الجمعة، 12 أبريل 2024

وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور(@) بقلم : د/علوي القاضي.

 (@)وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور(@)

بقلمي : د/علوي القاضي.

... حينما يكون الفن هادفا فإنه يعالج ٱفات البشر والمجتمعات المارقة ، وحينما يكون المؤلف عظيما والممثلون عظاما والمخرج عبقري ، فإنهم يقدمون الرسالة فى أكمل وأبهى صورها فيكون لها صدى ومرجعية مهما إختلفت الأزمان والشخصيات

... في فيلم ٱثار على الرمال كان هذا الحوار العبقري الذي لخص الدنيا فى كلمات بسيطة فى حروفها ولكنها ضخمة في معانيها :

... والطاحونة دى كانت بتشتغل ؟!

. . أمال يابيه ، دى كانت مابتبطلش طحين أبدا

... وبقالك كتير فيها ؟!

. . طول عمرى فيها إحنا كان بيجى لنا أيام نطحن فى اليوم عشر أرادب قمح بس ده كان زمان أيام ماكانت الدنيا دنيا !

... وبتشتغل ازاى ؟!

. . القمح ينحط هنا وبعدين نفك المروحة اللى برة ، الهوا يدورها تقوم تدور التروس وتشتغل الحجارة

... لكن طبعا دى مابتشتغلش دلوقت !

. . لاخلاص التروس والمراوح إتكسروا ، اللى دوبنا دوبها ، الزمن مبيرحمش ، كل حاجة بتاخد زمانها ، على العموم هى عملت اللى عليها ياما وكلت ناس

... وإنت دايما قاعد فيها ؟!

. . هاروح فين يابيه ؟!

... مابتخرجش تشوف الدنيا ياحاج ؟!

. . دنيا ؟! أشوف فيها إيه ؟! أهى عجلة دايرة زى المروحة ، واحدة بيدورها ريح الزمن والتانية بيدورها ريح البحر ، واحدة بتطحن بنى ٱدمين والتانية بتطحن قمح ، وفى الٱخر ده يبقى تراب وده يبقى دقيق ، والعجلة دايرة زى ماهى ، لاهى حاسة بده ولا بده ، واللى بيروح بيجى غيره

... أحبابي ، فلسفة عميقة ، أنا عمرى ماسمعت واحد شبه الدنيا زى ما المؤلف شبهها 

... والقرٱن الكريم كان أدق في التشبيه ، قال الله عز وجل (وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا , كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ ، فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ ، فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ ۗ، وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِرًا

... تشبية واقعى من القرٱن وعبقري من المؤلف ، والسيناريست ، أسلوب وكلام الناس كلة حكم عظيمة ، وتخرج من كلامهم بحكم ومواعظ تعيش بها طول حياتك

... مرة وأنا جالس مع جدي وباتصفح  في الفيس ،  لقيته قال لي (يابني أقول لك نصيحة ، أي حاجة في التليفون فيس وغيره  ممكن تشوفها تان وفي أي وقت ، لكن أي طريق ممكن ماتمشيش فيه مرة تانية ولا الأماكن ، فحاول تسيب أثر طيب فيه يشهدلك يوم القيامة ، إنت عارف  تفسير (يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا) ، يعني الأرض هتشهد بكل حاجة إتعملت عليها يوم القيامة ، حتى إن المؤمن لما يموت ، المكان اللي كان بيصلي فيه بيبكي عليه ، فحاول كل مكان جديد تروحه تسيب فيه أثر طيب (صلاة ، تسبيح ، إستغفار ، قراءة سورة من القرٱن ، أي نوع من أنواع الذِكر ) ، وتذكر قول أبو الدرداء (أذكروا الله عند كل حجيرة وشجيرة ، لعلها تأتي يوم القيامة فتشهد لكم)

... فاالدنيا دار بلاء ، ولابد فيها من المعاناه حتى تشعر بلذة الشئ الذى تعانى من أجله ، ولابد من الغوص فى ظلام الليل حتى تعلم قيمة النهار ، كي تحافظ عليه وهذا من رحمة الله بنا ، لذلك فإن العذاب لايتناقض مع الرحمة ، رغم شقاء النفس به بل يكون أحيانًا هو عين الرحمة ، فهناك نفوس لاتفيق من غفلتها إلّابالعذاب

... إن القلب لايصحو إلّابالألم ، والنفس لاترهف إلّابالمعاناة ، والعقل لايتعلم إلّابالعِبرة ، والقدم لاتتعلم درسا إلّاإذا وقعت في الحفرة مرات ومرات

... يقول الله تعالى (قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَليلٌ والآخِرةُ خَيْرٌ لِمنِ اتًَقَى وَلاتُظْلَمونَ فَتيلًا) 

... يقول الإمام الثوري رحمه الله (إن هذه الدنيا دار التواء لادار إستواء ، ومنزل طرح لامنزل فرح ، فمن عرفها لم يفرح لرخاء ولم يحزن لشقاء ، قد جعلها الله دار إبتلاء ، وجعل الآخرة دار جزاء ، فجعل بلاء الدنيا سببا لعطاء الآخرة ، وجعل عطاء الآخرة عوضا عن بلاء الدنيا ، فيأخذ ليعطي ، ويبتلي ليجزي ، فهي لاتستوي أبدا ، ومحال أن تستقيم لك جميع الأمور) 

... (ركبت الدنيا على النقص رحمة بنا ، ولو جاءت لك جميع الأمور كما تشتهي ، فهذه أكبر مصيبه ! ، لأنه لوتمت كل الأمور كما تريد لركنت إلى الدنيا ، ولكرهت لقاء الله تبارك وتعالى ! ، وهذه أكبر خسارة)

... (وفي نهاية المطاف يجب أن نعلم الحقيقة الثابتة ، وهي أن حسن العاقبة دائما وأبدا للتقوى وللمتقين ، وأنه ليس للإنسان إلاماسعى ، وأن سعيه سوف يرى ، ثم يجزاه الجزاء الأوفي ، وأن إلى ربك المنتهى) 

... اللهم لاتجعل الدنيا أكبر همنا ، ولامبلغ علمنا ، ولا إلى النار مصيرنا ، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير ، واجعل الموت راحة لنا من كل شر ، واجعل همنا الآخرة ، وارزقنا حسن الخاتمة 

... وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم  

... تحياتى ...



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق