(( يا ساقي الرّاحِ ))
يا ساقي الرّاحِ صبَّ الرّاحَ في عجـلِ
لا تتركَ القلـــبَ مشــــتاقًا على أمـلِ
دندنْ بعــــودِكَ وزنُ الشّعـــرِ أجملـهُ
مستفعلنْ فاعلــــــــنْ مستفعلنْ فعـــلِ
وغنِّ لي هــــــزجًا فالرّوحُ أطربَهـــــا
صوتُ الكـؤوسِ إذا صفتْ على مَهلِ
وإنْ تشا تجعلُ الأحــــــــداقَ راقصةً
فاطربْ سماعي بلحنِ الدّشتِ والرَّمَلِ
ما بينَ صــــــــــوتِكَ والأوتارُ أغنيةٌ
تصطـادُ نبضي وترمي الرّوحَ بالبللِ
تهفو إلى كأسِــكِ الأنفـــــــاسُ لاهثةً
لهــــــــا على الكــفِّ آثارٌ مِن الشُّعلِ
قد أوضحَ الشّوقُ عذري في محبِّتهــا
إذ حبُّهـــا خالــطَ الأنفــــاسَ مِنْ أزلِ
ومثلمــــــا يعشقُ السَّكـرانُ خمـــرتَهُ
أصبحتُ أعشقُ فيهـا صبغــةَ الخجلِ
أنا الصّريعُ بحــبِّ الكــــــأسِ منتشيًا
ولســتُ أوَّلَ صَبٍّ مـاتَ عنْ ثَمَــــــلِ
فخــذْ يميني إذا يسراي قد عجــــزتْ
فإنّ خمــــــرَكَ سحـــــرٌ قاتلُ المــللِ
عجّــلْ بهــــا حينَ لا نحسٌ يطالعُني
وصبُّهــــا كشعاعِ الشّمسِ في المقلِ
وإنّني قد قتلتُ الدّهــــــــــرَ تجــرِبةً
وذقــــــتُ مِنْ صابِهِ في ســنِّ مُقتَبلِ
بادرْ إلى الكــاسِ فالدّنيا مطاوعـــــةٌ
عمرُ السّرورِ قصيرُ الوقتِ والأجـلِ
لو أنّني متُّ في سُكــــــري بلا كفنٍ
فالموتُ أحلى بعشقِ الكأسِ والغـزلِ
ويا عليمًا بمــــــا في القلبِ مِنْ وجعٍ
واللهِ مالي بهـــــــــذا الحــبِّ مِنْ قِبلِ
ويا طبيبًا بمـــــــا في النّفسِ مِنْ ألــمٍ
فـي كفِّكَ البرءُ مِنْ سَقْــــمٍ ومِنْ عُـللِ
ويا بخــيلًا بمــــــــاءِ الوصلِ يمنعُــهُ
يكفي فـــــؤاديَ منهُ رشفـــــةَ الوشلِ
ففي الضّلوعِ جراحٌ لا طبيبَ لهــــــا
أنتَ الدّواءُ فكــنْ عـــونًا علـى غللي
ما زلتُ أرجـوكَ بي شوقٌ وبي ظمأ
فمــــــا لوجهِــــــكَ لا يندى مِن الخجلِ
بالخدِّ يســــــألُ دمــعُ العينِ مفتضحًا
أنا المتيّمُ كـــــــــــمْ يحــــــــتاجُ للقُبَلِ
بي حزنُ يعقوبَ لمّـــــا غابَ يوسفُهُ
وبي مِن الجمـــــرِ ما يسعى إلى البَللِ
وبي مِن الهمِّ ما يبكـي فـــوآ أسفـــي
وبي مِن المـــرِّ ما يصبو إلى العــسلِ
ســـــألتُكَ الوصـلَ لا صبرٌ فيسعفُني
وأنتَ تهــتفُ يا غــــــــزوانُ لا تَسلِ
مولايَ تشكــــو إليكَ الرّوحُ ما بقيتْ
وأنتَ عــنّي خلـيُّ البالِ في شُغُـــــلِ
هــــــلّا رثيتَ لقلــــبٍ استوى حُطَمًا
مِن الغــــــــرامِ ونارُ الشّوقِ لمْ تزلِ
عندي أحاديثُ شوقٍ لو أبوحُ بهـــــا
تسلسلَ الدّمــــعُ مرســالًا مِن الرُّسُلِ
إنَّ المُحــــــبَّ بلا وصلٍ ولا أمـــــلٍ
مثلُ الغريبِ يلاقي الموتَ في السُّبُلٍ
تمـــــيلُ مثلَ غُصينِ البانِ مِنْ ترفٍ
تختالُ كالحـــورِ مِنْ غَنجٍ ومِنْ جَذلِ
مموسقُ الخطـوِ مِنْ تيهٍ ومِنْ صَلَفٍ
تكادُ تقلــــبُ قـــــاعَ الأرضِ بالجبلِ
جمـــــــالُ غيرِكَ مرسومٌ ببهـــــــرجةٍ
والحسنُ فيكَ أصيلٌ غـــيرَ مفتعـــــــلِ
يا دولـــةَ الحسنِ قد أصبحتَ سيّدَهـــا
أكرِمْ بهـــــــا دولـــةً مِنْ أعظمِ الدُّولِ
فطفْ بنا في رياضِ الحــسنِ ناضـرةً
فالسُّكــــــرُ حيثُ نبالُ الأعيُنِ النُّجُــلِ
لا تصدَّ الكــــــأسَ عنْ صَبٍّ ومكتئبٍ
لا يعشـــــقُ الكأسُ إلاّ عــاشقُ الثّملِ
أعـلّلُ النّفسَ بالتّذكــــارِ ما حَــــــزُنتْ
واليأسُ يقتلُ لــــولا بارقُ الأمــــــــلِ
قد يضحكُ المــرءُ والأوجـــاعُ تنحرُهُ
ويبسمُ الثّغــــرُ مِنْ يأسٍ ولم يَقُــــــلِ
سأشربُ الخمــــــــرَ ملسوعًا بلذِّتهـــا
لو أنّ في الخمـــرِ ما يدعو إلى الزّللِ
قد صرتُ سلطانَ عصري دونما شبهٍ
(وصرتُ كلَّ رجالِ الأرضِ في رجلِ)
إنّي فتًى قد خَبرتُ الكأسَ معـرفـــــةً
وقد بُليتُ بهـــــــــــا عشقًا ولـمْ أزلِ
وقد يلــــومُ سفيهُ القـــــــومِ منْ نَزَقٍ
لو ذاقَهـــــــا لزهــا كالفارسِ البطلِ
يا مطلقَ اللــــومِ مِنْ جهلٍ ومِنْ سَفهٍ
أقصرْ ملامَكَ واتركْ أسهــــمَ الجدلِ
هي المُدامُ وكـمْ تسمـو بشاربِهــــــــا
تكسو الشّمـــــــائلَ تيجانًا مِن الحُللِ
لمْ تُلهني عنْ طلابِ الخمرِ لائمــــةٌ
في نشوةِ الخمـرِ ما يغني عن الهزلِ
أبكي على الكأسِ لو فارقتُهــــا سلفًا
بكـــاءُ صَبٍّ على الأحبابِ والطّللِ
..................
شعر / غزوان علي

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق