الخميس، 5 نوفمبر 2020

"وحدة تنز من أصابعه" بقلم تهاني بوغانمي

 "وحدة تنز من أصابعه"

_______
تهاني بوغانمي

الحزين هو من يشرب قهوته وحده، يصحو وحده وينام.. يأكل وحده ويتصفح جريدته دون وجود أحد ليشاركه شيء ما أدهشه أو أثار إستيائه وحنقه

إنّ الوحيد هو أكثر من يستدعي الشفقة تجاهه، إن منظر إنسان بحد ذاته، يقوم بكل هذه الأعمال وحيدًا يجلب لي الأسى إذا ما مرض وحده وإذا طاب وحده، لا أحد حوله ليمسد شعره في هذيانه، أو يهمس في إحدى أذنيه أنه سيشفى.. لا أحد ليمسح على جبينه المتعرق بحنّو إذا ما راودته إحدى كوابيسه

ينام على طرف السرير وكأن أحد قادم ليستلقي بجانبه، يتكور على جانب الأريكة دون أن يكون هناك من سيأتي ليجلس ويشاهد برامجه معه، يُعد أكثر من فنجان قهوة وهو يعلم حق العلم أن لا أحد هنا سواه، ولن يكون، ما من أحد سيأتي بعد أن قطع هذا الشوط الطويل من الوحدة، لقد أصبح وحيدًا حتى أخمص قدميه، تنز الوحدة من أصابعه. ويعي ذلك! لذا لا يضحك إذا ما أتت على باله ذكرى مضحكة، فلا أحد حوله ليسأله عمّا تذكر

إن الوحدة تجعل الإنسان يصبح كالبهيمة بيد أنه مُذ أكلته الوحدة، أصبح بلا مشاعر، ولا أبالغ إن قلت بلا حياة دون موعد للطعام يأكل أي شيء واقفا إذا ما جاع، يشرب من الصنبور، يطلق الريح بينما يمشي، يرتمي في أي زاوية وينام. يملأ الغبار المكان.. وبطريقة ما كان يملؤهُ هو أيضًا

كُل الأشخاص الذين عرفهم يتحلقون حول، لا هم معه ولا هو قادر على طردهم فيرحلوا، ويعلم كيف أنهم من الخاطئ انتظار أشخاص لم يعودوا لك، تقطعت أواصر صلتهم بك، من الخاطئ جدًا أن تحلم بمن لن يعود، وتستحضر ذكراهُ دومًا. لكن ما باليد حيلة، لم يعد يمنع نفسه بعد أن رأى اللاجدوى مع تناسيه، فتركهم يناسبون منه مع كل خطوة، يعيشون تحت أظافره، ويراقبونه وهو في غرفته الصغيرة، وهو يتقلب في فراشه، وبينما يتناول طعامه..في الليل يجمعهم من تفرقهم ويأخذهم معه قبل أن يأوي إلى فراشه، ويحدث أن يتقلب أحيانًا فيصطدم بمن ينام منهم بجانبه وصباحًا.. ينتظر بأناة من في المرحاض لحين خروجه.

وظلت تلك الأعين الكثيرة تحملق به دومًا لفترة طويلة قبل أن يعتاد عليها. وظل يعز عليه أن يبقى بلا أحد، بعد ذلك العمر الذي عاشه وكل النّاس الذين عرفهم فيه.

L’image contient peut-être : une personne ou plus

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق