شخصيات الكوني كما جاءت في نماذج من رواياته الضخمة والصعبة
التمهيد
كم ترهقني مدوّنة الكوني وتأسرني مضامينها، خصوصا تلك العناوين الخمسة والتي
تعد بأجزائها 11 رواية، والتي أعددت حول خصائص الكتابة فيها بحثا فاضت مادته لتصل
إلى 701 صفحة، اطلعت على مدوّنة الكوني بداية من أواخر السبعينات إلى أدب المدن 2009 وهي مرحلة عاد فيها الكوني إلى مرجع تاريخي كتبه شارل فيرو ونقله عن الفرنسية
الدكتور الليبي محمد عبد الكريم الوافي كلية التربية جامعة الفتح، ثلاثة فصول حول
الأسرة القرمانلّية منذ 1711 مع أحمد القرمانلّي ودام حكمها مع ابنائه يوسف
وعلي الثاني (1835)، كم كانت رائعة رواياته التي انطلق فيها من المرجعيّة
التاريّخية وصاغها في جمالية روائية لافتة. أحيل على كتابي الثاني "إبراهيم
الكوني الرواية هي الحياة" دار نور للنشرPublishing Noor1917/
وتواصلت مع بعض من رواياته ما بعد
الثورة.
هذا فصل من أطروحتي "أساطير الصحراء ونداء الحرية في الكتابة
الروائيّة عند إبراهيم الكوني"، أرجو له بهذه المناسبة الصحّة والعافية.
وأرجو قراءة ممتعة لمحبّي أدب الصّحراء عند الكوني.
الفصل الثـالث من الباب الثالث، شخصيات
المدوّنة، البنية والدّلالة.
شخصيّات الجماد،
والطّبيعة، والحيوان
نعتبر الفضاء في مدوّنة البحث شخصيّة، إضافة
إلى شخصيّات أخرى مأخوذة من عالم الحيوان، أو النّبات، أو الجماد.
تتّصف هذه الشّخصيّات بسمات مُتفرّدة، وتنمو في إطار أحداث غالبا ما تتّسم
بالتداخل، فينشئ السّارد بينها وبين بعض الشّخصيّات الإنسانيّة علاقات ترابط
وتواصل لا تخلو من ميزات تشدُّ الانتباهَ.
1- شخصيّات من الفضاء الصّحراوي : أشكال حضورها وفواعلها
تكتسب الصّحراء والواحة، وبعض الظّواهر الطّبيعيّة
الأخرى في مدوّنة البحث حضورا فاعلا وموحيا. فالرّاوي يقدّ من الصّحراء شخصيّة،
يرقى بها إلى الحياة، "الصّحراء كالحياة، تبدّل الأشياء، تعيد ترتيب
الأشياء، ولكنّها لا تخرّب الأشياء، لا تبيد الأشياء"[1]. وهي ذات أوصاف ومزاج كالشخصيّة
تماما. "الصّحراء لا تعد بشيء منذ بداية اللّعبة، بل إنّها تبدو موحشة وعدائيّة،
وطاردة، لأنّها لا تريد أن تخدع أحدا، وتُصرّ أن تقول الحقيقة مهما كانت قاسية،
حتى لو كانت مميتة"[2]. هذه هي الصّحراءُ كما يعرّفها المؤلّف [صحرائي الكبرى]. وهي الصّحراء
كما ظهرت لنا في مدوّنة البحث ذات خصائص متفرّدة، تبدو واحدة من شخصيّات المدوّنة،
تحمل ملامح ظاهريّة وعُمقا باطنيّا، تدرّج السّارد/الواصف في رسمها وكشف أعماقها،
من خلال الأحداث، وتقديم الشّخصيّات.
ويُقِيمُ المُؤلّف
مُقارنة بيْن فضاءيْن، إنْ لم نَقل عالمين، هما عالم الصّحراء وعالم الواحة.
"ففي حين تبدو الصّحراءُ في وُجُودِها جُرْما لا وُجود له، إلاّ أنّ فتنتها
الحقيقيّة لا تكمُن إلاّ في هذه المفارَقة. لأنّه يَتَوَارى في
الميتافيزيقيا"، في حين تقف الواحة على الشطّ الآخر، تتبدّى وتتباهى بتبدّيها،
لتُغوي العابرين الأبديّين الأشقياء، تستعير "دوركيكا أوليس"(الاسم الذي
يُطْلق على الواحة) لتقود ضحاياها إلى الهلاك، تُغريهم بمياه السّلسبيل بعد أن
عذّبهم الظّمأ[3]... وهكذا يسكنُ الصّحراوي إلى أحضان الواحة،
ولا يعود "قادِرا على التّمييز بين العُبوديّة وبين الحرّية"[4].
وشَكّل المؤلّف من الرّياح،
والقبلي، والرّمال، والسّيل، والطّوفان، والجبل، والبئر،
والذّهب، شخصيّات بدت فاعِلة في أحداث المدوّنة.
يعتبرالمؤلّف "الرّيح" علامة
من علامات بداية الكون الذي اشتدّت ظلمته في المدى البعيد، "تمدّد العَرَاءُ،
تلاشت الجبال على الجانبين، تمادت الرّمال السّوداء في الارتفاع، ونافست الجبال
طولا وعرضا. تمادى الرّيح أيضا، ومضى يصيح ويعوي"[5].
يقدّمه في هذا المشهد من حيث إصدار الصّوت
واللّون، ينهال بتراب أسود. وكثيرا ما تساهِم الرّياح بالضِدّ لِتفضحَ جرائِمَ
الإنسان وتكشِفَ خِداعه. ذلك هو الدّور الفعّال الذي ساهمت به عندما فَضَحَتْ
سَرِقات "مرزوق" المتمثلة في طمْر أكياس القمْح في أحشائها[6]. أمّا عاصِفة الرّمال، فقد
غدرت بالشّيخ "أخواد" [الخسوف] وطمَرته ولم تبق سِوى البندقيّة
التي أهْداها له الشّيخ "غوما" بعد انتهاء حرب "غات"
دليلا يُخبِر بموته، وعلامة تُؤرِّخ لمَواقفه النّضاليّة.
ثمّ حدث التّحوّل فصارت الصّحراء تزفر بأنفاس القبلي[7] الذي يعني الرّياحَ الموسمِيّة التي تَهُبّ
على الصّحراء الكبرى من الجنوب الشّرقي".
فقد تشكّل في روايات المدوّنة [المجوس] شخصيّة فاعِلة في الأحداث، وحاضِرَة
بِقوّة. وتروي العجائزُ أنّ القبلي دَخل مُنذ الزّمن الأبدي في خُصومة مع المطر،
وفاز بالصّحراء الجنوبيّة وصارت له مِنطقةَ نفوذ، وفاز المطر بالحمادة
الشّمالية، وظلّت بينهما ميثاقا أبديّا لم يخلاّ به إلاّ في حالات نادرة. "ويروى أنّ أصوات الطّبول التي قرعها
المجهول في حُبيْبات الرّمل، ما هي إلاّ نداء الصّحراء الرّمليّة للمطر وحنينها
الفاجع للماء والحياة"[8].
ذلك هو
مَصيرُ الرّملة البائس التي لم يكن أمامها إلاّ أن تطلب من الله
أن يلهمها الصّبر،
لذلك كان ينوبه بعض التقاة بذبح القرابين كي تخلّص الصّحراء الجنوبيّة من الميثاق
الظّالم الذي حرمهم الحياة وسحاب المطر وأصابهم بلعنة العطش الأبديّة. وحتى وإن
جادت السّماوات بالمطر، فإنّ ذلك لا يحصل إلاّ بعد أعوام قاسية من الجفاف
والانتظار[9].
ويقدّم المؤلّف القبلي
على لسان الشّخصيّات وكأنّه شخصيّة جبّارة، عنيدة، ظالمة، مستبدّة،
بل هي متسلّطة على الآخرين، هو رسول القدر وليس جنّا، وللحدّ من أخطاره ولمهادنته وعقد صلح معه، لا تكفي ناقة ولا قطيع
إبل، بل تُختار صبيّة بكر من أجمل صبايا القبيلة
لتقدّم قربانا للآلهة علّها تريحهم من عدوانيّته وبطشه[10].
ويُصادِفك الحديثُ عن الماء
في المدوّنة قطرةً في"قالون"، يُصارِع "أسوف" بن الشيخ
"غوما" للحصول عليه رغم أوامر الأب بالصّبر على العطش، وتسبق رصاصة
العدوّ يد "أسوف" الممتدّة إلى "القالون" فيموت
وهو عطشانُ، ليترك في صدر الشّيخ ظمأ لم تتمكّن نجاحاته كلّها في الحياة من
إطفائه.
ويتوارى الماء داخل قربة قُدّت من جلد
ماعز، "قفز "بورو" إلى عرف الطّلحة، وفكّ الخيط الجلدي الذي
يربطه بالقربة. تناول وعاءه النّحاسي الأثير... وترك فم القربة يدلق الماء في قعر
الوعاء السّاحر بلقلقة نبيلة، غامضة، ذكّرته برقرقة مياه الينابيع في تاسيلي"[11].
يقدّم الواصف الماء تقديما غير مباشر. وذلك
عبر ما يتذكّره من صور، فإذا الماء "سائل عجيب". وإذا هو يتميّز
كالإنسان بـ"التّحايل والتّمايل والدّوران". وهو
في صورته نازل من مرتفع. يتدلّى في "خيوط جذّابة، طويلة". وإذا
هي لامعة تحت أشعّة الشّمس. إنّه مشهد سينيمائي متكامل ومغر. وتصبح خيوط الماء
"تلغو وتثرثر بلغتها المبهمة"، ويجتمع الماء النّازل
بـ"الحجارة ليحاورها في رحلة العبور".
ثم ينتقل الرّاوي إلى التقديم المباشر جامعا فيه صورة الماء النّازل من
القربة والهاوي في القصدير، ليقول إنّ "الماء كائن عاشق، يندفع شوقا
كي يقبّل القصدير، قرين الماء في اللّون، للماء لونُ القصدير
وللقصدير لونُ الماء، لكليهما نفس اللّون لأنّ لا لون لكليهما. لونهما هو
لون الكائن اللّعوب..." ويعني المؤلّف بالكائن اللّعوب الأرض التي لا لون
لها، لأنّها كانت أُمّا أنجبت كلَّ الألوان.
ويغوص المؤلّف في هذا التّقديم وكأنّه يعرض
علينا مشهدا سنيمائيا ينبري فيه "بورو" لينجد القادم عليه الذي
يكاد يموت عطشا "يتعثّر [بورو] في خطوه، يمسك الوعاء بحرص من يحمل
كنزا. "يستجيب السّائل اللّعوب لمداعبات شمس القيلولة بغنج ووميض وشقاوة.
يرتجف قلبه مع رقص الماء في الوعاء، ولكنّ الرّجفة لا تعرف الطّريق إلى
اليدين"[12].
وبعد التقديم الظّاهري للماء صورة
وشكلا، يغوص المؤلّف في باطن ذات الموضوع فيقدّمه تقديما على سبيل المجاز،
فيلحقه بصفوف العشّاق، يرقص للشّمس ويطرب للإناء
ويغنّي للحجارة... ويقدّمه في حوار باطني، يناجي فيه الماء ويناديه : "ها هو
توأمه الذي مرّ في مسيرته الطّويلة واختبأ داخل قربته يخرج له لسانه اللاّمع
مداعبا ليدخل في جوف آخر يعيد له الحياة. ها هو يودّعه قائلا : "سأمضي عاجلا كي أجعل لك من الخلائق
توائم. سأمضي أنا ليكون لك المسافر توأما. كنت منذ قليل توأما لي والآن أنت
توأم المسافر.أنا هو المسافر والمسافر هو أنت"[13].
يمثّل الماء بالنّسبة إلى الشخص القادم على
"بورو" عنصرا مساعدا يوحّد بين الكائنين، لأنّه منح
الحياة لكليهما. ثم إنّ الماء يرمز في نهاية المطاف إلى الحياة "وَجَعَلْنَا مِنَ الْماءِ كُلَّ
شَيْء حَيًّا"[14].
وهو الماء، ذلك الصّفح الرّاقد في قعر بئر
هنا، أو بئر هناك، يصبح قصّة، بل أسطورة. فبئر "أطلانتس"،
يجفّ، ويُمسِك بعطائه عن قبيلة الشّيخ "غوما" ليجبرها على
الرّحيل. وهكذا تتحوّل صورة الماء من الإشراقة، والحياة، إلى
القتامة، والموت، من العنصر المساعد إلى العنصر المعرقل. فلقد أصبح
البئر باعثا على الموت، بعد أن كان واهبا للحياة. وهو الماء
إذا انقلب إلى ضدّه صار سيلا جارفا، مدمّرا.
جاء السّيلُ، وغمر الصّحراء ذات مرّة،
وكانت من ضحاياه أمّ "أسوف" التي جرفها مع ما جرف من ماشيّة،
وأعواد، وقشّ، وخنافس، وصخور، فتقطّعت أوصالها. وعندما حضر ابنها "أسوف"
طفق يجمع الأشلاء، وكلّما عثر على جزء واراه التّراب، وأقام له قبرا[15].
يلعب السّيل هنا دور الشّخصيّة
الفاعلة، [يغمر الصّحراء ويجرف العناصر الطّبيعية، الجماد، والنّبات،
والإنسان]. وانتقل مجيء المطر، بالصّحراء من المفعوليّة [الجفاف] إلى الفاعليّة
[السّيل الجارف]. وكانت أمّ "أسوف" فاعلة، عاملة، نشطة، ولمّا
جرفها السّيل، قوّة طبيعيّة خارقة، صارت مفعولا بها، مُمزّقة أشلاؤها [الموت].
ويعتبر السّيل إلى هذا الحدّ عنصرا
طبيعيّا، ظاهرة واقعيّة، ويتحوّل في مشهد من مشاهد رواية "السّحرة" إلى
قوّة شديدة، مُدمدمة، رهيبة، "صوت مُوحش له تلك النّبرة
المُعادية التي يقول السّحرة إنّ البراكين تتكلّم بها إذا تأهّبت بشقّ بطن الأرض.
ثم خيّل إليه [بورو] أنّ الأرض مادت حقّا، ارتجفت فتداعى الجبل، وأطلق
الحيد صخورا مضت تتدحرج على السّفوح، وتهوي إلى الحضيض لتكتم أنفاس الوادي"[16]. وتتهيّأ لفعل شيء خارق للعادة،
إذ تتحوّل بعض الظّواهر الطّبيعيّة إلى فوق طبيعيّة. ذلك عندما
"ازدحم السّحاب، وتكاثف. انهال في الأعالي مطرا بحجم كفّ اليد، ثم تحوّل
بردا، ورجم بأنصع أنواع الحجارة. رجمها طويلا، حتى أنّ الرّعاة الذين شاهدوا العجب،
وتخفّوا في الكهوف فَزَعا، قالوا فيما بعد إنّ الأرض كساها بياضٌ بلون العهن
النّاصع، أو الحليب الطّازج، وبقيت على هذا الحال أيّاما كاملة."[17]
لم يعد السّيل في هذا المشهد سيلا، أي ظاهرة
طبيعيّة، بل صار قوّة عنيفة، أي ظاهرة فوق طبيعيّة. يعني به البَرَد كثيفا
عجيبا، لم تشهد له الصّحراء مثيلا، حتى أنّهم صاروا يؤرّخون به، فيقولون في
رواياتهم : "عام البرَد الأوّل.." أو: عام البرد
الثاني.." أو"عام البَرَدِ الثّالث..."[18].
يقدّم الواصف الظّاهرةَ
الطّبيعيّة، مبرزا جزئياتها، واصفا دقائقها، مهوّلا صورتها، مضخّما فواعلها
حتى يظهرها في صورة العجيب، وإلى هذا الحدّ تشتدّ الظاهرة الطّبيعيّة وتقوى، ويخوض
"بورو" صراعا عنيفا مع السّيل الذي هدّد البعائر بالموت، فأصرّ
على إنقاذ الحُوار الذي خرج في البحث عنه. قوي السّيل واشتدّ، "دحرج الحُوار
فتشكّى بخوار موجع..." وجاهد "بورو" كي ينقذه.
ويبدو المكان عجيبا وغريبا في آن
واحد. وذلك عندما يستدعي المؤلّف حضور الجبل. وهناك يعثر "جبّارين"على
النّاقة تُرضِع حُوارا أنكرته وليدا. ويتكوّن المشهد من صُخور المقابر، والسّيل
العنيف، والزّبد، ونبات الطّلح، والطّين، والهاوية، والخنفس، وبعر البعير.
ويصدم
الرّاوي المتلقي عندما يفاجئه بأنّ السّيلَ المنتقَل إلى برد كثيف، يرجم الأرض،
يحمل في النّهاية حبلا لزجا تكوّم حول "بورو" كالطوق... رفع يده فوجد أنّ الحيّة انتقلت
والتفّت حول معصمه. كانت ناعمة، مرنة، ووديعة. نال منها برد الماء، فتراخت،
وتكاسلت، وعجزت عن العدوان. أم أنّ العهد هو السّبب؟[19] هذا المشهد غريب، عجيب، لا يبعث على الدّهشة
فقط، بل يثير السّؤال والحيرة.
وظّف المؤلّف الماء من خلال هذه المشاهد
في ثنائيّات تتمحور حول الحياة والموت. فوجوده يعني الحياة،
وانعدامه، أو تحوّله إلى سيل، أو طوفان جارف يعني الموت. ويتحول من صورة الواقعي
إلى اللاّواقعي فيحمل لـ"بورو" حيّة تريد أن تفتك به.
وفي مواضع أخرى [رباعيّة الخسوف] لعب الطوفان
دورا دلاليّا عندما غمر واحة "أدرار" ليطهّرها مِمّا علق بها
من تدنّ في الأخلاق، وفساد في السّلوك. ويصبح الوباء [المجوس] آفة
مطهّرة للمكان الذي فسد، فتدمّر مدينة "تينبكتو" الجديدة بأكملها
ولا يبقى من وادي "آزجر"، إلاّ ثلاثة أشخاص، وفي بقائهم أحياءَ
رمز ومعنى. إنّهم يمثلون بلا شكّ رمز البداية بعد الاعتبار والوقوف على أسباب
الدّمار.
ويُعتبَر الذّهبُ وما شابَهَهُ
دخيلا على السّهل، تعامل به "أناي" في رِواية
"المجوس" سِرّا داخل أسوار مدينة "تينبكتو" خشية غضب
الصّحراويّين الذين يرفضونه، والذين لهم مع الجنّ ميثاق حول تحريمهم التّعامل
بالمعدن المشؤوم. فهو نحاس النّحس. وهو عملة التّجار والقوافل والعابرين داخل
السّور. وهو رجس من عمل المعدن الشّيطاني[20].
وتقدّم
مدوّنة البحث الذّهب، أوالتّبر
برّاقا، مغريا، جلاّبا، به شُيِّدت مدينة "تينبكتو"،
فلم يكتب لها البقاء. وتبدو صفات الذّهب من صفات شخصيّة الشّيطان، امتلاكه عبادة،
ومثل هذه العبادة كفر عند الصّحراوي الذي طهّر نفسه من عبوديّة
ملكيّة الذّهب الذي يعتبره قيدا لمن يتوق أن يكون حرّا،
لذلك يزهد الصّحراوي في امتلاكه.
وتتفاعل هذه الشّخصيّات غير الإنسانيّة،
وتتقاطع فيما بينها وتساهم في تنامي الأحداث التي تضطلع الشّخصيّات البدويّة
بالقيام بها، وإضافة إلى هذه الشّخصيّات هناك شخصيّات أخرى خاصّة جدّا، يُمْكن أن
نطلق عليها اسم الشخصيّات "المصنوعة".
2. الشخصيّات
"المصنوعة"، بين الواقعي واللاّواقعي
يقدّم لنا المؤلّف "سوط"
الشّيخ "غوما" [الخسوف] على أنّه مصنوع من جلد الجمل،
مفتول بعناية، يتفرّع في نهايته إلى لسانين نَهِمين، قُدّت سُيورُه من أسطورة عِشق
جمعت بين جمل وناقة، وانتهت نهاية، دراميّة قاتلة[1]، ناعم الملمس،
مِمّا يجعل شراسته عظيمة ويؤكّد تعطّشه لسفك الدّماء. لقد صُنع بدقّة، وفنّ لصرع
الوحوش، ولسلخ الجياد، أو تمزيق جلود الجمال الهائجة.
هذا السّوط المَجْعول أساسا لتأديب
الحيوان استعمله الشّيخ "غوما"، دون جدوى لتأديب حفيده "آيس"،
عندما تمرّد عليه، وقرّر الزّواج من الفاتنة "باتا"، واستعمله
أيضا في تأديب الولدين اللّذين سَخِرا مِن لباس أهل الصّحراء، عندما كان والشّيخ "آهر" و"خليل"
في زيارة إلى الجوهرة. ومن هنا يمكن القول إنّ الخصائص التي يتميّز بها السّوط لم
ترد اعتباطا، بل وظّفت لهدف فنّي مدروس.
وورد في رواية "المجوس" ما يفيد
السّبب الذي من أجله جاءت فكرة التزمّل بـ"اللثام"[21]. وهناك أسطورة أخرى تقول إنّ الخجل جاء
بعد حادثة الاعتداء وتقول إنّ الصّحراويين هُزموا في إحدى المعارك لصدّ غزاة
أشدّاء فخجلوا من ملاقاة نسائهم بعد الهزيمة البشعة فدثّروا رؤوسهم ووجوههم بقطع
القماش. فأصبحت تقليدا منذ ذلك اليوم[22].
ويعتبراللّثام
قطعة من القماش، ذات اللّون الأزرق، أو الأسود. [يتباهى]" شباب
الطّوارق باستعمال أجود أنواع الأقمشة المستخدمة [فيه]"[23] و يضيف ارتداؤه غموضا إلى شخصيّة
الصّحراوي التي تبقى لغزا وراء اللثام مُحيّرا. قالت الجدّة ناقلة
للحفيد [آده] كلام العرّافة إنّ أهل الصّحراء تفوّقوا حتى على الجنّ، بعد
أن تفوّقوا على الإنس، بهذا الاختراع التنكّري الأصيل المسمّى : اللثام[24].
ويميط اللثام عن أصحابه هويّتهم التي
تضعهم في إطارهم الحقيقي وتصنع من سيرتهم وتراثهم وأساطيرهم ملحمة الصّحراء في
كثير من الأبعاد التّاريخيّة والأنتروبولوجية والفلسفيّة وغيرها. وتقدّم لنا
"منظومة القيم الرّوحّية والماديّة للطّوارق، عالما جديدا، سلّط الضّوء على
أبعاده المظلمة والتي لم تكن مستكشفة من قبل... ليكوّن منها ميثولوجيا
متنوّعة العناصر، يتبوّأ فيها الإنسان المتوحّد بهمومه وحيواناته الموقع الأوّل
فعلا"[25].
ويخصّ المؤلّف العكّاز[السّحرة] بمقاطع
وصفيّة تُخرِجه من دائرة المعقول إلى دائرة اللاّمعقول. "لوّح
بالعكّاز في الفضاء. شيّعه إلى أعلى، فتبدّى له في هجعته، حيّة شَرِهة تتحيّن
للانقِضاض. ثمّ.. ثمّ عادَ وتبدّى له العكّاز ساحِرة حَسناء، ليس في
مثل حُسنها وفتنتها إلاّ الجنّيات : هيفاء لعوب،
مديدة القدّ، ضامرة عند الخصر. كان عكّازا غريبا عن الصّحراء. تيقّن، في
ضوء الغمر الفضّي، أنّه معدّ من شجر يسمّيه التّجّار خيزرانا. بلون معتّم،
شذّبته الملامسة والمعاملة فتهذّب وانصقل وانصاع. ولا يعرف نفسه إذا
كان قد استطاع أن يتبيّن هذه التّفاصيل في ضوء الغمر، أم أنّ جنّا همس له
بها. اليقين أنّه رأى فيه مَفاصِل ناتئة، مُطوّقة بأعناق نحاسيّة موسومة برموز.
يستطيع أن يجزم بشأن الأعناق النّحاسيّة، لأنّها ومضت تحت شُعاع الفيض،
ولكنّه ليس على يقين أنّه تبيّن الرّموز"[26].
تدخل هذه السّمات
العكّازَ في دائرة الغريب، فإذا هو يجمع بين خشب الخيزران وجسد الحيّة،
معتّم اللّون، قديم الاستعمال، منصقل، منصاع،
مِمّا طوّعه أن يتحوّل في أيّ وقت شاء
إلى حيّة، فإذا هو حيّة. وهو عكّاز. وهو حسناء أيضا، فاتنة، باهرة، ومِمّا
يزيد في غرابة الموصوف أنّه يحتكم على رموز، تبيّنها
الواصِف ولم يتبيّنها. ويُنْهِي وصفه بأنّه ليس على يقين
أنّه تبيّنها.
وتؤكّد كلّ هذه الصّفات عدم استقرار الموصوف
ووضوح صورته، فهو ثابت ومتحوّل، وهو مرئيّ وغير مرئيّ[27]. وهي بعض من تلك الصّفات التي أرادها "وانتهيط"
متوفّرة في الكائن الذي طلب من الأرض أن تصنعه له كي يتخفّى فيه، ويسافرعبره إلى
الحرم "تارات" الذي طرده منه الزّعيم، وحرّم عليه العودة
إليه، يتّخذ العكّاز سندا ودليلا، وأنيسا ومعينا على قضاء ما استعصى من
الأمور.
3. الشخصيّات العجائبيّة، وجدليّة الخير
والشرّ.
تنتمي الشّخصيّات العجائبيّة، أو الفوق
طبيعيّة إلى حقل دلاليّ خاصّ جدّا،
ويُغرِق المؤلّف في استنطاق عالمها، فيَجعلها مشاركة في الأحداث متفاعلة
معها. تعيش مغامرات شبيهة بمغامرات الإنسان، إلاّ أنّها تفوقها غرابة من حيث
الحضور وطبيعةُ الأحداث. فهي شخصيّات متحوّلة
على الدّوام، تظهر في كلّ مرّة في هيئة تختلف باختلاف مقام الحضور. تنتمي إلى عالم
الجنّ، كما تبدو حاضرة في عالم الإنس، متفاعلة معه، ساعية أحيانا
إلى خدمته، والتّعاون معه، وأحيانا أخرى إلى التّحيّل عليه، أو إلى إزعاجه،
والدّخول معه في خصومة لا تنتهي. وتعتبرها الشّخصيّات الإنسانيّة قوى خير، وقوى
شرّ.
ويُعتبر طائر الفردوس، و"مُولا-
مُولا "[28] من الشّخصيّات الحيوانيّة التي تحدّثت عنهما
روايتا "المجوس" و"السّحرة" باستفاضة تامّة. تبدو هاتان
الشخصيّتان على مستوى الدّالّ من الشخصيّات الحيوانيّة، ولكنّهما على مستوى
المدلول تلعبان دورا استبطانيّا غامضا، ومحيّرا.
فالطّائرَ"مُولا- مُولا" هو أوّلَ من تعرّف إليه "بورو"،
قبل أن يلتقي بقرينه "جبّارين". أطعمه قطعة من خبز يابس،
"فشكرته مولا- مولا بانحناءتين متتاليتين قبل أن تتقدّم نحو العطيّة في
قفزتين جريئتين"[29]. وهو الطاّئر الذي جاء بنبأ الميلاد.
وهو الذي اختارته الصّحراء وطنا لها عندما أراد "أساطين الشرّ" أن
يقلبوا عاليها سافلها بحثا عن سرّها فـ"فرّت الصّحراء من الصّحراء
وبحثت عن ملاذ آخر...تريّثت كثيرا قبل أن يقع اختيارُها على مولا- مولا وطنا
أخيرا"[30]. لماذا تمّ هذا الاختيار؟ يجيبنا "آنهي" عندما يقول
"إنّ العهد تمّ لخصال في مولا- مولا. هو طائر غامض ينتمي إلى وطن الخفاء.
لم يسبق لأحد أن عثر له على عشّ، أو على بيض، أو على فراخ، كما لم يعثر عليه أحد
ميتا أيضا."[31] إنّه الغموض يلفّ شخصيّات المدوّنة بشقّيها
الإنسانيّة، والحيوانيّة. وإنّ المجال يبقى مفتوحا للقراءة والتّأويل.
ونعني بالحيّة ذلك
الكائن "الأعجوبة"، المتحوّل من شكل إلى آخر، والذي اقترح "وانتهيط"
على الأرض أن تصنعه له مثلما صنعت [مندام]، دميةََ الطين. تعجّبت الأرض مِمّا
اقترحه اللّئيم "وانتهيط"، ثمّ قبلت متسائلة "وكيف تريد هذا
البدن"؟هنا انطلق "وانتهيط" يصف شكلا، وحركة،
وفعلا، الجسم الذي سيدخل به الوطن البعيد الكائن بـ"تارات"،
والمعلّق في الأعالي، "الأنسب أن يكون منسابا، مَرِنا، رقيقا،
صقيلا، ناعِما..."
ويحسّ الواصف أنّ هذه
الصّفات لن تفي بالحاجة المطلوبة، فيدعمها بسلسلة من الأسماء المسبوقة
بـ"لا" النّافية للجنس، ثمّ بسلسلة من الأفعال
المزيدة، على وزن "استفعل" الذي يفيد طلب الحصول على
الشّيء، أو فعل على وزن"فاعَل" الدّالّ على المشاركة، إضافة إلى الفعل
الثّلاثي المجرّد الدّالّ على القيام بالفعل، أو فعل على وزن "افتعل" :
الدّالّ على طلب امتلاك الشّيء، وتستحيل هذه السّلسلة من الأفعال والأسماء والحروف
إلى تعبير استعاريّ : "كتلة"، أو"كرة".
فهذا الكائن، في
النّهاية يجب أن يكون "بلا أرجل، بلا أيد، بلا عظام، بلا رأس، سهل
الالتواء، يستطيع أن يتكتّل، ويسترخي، ويناور، ويداور، ويستدير، ليستحيل كتلة
واحدة. كرة واحدة، يزحف أيضا، يلج الشّقوق والجحور. لا بدّ أن يكون بدنا تافها في
حجمه، ولكن لا بدّ أن يمتلك سلاحا خارقا للدّفاع عن النّفس"[32]. ترتبط الأفعال في النّهاية بسرد
الأحداث، وتترجم الصّفات عن الأحوال.
و"استعانت الأرض
بالأحاجي، والمعادن، والألغاز الخفيّة، حتّى استطاعت أن تبدع، أخيرا هذا
"الكائن الفريد في نوعه، وفي تكوينه وفي سعيه، وفي مسلكه. وكان جديرا بأن
يفوز باللّقب الجليل :
"الحيّة"[33]،
لأنّه يحمل في جوفه سرّا اسمه :
الحياة !"
وظهرت "الحيّة" بعدّة مظاهر غريبة، عجيبة وفي رواية أخرى كانت الحيّة
قد قايضت الخنفساء المقدّسة واستولت على عينيها، ومنحتها أرجلها، وعاهدتها
بأن لا تأكلها، لذلك ظلّت تفحّ في وجهها كلّما مرّت أمامها، لتخيفها، لكنّها لم
تفكّر يوما في التهامها.
عاد الابن الضّالّ
[مندام] إلى الأرض، ولكنّ الفرحة كانت من جانب واحد، إذ ظلّ "غريبا،
كئيبا، حزينا، ورأسه في السّماء، كأنّه لم يعرف أمّه، كأنّه لم يعد إلى صدر الأصل
الذي خلقه يوما من فناء. أمّا الحيّة، فقد عرفت كيف تقترب من الأرض،
وتدبّ على ترابها، لتفوز بلقب كاتمة الأسرار يوم شطرت لسانها نصفين.[34]
يبدو جسدُها رخوا،
تافها، ضعيفا، ميّالا إلى الاسترخاء، "لكنّه يملك سلاحا أفتك من كلّ الأسلحة
التي عرفتها الصّحراء"[35]. لن تتمثّل قوّة السّلاح في السمّ الزّعاف،
ولكنّه "الدّهاء." نالت الحياة مع "وانتهيط"
بفضل عشبة آسيار. وظلّت متفوّقة على جميع الكائنات من حولها مثل الفأر
والقنفذ[36].
أدركت الحيّة
" النّذير" بعد مطاردة دامت أكثر من أربعين عاما.
لدغته بنابها الزّعاف المتعطّش للعقب الإنساني، ونزعت منه الحياة للمرّة
الثّالثة :
المرّة الأولى عندما وسوست لجدّه في البستان، وأغرته باللّقمة الحرام، وفي المرّة
الثّانية عندما حرمته البصر، وفي المرّة الثّالثة، والأخيرة، جزاء خيانته الوصيّة،
وجهله بالتّعويذة الصّحراويّة التي تقول إنّ الحيّة تسعى إليك بالنّاب إذا لم تذهب
إليها بالهراوة[37]!
تنتمي الحيّة إلى الشّخصيّات الفوق
طبيعيّة التي تبدو من حيث الأفعال أقوى من الشّخصيّات الإنسانيّة.
تحتلّ في البناء الرّوائي دور الشّخصيّة المُعرْقِلة التي اعتمدت على فتنة
الظّاهر، وعلى الإغواء لتصرع خصْمها، وتتغلّب عليه. صالحت الأرض، والتصقت بها،
واحتفظت بالسرّ، وفازت بالخلود. أُحِيكَت حَوْلها أساطيرُ كثيرة في ميثولوجيا الشّعوب
القديمة[38].
نعتبرالحيّة
رمزا لغويّا، ثم هي تعبير دلاليّ تظهر في رواية "السّحرة"
في عديد الصّور. فهي من حيث التقسيم الشّكلي للرّواية موزّعة إلى الحيّة (أ)
والحيّة (ب). ويقدّمها المؤلّف حسناء باهرة بجمالها تراود "جبّارين"
على نفسه فيقع في حبالها ثم سرعان ما يكتشف أنّها أفعى تأتيه منسابة لتطيح به
فيطعنها بالسكّين[39].
وهكذا يقدّم لنا الرّاوي الحسناء انطلاقا من مظهرها
الخارجي، ثمّ يَدْلفُ إلى باطنها ليعرّي الأفعال،
فـ"تضاءلت الحسناء وتضاءلت، فَقَدَتْ بدنها الفتّان واكتسبت بدنا آخر
يلتصق بالأرض، ويبدو أكثرَ فتنة، فقدت أطرافها البلهاء، ولملمت نفسها في بدن واحد
طويل، مَرِن، أمْلسَ، لا رأسَ له ولا رِجْلَ ولا يدَ ولا عظامَ. يتلوّى حول نفسه
ويتكوّمُ. يفزّ إلى أعلى، ويغوص في الأسفل. يقفز في الهواء بوثبات بارعة، ويتّخذ
من التّراب بحيرة للاستحمام والسّباحة"[40].
يعني الرّاوي
بهذا الجسم المتحوّل، "الحيّة" التي اقترنت
بالثّالوث الذي قال عنه "وانتهيط"، من اليوم أنا هو أنت، والحيّة
الحسناء ثالثتنا. الحيّة، الحسناء، "بورو"، وانتهيط".
القران لن يتمّ إذا لم يكتمل في الثّالوث. وللدّائرة يروق الانكفاء على المثلّث
كما يروق لها أن تحتوي التقاطع"[41].
وتأتي الحيّة أفعالا عجائبيّة، تجعلها
قريبة من أفعال الجنّ وسلوكهم. "ولم يكن لكثير من الكتّاب استخدام فوق
الطّبيعي [الفانتازي] سوى ذريعة لوصف أشياء ما كان لهم، أبدا، أن يجرؤوا على وسمها
بكلمات واقعيّة لولا لجوؤهم إلى العجائبيّة"[42].
أمّا"تيرزازت" [السّحرة] فيقدّمها الرّاوي، وهي "تنتصب على قائمتيها الخلفيّتين.
تضمّ يديها الأماميّتين على صدرها، من اليد اليمنى تبدّى مخلب أزرق كسبّابة وعيد.
تبدّى وتمدّد حتّى لامس شعرة شرّيرة من شوارب نادرة، طويلة، متناثرة حول خطم كريه،
يزمّ شفتين غليظتين على هاوية بشعة فيها تختفي أنياب أشرس من أنياب السّباع،
الأذنان مسترخيتان، مستلقيتان إلى الوراء، والعينان جاحظتان، ساخرتان لئيمتان،
تخفيان الأمر، وتتبسّمان بالشرّ".[43]
هذه صورة ظاهريّة للأرنب، تكاد تحاكي
الصّورة الواقعيّة تماما من
حيث الهيأة، لكنّ الظّاهر يخفي باطنا يعدل بالمتلقّي من واقعيّة
الموصوف إلى التّخييل، أي استعاريّة الصّورة، فسرعان ما نعرف عن
طريق الانزياح، أو العدول بأن "تيرزازت"، ليست
إلاّ ساحرة. وهي ككلّ السّحرة القدماء تتبدّى وديعة، بائسة، تفرّ من غول
مجهول، ترتجف، وترتجف بحثا عن عون، طلبا للحماية من ضحايا جاءتهم بالبلاء[44]، وهو بلاء، قد يحمل أحيانا نبوءة تتحقّق
فعلا. "ذلك أنّه في الأغنية الشّجيّة التقط (جبّارين) لحنا بعيدا، غريبا،
تخفّى في الإيقاع. كان لحنا داخل لحن.. كان وحيا. كان.. نواحا[45] ! كان النّواح
إنذارا بالخطب، بالويل الذي حلّ بالقطيع، عندما سقط بالعشرات. تتحوّل هيأة "تيرزازت"
إلى علامة، ويتحوّل الاستجداء في عينيها والرّجفة في بدنها إلى أمارة.[46]
وتختلف
الشّخصيّات العجيبة عن الشّخصيّات الآدميّة من حيث ظهورها
في مظهر فيزيولوجي غَريب، إضافة إلى ما يسيطر
عليها من النّاحية النّفسيّة من غُموض يُخَالِف المَألوف. تتوفّر هذه السّمات في
كثير من شخصيّات المدوّنة. وهو ما يصطلح عليه بـ"الفوق طبيعي والعجيب"[47]، إذ يعتقد أهل الصّحراء أنّهم لا يعيشون في
الصّحراء وحدهم، بل يتقاسمهم ذلك الفضاء الممتدّ الذي لا حدّ له شخصيّات أخرى كالأرواح
والمردة والعفاريت والجنّ[48]، قوى خير، وقوى شرّ،
ويعتبرالصّحراويّون أجدادهم من الجنّ الخيّر[49].
وللجنّ أطعمة لها خصائصها[50] ونكهتها، ولهم كنوز يحرسونها وإن اعتدى عليها
إنسيّ كانت العقوبة قاسيّة، وموجعة.
تتحرّك هذه الشخصيّات على مساحات واسعة من
المدوّنة، وتتكاثف حولها صور تخييليّة، تبعث على الدهشة. تتحدّد هذه
الشخصيّات بأفعالها، كأن تكون خيّرة، أو شرّيرة، بأقوالها وأفعالها. ويصوّرالمشهد
الموالي للمتلقّي لقاءً جمع جدّة "آده" مع جنّيين يدّعيان أنّها
قتلت ولدهما عندما التقطت السّوار الذّهبي من الموقد.
يجمع الظّاهر بين
جمال الصّورة إلى حدّ الإغراء والاصطدام بنقيضها إلى حدّ الاشمئزاز.
تزور الحسناءُ الجدّة بذيل الثّعبان... "حسناء
فرعاء لم أر لها نظيرة في الصّحراء، ولكنّها تجرّ ذيلا بشعا أثار اشمئزازي.
ولو رأيته منذ البداية لعرفت طينة الزّائرة ولأجَرت نفسي من ورطة التحدّث معها،
ولكنّي لم أشهد الذّيل إلاّ عندما انصرفت."[51].
وتكرّرت زيارات الأبوين للجدّة مُصرّين على
اتّهامها بقتل ولدهما. وجاءها الأبُ مرّة أخرى "مقطوع الرّأس في المرّة
الأولى. وجاءها مارِدا في المرّة الثانية، غابت قامَتُه في السّماء.[52]
و"يخرج الجِنّ من بَطن الأرض كائنا
قبيحا يرتدي عمامة بالية من الكتّان، يعفّر التّرابُ الأسودُ رأسه وعينيه. تراجع
إلى الوراء زحفا فتمدّد رأس الكائن وسار إليه..." ويؤثّر المشهد سلبا في
"بورو" فتدور به الصّحراء ويجد نفسه أخيرا بين يدي "الدّليل". يقِف فوق رأسه وهو يداعب عصا بين يديه، تقول
كلّ المؤشّرات إنّه يحمل حيّة، "ظننت أنّي سمعت فحيح الحيّة". لوّح
بعكّاز الخيزران في وجهه وسأل : "هل سمعت فحيح الحيّة؟"... كشف عن وجه ممزّق بغضون قبيحة... وكشّر عن أسنان ناتئة، معقوفة، كأنياب
الحيّة... اختفى الدّاهية... ثمّ ظهر... "تحوّل من
دليل جليل إلى قزم ذليل."[53] يسيطر على مظهر هذه الشّخصيّات التّحوّلُ
والغرابة، والأفعال التي تخرج عن معقول ما هو سائد في عالم
الشّخصيّات الإنسانيّة.
"إنّ عالم الجنّ هو العالم الذي يدخله
الإنسان الفرد وَحِيدًا ، إنّه عالم الوَحش والوِحشة، عالم تتراءى له فيه كائنات
هي بين الإنسان والحيوان، عقيم عقم الصّحراء. وصورة الغيلان والسّعالي والجنّ
منتزعة من الحيوان والإنسان معا فلها مميّزات الإنسان، أو هي تتقوّم من صورة
آدميّة، ولكنّ العين مشقوقة بالطّول. أمّا الرِّجلان فمثل رِجلي عِير. وقد يتراءى
شخصها للعيان، ولكنّها قادرة على الاختفاء والتّستّر."[54]
تعرض علينا المدوّنة شخصيّات
فوق طبيعيّة تجمع بين الإنسان والحيوان. يجيب "جبارين"
"بورو" عندما اتّهمه بطعن الحسناء بالنّفي مدّعيا أنّها
لم تكن سوى حيّة تريد أن تغدر به "لقد طاردتني منذ فررت من البيت.
أخذت ظلّي، وطلعت لي في بدن الصّبيّة في أحراش الدّغل، وطعنتني فوق الشّفة،
لأنّها أرادت أن توقظ قرينا تعرف أنّه لن يمهلني إذا نهض من رقدته القديمة. لم
تكتف، ولكنّها تبعتني في السّبيل، واستدرجتني لتبعدني عن النّبع، فخرجت، وتهت، ولم
أستطع أن أجد للعودة سبيلا إلى اليوم. فكيف تريدني أن أتهاون مرّة مع مخلوق
طعنني ألف مرّة؟"[55]
ومثلت الحوراء بين يدي جدّة "آده"
وخاطبتها بغضب : "أنتم لا
تبصرون. عيونكم كبيرة، ولكن كلّكم عميان. لم تر]كذا[ الولدَ، ولكنّك رأيت الحلقة. تقولين إنّه نحاس، ولكنّه
لمّاع وأخّاذ وإلاّ لمَا امتدّت يدُك إليه. أنتم تبصرون الأشياء اللّماعة فقط.
أمّا المخلوقات المطفأة المعجونة من اللّحم والدّم فلا ترونها. أنتم
دهاة لأنّكم لا ترون إلاّ الأشياء التي تريدون رؤيتها".[56]
وتشتّد لهجة الجنيّة احتدادا فتضيف
للجدّة ما يجعلها ترتعش، وتسيطر عليها حمّى قاتلة، "الذهب حجابنا. حصننا.
كتابنا. أنتم تحتمون ببيان القرآن وتعاويذ السّحرة ونحن نتستر ببريق سيّد المعادن.
تعموننا وتتّقون شرّنا بالآيات والأحجبة ونعميكم بالبريق لنتقي شرّكم، أعيدي حجاب
الولد"[57].
والجنّ وحده،
هو الشّخصيّة التي تملك القدرة في ذِهن الصّحراويّين على الإتيان بفواعل خارقة
للعادة، تترجم عن قدرة فائقة في التحوّل، وتفاجئ المتلقّي فتصدمه
بالظّهور في مختلف الصّور. وهذه هي مهمّة "الفانتاستيك"،
"إدخال رعب متخيّل وسط عالم حقيقي، والدّخول إلى عالم "الفانتاستيك"
هو مفارقة عنيفة للحياة المألوفة".[58] ولن يكون هذا إلاّ استنتاجا لقولة
"تودوروف" "الفانتاستيك هو تردّد كائن لا يعرِف سِوى القوانين
الطّبيعيّة أمام حادِث له صبغة فوق طبيعية، ويعرّف مفهوم العجائبي بالواقعي
والمتخيّل"[59].
ورسم المؤلّف صورة أخرى
مخيفة لمُربّية "تينيري" التي ما إن انتهت من نصحها وغادرتها حتى
رأتها تجرّ ذيلَ أفعَى. ويُسمّيهم أحيانا بالعفاريت يَخرُجون في الليل من
مُستوطنتهم :
"يتنابزون بالألقاب البذيئة، ويَتدافعون. يُطارد بعضهم بعضا بالسّكاكين التي
تلمع تحت ضوء القمر. ويُغنّون في بعض الأحيان... ويرقصون ويقيمون الأفراح"[60]. ومن الجنّ مَن
هو خيّر، فقد استضافوا "بورو" في رواية "السّحرة"
وقدّموا له طعاما لذيذا بدون ملح، وعاملوه بكرم وحفاوة. وهي أفعال وخصال يعرف بها
البشر.
وفي مواطن أخرى من المدوّنة يتميّز هؤلاء
بالقوّة والغيرة على أمن الصّحراء واستقرارها. استعان بهم الزّعيم
"آمغار"، عندما خاف أهل الصّحراء من الطّاغية "وانتكرباست".
وكوّن منهم جندا، فكانوا فاعلين، قهروا المحتلّ وألحقوا به هزيمة نكراء. وكانوا قد
زاروه في مرّة سابقة، عندما اشتدّ به المرض، فأعادوا إليه الحياة بفضل مفعول نبتة
"آسيار". وينعت الرّاوي الجنّ بأهل الخفاء، [كانوا]
يزورونه [همّة، سلطان تنبكتو القديمة] كلّ يوم. يأخذونه في الليل ويطوفون
به الصّحاري المجاورة، ثم يعيدوه]كذا[ إلى قصره قبل
حلول الفجر.[61]
يبدو أنّ الجنّ من القوم الذين يرتبط
ظهورهم باللّيل ولا يكونون فاعلين إلاّ في هذه الفترة من الزّمن، والدّليل
على ذلك أنّهم أعادوا السّلطان "همّة" عند الفجر، النقطة الفاصلة
بين اللّيل والنّهار. ونفهم من خلال الأحداث أنّ هذه الشّخصيّات الغريبة العجيبة
لها قدرة على الاتّصال بالغيب وعلى قراءة ما يجول في خاطر الإنسان من نوايا وتخمين.
يعتقد أهل الصّحراء أنّ الجنّ، أو أهل الخفاء
يشركون الإنس فضاءهم. "لأنّها الأرض... طهت الجانّ والإنس في قدر واحدة، ولم
تخرجهما إلى النّور الأبويّ إلاّ بعد أن حشرت الإنس في وعاء أعدّته من طين، وحرّرت
الجنّ من الوزر، فطار عبر الصّحراء، يرى ويسمع، يرقص ويغنّي، يُحيي ويُميت...
ويستعير وعاء الإنسان عندما يريد أن يتبدّى ليرهب قرينه الإنسان."[62] لا شكّ أنّ هذا التّعريف مستوحى من
مراجِع عديدة [القرآن الكريم الموسوعات اللغويّة والأدبيّة]، لكنّ المؤلّف يتجاوز
هذه المراجع، فيوظف الشخصيّات المرجعيّة في المدوّنة ويسند إليها أدوارا وأسماء.
فـ"الحيّة" "جن"ّ والحسناء الباهرة الجمال
[السّحرة] "حيّة"، والسّيل "حيّة" و"الجنّ"
يسكن "الجدي" و"المعزاة". وهو مارد جبّار
ذو حَافِر حِمار. وهو بعل الحوراء التي جاءت إلى جدّة
"آده"، تجرّ ذيل أفعى. وقد ترد "الجنّيّة" في
صورة بشعة، مُخِيفة تبعث على الخوف، والهلع. ذلك ما عاناه "مهمّدو"
في تجرِبته مع "تامزا"، المرأة الجنّيّة، الغولة المخيفة، عندما
كان شابّا يافعا، فراودته على نفسه وأرادته زوجا لها فرفض، ومكّنها حذقها لجميع
أسرار السّحر وتفنّنها فيه من التّنكيل به.[63]
وتحضر في المدوّنة شخصيّة محوريّة لعبت
دورا أساسيّا في عقليّة الصّحراوي عامّة وفي رواية "السّحرة" خاصّة نعني
بها "الشّيطان"، قدّمه الرّاوي باسمه في لغة الطّوارق، "تماهق" بـ"وانتهيط" [السّاحرالحكيم والمعمِّر]، من هي هذه
الشخصيّة؟ ما هو دورُها؟ وما هي أفعالها ؟ وما هي دلالاتها؟
تبدو القبيلة على يقين من أنّ هذا المخلوق ليس عابرا
ككلّ العابرين.. وإنّ الإنسان لا يعيش طويلا، إذا لم ينشغل في تدبير المكيدة... الإنسان لا يحيى أعمارا ولا يدفن الأجيال وراء
الأجيال، إذا لم يتغذّ من دم المكيدة". "وانتهيط"[64] إذن هو
زعيم الشرّ لا يأتي الخير أبدا. وكان يدّعي متفاخرا أنّ الفعل ينقلب إلى نقيضه، لذلك آلى على نفسه أن لا ] كذا [ يفعلَ الخير أبدا. يأتي إلى الصّحراء ممتطيا حمارة بيضاء. يلوّح
للخلق بالمقتنيات اللّماعة التي لها بريق التّبر كي يسحر النّاس ويأخذهم بالبريق
فيتدافع الأغنياءُ وتركض وراءه الأممُ وتتبعه القبائلُ مأخوذة بالبريق، مسحورة
بالتّبر إلى أن يرميهم في الهاوية. عندها تنوح
الصّحراء وتبكي ضياع الأبناء[65].
يعتبر "وانتهيط
[السّحرة] شخصيّة نموذجيّة قادرة بحكم تركيبتها على التّحوّل والتّلوّن،
وعلى التّبدّي والتّخفّي. ويسرد "بورو" الذي اكتسب
هو الآخر قدرة على الاختراق والاتّحاد والتّلاشي والميلاد[66] قصّته مع "وانتهيط"
بفضل تلك الرّحلة التي قام بها إلى "آغرام نوددان"[67] بحثا عن الأمّ، وكيف هرب
منه عندما رافقه إلى "تادرارت". فظهرله "وانتهيط"
في صورة عرّاف، "نعم العرّاف كان مزيّفا، "وانتهيط"،
ساحر كبير. كبير السّحرة... يتنكّر أيضا في جلود الأفاعي والحيّات"،
وهو "موجود أينما وجد الإنسان"[68].
ويلبّي "بورو" طلب قرينه
"جبّارين" ليحدّثه عن أشرار "وانتهيط" مع
الزّعيم وكيف أطرده من الحرم وأوصى بعدم الانقياد إلى مكائده والحذر من الوقوع في
حباله، ولكنّه أقسم على الانتقام فأحدث الفتنة بين الزّعيم وابنه "خبدّا".[69]
و"جاء "وانتهيط" [كذلك] الحرم لِيَكِيدَ للدّمية،
لا إرضاء لكبرياء الأرض كما ظنّت الأرض، ولكن إشباعا لجبلّة الكيد. وإرضاء
لحسد اشتعل في جوفه منذ تلقّى اللّعنة، وحُرِم من نعيم الحرم".[70]
وللسّحرة مكانة كبيرة عند القبائل، لا يجرؤ أحد
على تكذيبهم، أو الطّعن في قراءاتهم.[71] يتّسمون بالجدل..." بل
إنّ كبار "السّحرة" حرّضوهم دائما على التّجادل وممارسة
الخلاف، وقالوا بلغتهم الغامضة المستعارة من دنيا النّبوءة : "حياتنا
في خلافنا، وموتنا في وفاقنا".[72] وعندما تصدق الرّؤية تذبح الذّبائح.
إننا أمام نصّ يزداد العجيب فيه انغلاقا على
نفسه كلّما تقدّمنا في قراءته فيحتاج فَهْمُه إلى أن يتسلّح المُتلقّي بمعرفة جيّدة للتّراث
ولمرجعيّات دينيّة، وأنثروبولوجية أخرى، ولكن ما يعنينا هنا هو محاولة الوقوف على
غالبيّة الخصائص المسيطرة على هذا النّموذج مِن الشخصيّات، شخصيّات تجمع بين الإنس
والجِنّ وبين رِحلة في الزّمان، وأخْرى في المَكان، لأنّ "السّحرة"
الحقيقيين [هم] الذين يَحْرِقُ الشّعر قلوبهم ويذهب النّغم الخَفِيّ
بِعقولهم، يسبقون دائما. يهاجرون إلى"واو"، إلى الوطن
الأوّل، لِيَدخلوا إلى حصن الأسلاف الأوائل مِنْ بَوّابة لن يَقدِرَ غيرهم على
دخولها."[73] ومرّة أخرى يثبت المؤلّف وعن طريق
التّقنيات الفنّية قدرته على تمرير لعبته الحكائيّة الملغزة.
تدلّ هذه الأحداث أنّ رواية
"السّحرةَ" روايةٌ تأمّليّة بامتياز، وإنّ قصّة الخلق التي
تروي مَلحمتها تتّسم بتداخل الأحداث وتقاطع جميع أنواع الخطاب [الأسطوري
والأنثروبولوجي والتّاريخي والثّقافي والميتافيزيقي وهو الأهمّ]، لذلك جاءت غامضة
غموض قضايا الخلق وتشعّبها. وهي قضايا
وُجِدت في الماضي ولا تزال تشغل الفكر، وتحيّر الذّهن.
يلتقي البعد الوجودي الميتافيزيقي في هذه
المشاهد بالبعد الرّمزي، إذ يبقى السّؤال مطروحا مَن "السّحرة"؟
ومَن هو "وانتهيط"، هذا الذي أقسم أن لا يفعل خيرا أبدا ؟ ومَن
هُم تجّار الشّمال "الذين استحال عليهم أن يخلقوا من أبناء الصّحراء الأشقياء
عبيدا. فما إن يشبّوا حتّى يفِرّوا من وجوه الأسياد. وإذا تعذّر عليهم
الفرار لجأوا إلى الخيار الوحيد الّذي لم يقدر إنسان أن يمنعه عن إنسان آخر حتّى
لو كان عبدا مملوكا: الانتحار !
إنّه الموت الرّمزي الّذي يسعى الصّحراوي إلى تحقيقه في سبيل الذّكر.
4. شخصيّات من عالم
الحيوان
تعيش في الصّحراء حيوانات مثل الجمل، والنّاقة،
وأنواع خاصّة من الطّيور، والماشية، ينتفع الصّحراوي بلحمها وجلودها، وتعينه على
تذليل صعوبات التّنقل، وعلى الاستمرار في مكان أقلّ ما يقال فيه أنّه معزول، منكفئ
على نفسه.
خصّ المؤلّف كلب
الشّيخ "غوما" بحضور هامّ. فهو ضخم، وناصع اللّون. ينتقل من صورة
الحيوان العادي إلى صورة الحيوان العجيب، وذلك بما روي عنه من أفعال،
تجاوزت العادي إلى العجيب، قتل عددا من العقارب وجلس يحرس صاحبه، ونجا
بأعجوبة من الخراطيش التي سدّدها نحوه الشّرطيّ.
ويعتبرالغزال أكثر الحيوانات يقظة في الصّحراء، له حاسّة شمّ
قوّية جدّا، لا يُؤخذ إلاّ مباغتة- في عتمة الفجر، مُسالم، وهو صبور على البلاء،
أخلاقُه في العدو لا تُقارن بأيّ حيوان هارب، لا يلجأ إلى المناطق الجبليّة الوعرة
كما يفعل الودّان، لا يُداورُ، ولا يُناور. في طريق السّباق، وإنّما
يمضي في خطّ مُستقيم، عبر العراء السّمح، معتقدا أنّ الإخلال بقواعد
السّباق يُخالف النّبل ويجلب العار. يختار البطولة على الخبث والمداورة. يرفض
الحيلة والخديعة ويفضّل الالتزام بأسلوب الفرسان. [74] تحاك حوله أساطيرُ في التّضحية وبعد النّظر والحكمة،
مثل أسطورة الغزالة التي ضحّت بنفسها ليرتوي من دمها ابن آدم، كي لا يموت عطشا
وحتى يصبح أخا لنسلها فلا يعمل على تدميره.
نستعين
في تقديم الشّخصيّات بتقنية الوصف التي من خصائصها تكثيف الجمل الاسميّة وصيغ
التّفضيل والتّعجّب. تأتي لتقطع السّرد وتمكّن الواصف من تقديم الموصوف.
فـ"التّبر الفضّيّ المنثور في شعرالودّان [نزيف الحجر] الرّماديّ يتألّق تحت
أشعّة الشّمس فيزيده الوميض مهابة وغموضا[75].
وينتقل
الواصف بعد تقديم المظهر إلى الغوص في باطن الودّان، أي في روحه، "إنّ روح
الودّان تجذب، تضلّل، تسلب العقل، وتجرّد من الإرادة". ينتقل بنا عالم
الرّوح عند الودّان إلى عالم لا مرئي، مجرّد، يحتكم إلى جاذبيّة
روحيّة مؤثّرة سلبا في الطّرف المقابل. ونعني به هنا الصّيّاد الذي "يجد
نفسه مسلوبا، منساقا، مسكونا، يتقافز على أربع."[76]
ولكنّها الضرورة وحدها من أجل البقاء تدفع الصّيّاد الصّحراويّ إلى مطاردة شاة
ودّان، مسكونة بسرّ كبير.
وتعتبر السيّارة، والأندروفر، والهليكوبتير وما شابهها في صحراء المدوّنة،
شخصيّات دخيلة شبّهها الصّحراوي مجازا بحيوانات التّكنولوجيا، وبالسيّارات
الوحشيّة، ومن صفاتها السّرعة، والقدرة على قطع مسافات الصّحراء دون
عراقيلَ. وهي مدمّرة للثّروات الحيوانيّة، وتتمكّن الهليكوبتير مثلا مِن
الطّيران والوُصُولِ إلى الأماكن الصّعبة، ونُعِتت بالجندب الخرافي[77]، ولها مروحيّة شيطانيّة تدورُ
كالطّاحونة. فقد جاءت مع دخول الشّركات الباحثة عن النّفط والثّروات الجوفيّة. مضت سنواتٌ قليلة، ثم تمّ اختراع ذلك السّلاح
الشّيطاني خصّيصا لانتهاك الحمادة، وإبادة القطعان الآمنة فيها. وهي قادرة
على تحقيق أكبر نسبة من صيد الغزال. من غزالة إلى اثنين في كلّ هجمة، إلى إبادة قطيع كامل.[78]
5. شخصيّات من عالم
النّبات
تزخرُ الصّحراءُ على قلّة أمطارها، واستفحال
الجفاف بها بنباتات تعتبر من مُقوّماتها الأساسيّة مثل نبات "آسيار" و"التّرفاس"،
وأعشاب أخرى مختلفة [السّدر، وشجر الطلّح والرّتم] تفرزها
الدّورة الطّبيعيّة وتنتجها، فتزهر بها منعطفات الوديان وأماكن الرّعي وغيرها.
يُعتقد أنّ نبتةَ "آسيار" من
بقايا السّلفيوم. وهو نبات أسطوري، يُعطي طاقة هائلة لمن يتناوله.
انقرض من ليبيا في القرن الثّالث قبل الميلاد. ويُجمِع المؤرّخون القدماءُ
أنّه كان دواء سحريّا لكلّ الأمراض المعروفة في العالم القديم. وكان ملوك " ليبيا"
القدماء يصدّرونه إلى مصر وما وراء البحار. ويعتقد الكثيرون
أنّ فيه يكمنُ سِرّ التّحنيط، إذ استخدمه الفراعنةُ لهذا
الغرض."[79]
تتحوّل
نبتة "آسيار" إلى نبتة سحريّة خرافيّة، وتعتبر في معتقد القبيلة مرادفا للجنّ والجنون.
من ذاقه جُنّ سواء كان ذلك حيوانا أم إنسانا. وخشية الأهالي من هذا النّبات
الخرافي متوارثة... تنبت "آسيار" في مراعي "قرعات ميمون"... في العشبة ألف دواء، ولكنّها تمرّ
كلّها من باب الجنّ، الجنّ هو الذي يملك المفتاح إلى الشّفاء من ألف داء. إذا استولى عليك شفاك من أيّ مرض، ولكن ما
فائدة أن تُشفى من الدّاء إذا كنت ستفقد عقلك؟[80]
جاءها "أوخيد" ليداوي الأبلق من الجرب،
فرآها وقد ارتفعت مسافة ذراع من الأرض، أوراقها خضراءُ داكنةٌ، تدلّت فروعُها،
عادت إلى الأرض، وتخلّت عن السّاق، تكشفت زهرة صفراء، وفاحت بشذى غامض، زهرة
الجنّ ![81]
تلك
كانت مغامرة "أوخيد" مع نبتة "آسيار" [فاعلة]
عندما قصد مراعي "قرعات ميمون" صحبة الأبلق يبحث فيها عن
النّبتة الشّافية، والمداوية من كلّ داء. يعتبر الجرب هنا [شخصيّة معرقلة] وتعتبر
زهرة الحياة بعد مرحلة الجنون [شخصيّة منقذة، أو مساعدة على ضمان الشّفاء].
تقترن هذه "العشبة" بشخصيّة الزّعيم
"أمغار". فهي التي شفته من الوباء، ومدّدت في عمره، فقدّسها وأوصى
بعدم الاقتراب منها وتذوّقها.[82]
ويصنّف التّرفاس، هذا [الكمأ]، الذي
تُنتجه الصّحراء، إلى ثلاثة أنواع: الأبيض والأحمر والأسود،
"عاد البدوي من جولة في المنحدرات المجاورة وجلب معه ترفاسة بيضاء،
ضخمة، جفّ نصفُها العلويُّ المعرّض للشّمس فانتهزت الطّيور الفرصة وأكلت نصيبها من
الترفاسة. ولمّا كان رفاقه [كونسا...] يجهلون التّرفاس، بل
ولم يسمعوا بمثل هذه الثّمار فقد اضطرّ أن يُشرف على إعدادها بنفسه... سلقها وقدّمها على العشاء... بعد أن
أضاف لها قليلا من الزّبد والملح. فما إن ذاقها ابن الرّوم حتى طار عقله وردّد في
خشوع: " هذه النّبتة أسطوريّة"[83] .
وتعتبر هذه النّبتة من مقوّمات هويّة
الصّحراوي، يقدّسها ويتعامل معها غذاء للجسد وللرّوح و"رمزا من رموز قداسة
الطّبيعة وعذريّتها وبنوّتها للإنسان".[84]
وتزخر الواحات هي
الأخرى كما يدّل عليها اسمها بشجر النّخيل، والكروم، والعنب،
والرّمان، إضافة إلى ما يتعاطاه الفلاّحون من زرع نباتات أخرى كالقصب وغيره
ممّا يحتاجه أهل الواحات في حياتهم اليوميّة.
ونخلص إلى القول أخيرا إلى أنّ السّارد قدّم
شخصيّات الجماد، والطّبيعة، والحيوان، والنّبات تقديما لم يقف عند الوصف الخارجي
فقط، بل توخّى في عمله آليات فنّية جعلت هذه الشّخصيّات مشاركة في الأحداث، فاعلة
فيها. فالرّاوي يقدّ من الصّحراء شخصيّة، يرقى بها إلى الحياة، "الصّحراء
كالحياة، تبدّل الأشياء، تعيد ترتيب الأشياء، ولكنّها لا تخرّب الأشياء، لا تبيد
الأشياء". ويُقِيمُ المُؤلّف مُقارنة بينها وبين الواحة التي توظّف
زينتها لإغواء العابرين والإيقاع بهم. ويُسند لهذه الشّخصيّات أدوارا لا تقلّ
أهمّية عن تلك التي أسندها إلى الشّخصيّات الإنسانيّة. بل قد ترتبط شخصيّة من عالم الإنسان بأخرى من
عالم الحيوان ارتباطا حميميّا يقود أحيانا إلى تضحية إحداهما بحياتها في سبيل
الأخرى.
ويوغل السّارد في بعض المشاهد بهذه الشّخصيّات
إلى حدّ العجيب. فتنشأ علاقات غريبة، وتنمو أحداثا تبعث على الصّدمة والحيرة. تلك
أدوار يقوم بها الجنّ عندما تتوتّر علاقته مع الإنس. "فيستعير وعاء الإنسان
عندما يريد أن يتبدّى ليرهب قرينه
الإنسان."[85] الذي يعتقد اعتقادا راسخا بأنّ أهل
الخفاء يشركونه الفضاء. فالجنّ يرى ويسمع، يرقص ويغنّي، يُحيي ويُميت... لقد نوّع السّارد هذه الشّخصيّات وحمّلها
كالشّخصيّات الإنسانيّة أدوارا لا تقلّ أهمّية عن تلك التي تضطلع بها الشّخصيّة
المستدعاة من عالم الإنسان. ويخصّ السّارد
نبتة "آسيار" بسمات خاصّة تلحقها بعالم العجيب. ويسند إليها أفعالا خارقة. فهي تشارك الشّخصيّة
الإنسانيّة أدوارها فيُنْصَحُ بها للتّداوي من الأمراض. فبفضلها مُنِي الأبلق
بالشّفاء بعد أن أصيب بالجنون. ومُنِيَ الجَدُّ "آمغار" كذلك
بمجرّد أن تناولها لا بالشّفاء العاجل فقط، بل بطول العمر. وأمّا "التّرفاس".
فهو النّبات المُقدّس في عرف الصّحراويين إلى جانب الماء، مُقارنة
بـ"التبر" الذي يتكالب على طلبه عبدة الذّهب فيصابون بالخيبة والخسران.
الدكتورة زهرة عبدالاوي
[1] وينهي الكوني قولته هذه بتساؤل، يقول فيه :"هل نخطئ إذا قلنا
إنّ الصّحراء هي المكان الوحيد الذي يستطيع فيه الكائن الحيّ أن يذهب ليشاهد
الأبديّة، يذهب ليرى العدم بعينيه، ثمّ يعود إلى الوراء وهو ما يزال على قيد
الحياة؟ صحرائي الكبرى، م.س. ص133.
[2] المرجع نفسه، ص.131.
[3] صحرائي الكبرى،
مرجع سابق، ص ص.27-28.
[4] م.ن. الصّفحة نفسها.
[5] انظر السّحرة، ج1عنوانا جانبيّا "أ- الرّيح"،
ص ص.313-340.
[6] انظر الواحة، ص. 267.
[7] انظر، هامش "القبلي"، المجوس ج1،
ص ص. 7.
[8] المجوس،
ج1، ص. 14.+ ص ص.7-8-9-10-11-12-13-15-16-17-18.
[9] المصدر نفسه، ص. 15.
[10] المجوس،
ج1، ص.240.
[11] السّحرة،
ج1، ص ص.14-15،
نعتمد هذا النصّ رغم طوله لتقديم الماء بمُختلف صوره.
[12] السّحرة،
ج1،
ص. 19.
[13] السّحرة، ج1،
ص. 21.
[14] سورة الأنبياء،
الآية،30.
[15] نزيف الحجر،
ص.84.
[16] السّحرة،
ج2، ص. 283.
[17] السّحرة،
ج2 ، ص.288.
[18] السّحرة،
ج2، ص.287.
[19] السّحرة،
ج2، ص.292.
[20] المجوس،
ج1، ص ص.317-318.
[21] يخصّ الكوني
عبارة "اللثام" بفصل كامل في رواية المجوس، ج2. ص
ص.305-306، يروي فيه حادثة الاعتداء على الشجرة الحرام وعقوبة السّلطان القاسية
والخروج إلى صحراء بلا حدود. "بعد ساعة وجد "مندام" نفسه
خارج السّور العظيم! أحكم اللّثام حول وجهه وتدثّرت المرأة بمئزر التّين.
امتدّت أمامهما صحراء مغمورة بالسّراب. بدأت مسيرة التيه، وأصبح "اللثام"،
منذ ذلك الحين، شعارا يُخفي به الصّحراوي عورة الفم".
[22] أخبار الطوفان الثاني،
ص. 12.
[23] تجليات الواقع والأسطورة،
مرجع سابق، ص.23.
[24] المجوس،
ج2، ص.299.
[25] د.عبد الله إبراهيم، ميثولوجيا الطّوارق، مجلة الجديد في
الكتب، مرجع سابق، ص 7.
[26] السّحرة،
ج1.ص ص. 275. 360-361.
[28] طائر صحراوي، أبقعُ، صغير، يتفاءل به، ويرد كثيرا في
أساطيرالطوارق. انظر لمزيد التّوسّع السّحرة، ج1، ص ص.655-656-657-658-659-
660 ، ج2، ص.398
[29] السّحرة،
ج1، ص52.
[30] السّحرة،
ج1، ص. 657.
[31] السّحرة،
ج1، ص.657.
[32] السّحرة، ج1، ص ص.360-361.
[33] السّحرة،
ج1، ص. 361.
[34] السّحرة،
ج1، ص.365
المصدر
نفسه، الصّفحة نفسها.
[35] السّحرة،
ج1، ص.737.
[36] المصدر نفسه، ص.264.
[37] المجوس،
ج2، ص.188.
[38] رمزت ميثولوجيا الشّعوب القديمة إلى الهيولي البدئيّة للمدار
الأعظم بشكل الحيّة التي تعضّ على ذيلها، دلالة الاكتمال الأزلي للمُطلق قبل أن
يَنحلّ إلى مظاهر الكون المختلفة. انظر الشّكل 59
من كتاب لغز عشتار الألوهة المؤنّثة وأصل الدّين والأسطورة، فراس سوّاح ط.1
،1985، ص.158.
[39] السّحرة،ج2،
ص ص.227- 228.
[40] السّحرة،ج1،
ص.430.
[41] السّحرة،ج1،
ص. 432-433.
[42] تجلّيات الواقع والأسطورة،
مرجع سابق، ص.143
[43] السّحرة، ج2 ص.104 انظر المصدر نفسه ص ص.666-667.
[44] وسوس الشرّ لـ"تيرزازت" فنقلت (لهؤلاء الضّحايا)
بشارة "آمغار" مَعْكوسَة. لقد أتت فعلا قبيحا فنالها بالمِسْعر
في خَطْمها. انشقّت الشّفة إلى ضلفتين ففرّت من "آغرام نوددان" لتنقل
دمغة الزّوال إلى مَخلوق الصّحراء... ولا تزال تأتي إلى الضّحايا لتقدّم نفس
النبأ... ويتساءل الرّاوي "لماذا التّمهّل في أمر قدّره الخفاءُ؟ لماذا
الإبطاء في مصير لن يتأخّر به الزّمانُ؟ لماذا الخوفُ والتّردّدُ في بَلاء لن
يَكُونَ منه بدّ؟ وهل يقدر الظّلّ البائس أن يتدخّل في إرادة السّماء، ويغيّر
أحكام النّجوم... من السّحرة يستطيع أن يجزم أنّ الخبرالأسوأ لا يتحوّل في نهاية
الطّواف إلى خير سخيّ؟ ويشير الرّاوي إلى حكمة هذا التّحوّل مِمّا جاء به "وانتهيط"،"ألم
يخبره بالسرّ عندما قال له إنّه لا يفعل خيرا أبدا حتّى لا يتحوّل إلى شرّ، ولا
يفعل إلاّ شرّا لأنّ ما نظنّ أنّه شرّ هو الفعل الوحيد الذي ينقلب بمشيئة الزّمان،
كما ينقلب الذّهب في جوف الأرض، ويتحوّل خيرا إبريزا؟ انظر السّحرة ج2،
ص. 105.
[45] المصدر نفسه، ص ص.103-104-105-106-107.
[46] السّحرة،ج1 ص.106 انظر المصدر
نفسه ص ص.666-667.
[47] العجائبي عند "تودوروف" هو "وقوع أحداث طبيعية،
وبروز ظواهرَ غير طبيعية خارقة للعادة،تنتهي بتفسير فوق طبيعي"، ولمزيد
التّوسع، انظرT. Todorov:Introduction
à la littérature Fantastique, op. cit.
ويتميّز
العجيب (le Merveilleux).
بأنه ينتمي إلى عالم لا يشبه عالم الواقع، بل يجاوره من دون اصطدام ولا صراع، رغم
اختلاف القوانين التي تحكم العالمين وتباين صفاتهما.د.لطفي زيتوني، معجم
مصطلحات نقد الرّواية، ص.87.
[48] الجنّ لغة، من جنّ يجنّ جنّا وجنونا وجنانا اللّيل: أظلم، ثمّ
اختلطت ظلمته، وجنّا وجنونا الشّيء وعليه ستره...يقال "لا جنّ بهذا
الأمر"، أي لا خفاء. والجنّة الواحد "جنّي" والواحدة
"جنّية" : مَخلوق مَزعوم من الإنس والأرْواح سمّي بذلك لاستتاره
واختفائه عن الأبصار. الجانّ، اسم جمع للجنّ.[المنجد في اللّغة والأعلام،
"باب جنّ"] يتّفق هذا التّعريف أو يكاد مع ما جاء في "موسوعة
أساطيـر العرب عن الجاهليّة ودلالاتـها" ج2،.ص ص.8-9، إلاّ أنّ
الموسوعة تضيف مراجع أخرى هامّة نشير
إليها في هذا العنصر للإفادة والتّوسّع مثل تاج العروس[ مادّة "جنّ"
في فصل الجيم من باب النّون، ص ص.164-165]. "الجنّ خلاف الإنس"،
و"كلّ ما استتر عن الحواسّ من المَلائكة والشّياطين"... و"الجَانّ
في العربيّة الحيّة البيضاء، أوالحيّة الصّغيرة، والعرب تسمّي كلّ حيّة شيْطانا.
يَعُود هذا التّعريف إلى الدّميري [حياة الحيوان الكبرى،ج1، ص
ص.183-184.] ثمّ إنّ الجاحظ قد أفرد مُؤلّفا كاملا، صنّفه إلى أجزاء اعتنى فيه
بعالم الحيوان [انظرج1 ص ص.300-310، وكذلك ج6، ص.123]. يقول مُتحدّثا عن الحيّة
"ويُسمّون الحيّة إذا كانت داهية شيطانا". وإنّ النّميري حسب ما
جمّعته "موسوعة أساطير العرب" قد خصّ "الحيّة" أيضا ببعض
التّعريفات [انظر، نهاية الأرب، ج10، ص ص. 387-.388] [ انظرج1 ص ص.300-310،
وكذلك ج6، ص.123.] ولقد أشار الكوني إلى بعض المراجع من القديم
والحديث. فذكر نصوصا للجاحظ في الاستهلال [السّحرة]. كما توجد إشارة إلى ابن سينا[كتاب
الحدود،انظردائرة المعارف،ط2،ج1، ص560، مقال "جنّ"].
انظر، لمزيد الاطّلاع، م. أساطير العرب،ج2. ص ص.8-10.
[49] نزيف الحجر، ص
ص.11-12.
[50] استضاف أهل الخفاء "بورو"، وقدّموا له طعاما بدون ملح،
ولكنّه كان لذيذا، انظر السّحرة، ج1.ص ص.16-17.
[51] المجوس،
ج2، ص. 16.
[53] السّحرة، ج1، ص ص. 329-330.
[54] م. أساطير العرب، ج2، ص. 55.
[55] السّحرة،
ج2، ص.395.
[56] المجوس،
ج2.ص.19.
[57] المجوس،
ج2، ص ص.17- 18- 19.
[58]فاطمة
الحاجي، شعرية الرّواية الفانتاستيكيّة عند الكوني، فتنة الزؤان نموذجا،
الفصول الأربعة، السنة 25. العدد104، ص.53.
[59] Tzvétan Todorov, Introduction à la littérature fantastique,
op. cit. p.29.
[60] أخبار الطوفان الثاني،
ص ص 12-13.
[61] المجوس،
ج1، ص. 85.
[62] السّحرة، ج1، ص.17.
[64] الشّيطان بلغة الطّوارق.
[65] السّحرة،ج1.
ص. 46.
[66] السّحرة، ج1 ، ص. 47.
[67] مملكة الودّان "تماهق"السّحرة،
ج1، ص.37.
[68] المصدر نفسه، ص. 61.
[69] انظر لمزيد التفصيل، السّحرة،
ج1،
ص ص.60-61-62-63-64-65-71-72-73...76.
[70] السّحرة،
ج1، ص.363.
[71] المصدر نفسه، ص.90.
[72] السّحرة، ج1، ص. 91.
[73] السّحرة، ج1، ص. 98.
[74] نزيف الحجر،
ص ص.103-104.
[75] نزيف الحجر، ص.62.
[76] نزيف الحجر،
ص.62.
[77] نزيف الحجر،
ص ص.131-134+ 141.
[78] المصدر نفسه، ص ص.131-134.
[79] التبر، ص 23.
[80] التّبر، ص. 22.
[81] التّبر،
ص 31.
[82] السحرة ج2،
ص ص.308-309
[83] أخبار الطوفان الثاني،
ص 52.
[84] أحمد بدري، المنظور السّردي في رباعية الخسوف لإبراهيم الكوني،
مرجع سابق، ص. 117.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق