قراءتي في كتاب " كسرة خبز" للأديب المغربي حسن ابراهيمي
(لطيفة الشامخي)
عندما بعث لي الأديب حسن ابراهيمي الكترونيا بكتابه "كسرة خبز" و طالعتني صورة الغلاف لأيادٍ تمتد نحو الرغيف، إلى جانب العنوان "كسرة خبز"، تبادر إلى ذهني أنني أمام رواية تحكي التعب و معاناة الكادحين. لكن الكاتب بافتتاحية مختصرة قدم كتابه " شبق نصوص صدحت لثمالة أفواه على الرصيف".
ثم جاءت كلمة حرية و دماء متقاطعة، مع اختيار اللون الأخضر لكلمة حرية و اللون الأحمر لكلمة دماء وهي ألوان للدلالة.. و أردف بعدها "شذرات نسجت أغاني العزة لدماء الشهداء".
و بعد قراءتي الأولى اكتشفت أن المحتوى أبعد من أن يكون رواية للبؤساء.
"كسرة خبز" هو عمل أدبي جاء في شذرات، و الشذرة هي صنف أدبي يختزل الكلام و الأحداث و الصور و تثير الدهشة.
حسن ابراهيمي اختار هذا الصنف من الكتابة ليقود القارئ مباشرة لصلب الموضوع و ليبلغ الفكرة بأسلوب برقي و موجز. و قد جاءت هذه الشذرات بلغة بليغة مما يدل على أن الكاتب آخذ بناصية اللغة و له ثقافة واسعة.
- "كسرة خبز" هذا العمل الأدبي الرائع جاء ليطرح قضايا الوطن العربي و تمزقاته و معاناة شعوب تحت الهيمنة و الاستبداد.
و في ظل الكلمات انطوت الشذرات على المبادئ الانسانية و أتت في تحدٍّ لنظام الهيمنة و السلطة، في وطن يشهد استبدادا غير مسبوق حيث تنتهك الحريات و حيث الفرد في وطنه لا يعامل بشكل عادل.
"لما ترهلت الحرية اختفت أمام باب المستحيل..استنشقت أنياب السماء..استنارت بذكريات غيابها في الفراغ..كم تحتاج من عيون للسباحة في عيون الأسد".
فأديبنا يسكنه وطن و يستوطناه الحرية و الحق، يحمل على كتفه جرح الوطن و على كفه جرح الذات و وجع الروح، فجاءت الشذرات كنتاج لمعاناته و ثورته على الأوضاع الراهنة و حلمه الذي تعلق بوطن حر حيث الفرد فيه صوت حر، بعدالة اجتماعية و نظام حياتي يسمو بالمجموعة البشرية. "لست سواك يا وطني، عانقتك في أفواه المعتوهين و الفقراء..عانقتك في كل كسرة خبز تصدح في الشارع في وجه القمع..في وجه كل المتارس التي تمنع المارة اقتطاف وردة في كل حقل يسقى بدماء الشهداء..لست سواك يا وطني،و باسمك أقول لا للتجول في كل حقل يسقى بالغدير،و لكل من يلتف حوله ليحول زرعه بطانة تتملق لتحول الحياة إلى رماد، بعد كل انتصاب لجمر في قلعة الشرفاء"ّّهكذا جاء النص الاول في الكتاب و بمثله جاء النص الأخير حزنا على وطن وزعته الخرائط "ببهو الولع بالحرية أعتق منفاي..بدروب ينابيعه أكنسه..أعاقر كل محرر حين يسيل في شقوق الشمس..ليصلى سلاما لعار وطن وزعته خرائط الأطفال لجدران المذكرات"ّ. و بين النص الأول و الأخير فصول أحداث رسمتها الشذرات لدماء كل صوت يصدح بالحرية. لقد آمن حسن ابراهيمي أن الوطن ليس رقعة أرض على الخريطة، الوطن هو كل من أرض و مجموعة من البشر و موروث حضاري و ناموس يرتب حياة المجموعة بشكل عادل و يتساوى أمامه الجميع.
و لكن الكاتب يعاني خيبة من خيبة كل المستضعفين و المهانين في وطنهم من سُرِق منهم الحلم "انكسر الحلم في بصيص الأمل، و انكشفت عورة نصل الربيع..و لم يبق للشمس من ترقص لهم في آخر الشعاع.. انتهت المعركة و لم يبق فوق حصير الرماح سوى كسرة حزن و ماض عج بالجياع"
"خدوش الزمان العصيب ببلادي موحشة..تماما..كنوم الأفاعي في أحلام الرثة..أو كاصطفاف العرق حين يختبر جباه المقهورين".
رغم هذا يبقى حسن ابراهيمي متفائلا واثقا من قدرة الفرد و آملا في غد أفضل و في جيل آت " لن يستسلم اغترابي مهما ابتعدت في منفاي.. لن يستسلم لانتصاب المنعرجات.. او لضغط أي انحناء اتقد في كل طريق اتخذته لأنشد حكاية عن اغتراب شمس بلدي لكل طفل يحمل حقيبة مسد وهو في الطريق إلى ما تشتعل به ذاكرة وطن ليحرر أهله من الطغيان".
"يكتبني الزمان في قارورة شمس، كي أستعيد الانتشار".
•- أما بخصوص التاريخ فلأديبنا رأي: "بين قضبان الريح، وقف التاريخ بدون قضية..فوق أسرة طفولية، نامت أحداثه بدون أسئلة.. نامت بدون سلم للأسوار.. بدون كشف لعيون الأسر، و بدون قداسة بطانة مكثت تغرد للجراح".
"نامت الأحداث بعدما أقفلت أزرار التاريخ.. نامت في أقفال غابت عن أدوار الاستبصار.. نامت في أسوار تسجد بعد كل فضيحة لهزائم الاصطفاف".
"بعدما تبدت لنا حفر في لجام الأحداث، ركض وجه التاريخ و لم يخلف من ورائه إلا شيب الزمان"
"سقط التاريخ العربي وسط خيمة، أعمدتها تنهك الانتصاب بين الشعاب". من الواضح أن أديبنا لا يثق بالتاريخ و زيفه، تاريخ كتب بغير أمانة لصيرورة الأحداث و أهدافها. و هنا يذكرني بقولة (تشي غيفارا) " إن الحياة كلمة و موقف، الجبناء لا يكتبون التاريخ، التاريخ يكتبه من عشق الوطن و قاد ثورة الحق و أحب الفقراء".
•- في كتابه "كسرة خبز" يذكرني حسن ابراهيمي بالشاعر المصري (أمل دنقل) و قصائده الشهيرة.
إذ أن تكتب كلمات أو بعض سطور لتلخص نكبة وطن و معاناة شعب و قهر المواطن العربي، لا يكفي أن تكون كاتبا أو أديبا أو شاعرا أو مفكرا بل يجب أن تكون جمعا لبعض من كل هذا، و قد جاء كل هذا مختصرا في حسن ابراهيمي، الرجل الذي آمن أن الحرية لا تعطى هبة بل تفتك و بالنضال، و قد اختار أديبنا النضال عن طريق الحرف، فالكلمة أحدُّ من السيف و أبلغ من الرصاصة، وحدها تسافر عبر الأقطار دون جواز سفر و لا تأشيرة دخول لتجد طريقها.
- في النهاية "كسرة خبز" باقة شذرات تدخل تحت تصنيف أدب النضال، وهي تستحق أبعد من قراءة بل تستحق دراسة أكاديمية تبحث في عمق النص، و كل شذرة في هذا الكتاب تستحق افرادها بقراءة مفصلة. فمهما كتبنا و مهما قلنا حول "كسرة خبز" يبقى أمامنا الكثير لنقوله و يبقى الأكثر مخبأ بين السطور ، ربما سنكتشفه مع القادم في استقراء لخباياه و كشف ما جاء مواريا في ظل الكلمات.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق