في برلين الشرقية ويحمل بفخر وسام من الدرجة الاولي , من هونكر الرئيس الابدي لبرلين الشرقية بعد النازية , ماكر جدا أراد بدهائية المطبوع ليشغلني بقية ليلي الطويل ويورق حتي منامي المسهد علي مقولة " سهر الدجاج ولا منامة " , فقال لي ببرود متصنع وهدوء عجيب ولاول مره وهو يدير بتوقيت محسوب جهاز التلفاز الوحيد المثبت بأعلي القمرة ,ويضع بثقة لاتدانيها أي ثقة كامل أسلحتة وأجهزة الحراسة الميري وحتي سلاحة الشخصي " الطرزمش والطبنجة " وبعد أن ذهب الكل تقريبا في نوبة نوم عميق وأنا مستعجب :
ـ عفوا ساذهب أنا أيضا .. أيها الاسمر الملائكي الجميل والجميع علي ما يبدوا في نوم عميق .. وسنشغلك بعض من الوقت كما يقول روائيكم في المستقبل القريب ساكن بـ " ما يتبقى كل ليلة من الليل .. " لتحرسني وتحرس رتبنا العليا .. وليضيف مازحا ومدندنا بلكنة موسكوفية وأغنية سودانية للنخاع وأنا أستغرب " .. أمدرماني .. أمدرماني وكلك أمان .. بنومي حكم الزمان .. .
-2-
من التلفازأو الشاشة البلورية المثبتة بغمرة الطائرة الامامية ورغم تشويش الصورة وتذبذب الصوت بداء لي مقدم برنامج الوثائقية بقناة RTأرتتي 24 " علاء الخماش " بلكنتة وملامحة الشامية الشرق أوسطية الشقراء , ليس كمقدم برنامج عادي وأنما كمحقق لبق حازق محترف عالي الثقافة والهمة والموضوعية ,وهو يحاول جهد طاقتة ومن كرسي الاعتراف الساخن أستنطاق ضيفة الوجية الذاهب في السن وثوثيق الحقائق المحضة المجردة ولا شيء غيرها ,ليقول لة مقاطعا ومعاتبا ومستفهما بشيء من الحده :
ـ سيد " أنتولي دوبري " قلت في الحلقة الماضية بأنك كنت تشغل مهام قائم بالاعمال بالانابة بسفارتكم بالخرطوم , أوائل السبعبنيات من القرن الماضي الم يكن من طبيعة قسمكم السياسي توجية الرفاق السودانيين بحركة حستو - التحررالوطني وتقديم الدعم المالي واللوجستي وفوق كل ذلك تقديم النصح والمشورة .. " , أجاب بهدوء الواثق :
ـ هذا صحيح بالكامل ولكن الرفاق هناك في الغالب الاعم كانو يعملون بصورة مستقلة تمام .. , ثم فجاءة تهتز الصورة .. وياتي الصوت متذبذب ومتقطعا .. بفعل العواصف الجليدية والمطبات الهوائية الفجائية وثمة أصوات لصواعق رعدية .. , لياتي بعدها الصوت متذبذب ليقول :
ـ بل ويرفضون بكياسه وتجاهل أي أملاءاات أو أي تدخل من أي شخص أو جهة كانت .. سواء في شئونهم أو قراراتهم الداخلية المحضه ..
ومرة آخري ياتي الصوة متقطعا ..وتهتزالصورة بالكامل لمدة ربع ساعة وأنا أتابع بشقف ليقول بتعثر
ـ أقول بأن من قام بالترجمة للانقلابيين الذين يحسنون العربية والانجليزية مترجم سوداني متمكن , شاب كان يحمل شهادة فى الاقتصاد وأجازة آخري في الهندسة الكهربائية وأسمة علي ما أذكر .. , وأبتعث بعد ذلك مباشرة للدراسة بالمعهد العالي للفيزياء الفضائية بـ ـ "ماقانتوغورسك " وهو الان يعمل معيد بالقوقاز ومترزوج من روسية بطلة لكرة المضرب وكان أمينا جدا في ترجمتة للاحداث ولم تكن هناك ثغرة تؤخذ علية بتاتا...
📷
هذا الحديث أطار عقلي أذا كنت أنا المعني في كل ذلك وأعتبرتة نوع من الدهاء والمكر الموجع من هذا العميل ,الذي يريد أن يقول لي أنت غريب علي الرغم ما تحظي بة من مكانة ورتبة وأنواط واوسمة عديدة , وما معناه بالتالي أننا نعرف الكثير عنك وفجاءة رجعت بالذاكرة الي سبعينيات القرن الماضي ,كنا يومهاقد جلسنا تلك الظهيرة بعدد بفوق الستين ممتحنا بقاعة الامتحانات الكبري بجامعة الخرطوم والمجاورة لدار النشر ومكتبة المين , لوظائف سكرتيين ثوالث بوزارة الخارجية كان الجو خانقا وسفارات ثلاثة دول كانت تراقب الموقف وتتصارع , وكان كل الذي يحدث كما يقولون تحصيل حاصل لان الوزير الدكتور شخصيا قد حسم التعينات منذ البداية , وما تواجد الوكيل الدائم ومدير الادارة الداخلية ومندوب من رئاسة الوزراء الا موضوع علاقات عامة , ورغم موهلاتي العالية ومن الشباب المميزين في اللغة بالجامعة والمركز التقافي الا أن قربي اللصيق يومها بصهري نائب الامين العام للحزب , قد يحول صراحة دون تعيني حتي ولو ولج كما قال لي العزال " الجمل من سم الخياط " , ونحن خروج من الامتحان في الممشي الرئيسي الذي يفصل بين المين والقاعة لم انتبه الا بيد تربت علي كتفي ولتقول لي الزميلة بالمركز " نجلاء" , أتصلت بي أستاذة اللغة بالمركز " آنا بتروفا " وطلبت مني أن أخطرك لمقابلة سيد " دوبري " الان وسريعا لامرهام جدا , وبينما أنا أودع الزملاء والزميلات واقطع المسافة راجلا من شارع الجامعة لشارع الجمهوريىة , شعرت بوجود حركة غير عادية وزحام بالشوارع الرئيسية وتحركات لارتال عسكرية وأفراد حسبتها عادية وساعات الزروة المعروفة , كانت الساعة تشير للثالثة عصرا تماما دلفت بهدوء لمبني المركز الضخم : سابقا " والذي يشغلة الان فعليا مبني المفوضية الاوربية لياخذوني مباشرة للصالة الداخلية قدمت لي زجاجة بيبس مستوردة .. .
mohmed_mohmed@gmail.com
فتحى عبد العزيز محمد
الصحافة شرق ـ الخرطوم
3/2/1992م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق