الأربعاء، 25 نوفمبر 2020

قراءة-متعجّلة-في قصيدة مزلزلة تتحدى الطغاة وتنتصر للوطن..بإمضاء الشاعر التونسي الكبير طاهر مشي بقلم الناقد والكاتب الصحفي محمد المحسن

 قراءة-متعجّلة-في قصيدة مزلزلة تتحدى الطغاة وتنتصر للوطن..بإمضاء الشاعر التونسي الكبير  طاهر مشي

اللغة هي الوسيلة الأولى لعملية التواصل مع الآخرين،غير أنها تتعدَّى وظيفتها الاجتماعية المحدودةَ هذه،فتشكِّل الأساس في عملية بناء القصيدة؛إذ تمثِّل الطريق الموصلة بين المبدع والمتلقِّي،فتؤدي بذلك وظيفةً أخرى،تتمثَّل في إيجاد روابطَ انفعالية بينهما،فتتَجاوز بذلك لغة التقرير إلى لغة التعبير،وتسعى للكشف عن العواطف والأحاسيس،والانفعالات الكامنة في قلب الشاعر،ومحاولة إيصالها في نفس المتلقي.
يختار الشاعر التونسي الكبير  طاهر مشي من اللغة وإيحاءاتها،ويولّد منها ما يقدر على التوليد،لا ليأتي بمعانٍ يجهلها الناس تمامًا،ولكن ليصوّر الواقع كما يراه من زوايا متفردةٍ تدهش المتلقي وتجعله يعيش إحساسات جماليةً لا تنتهي،وحجارة هذا البناء الموضوعيِّ الألفاظ،إلا أن الألفاظ في الشعر تومئ إلى ما وراء المعاني،فتُضيف إليها أبعادًا جديدة،وبذاك تتجدد وتحيا،وبغير ذلك تذبل وتموت؛إذ نجد ألفاظها تقدِّم صورة إنسانية وفنية بغرَض إماطة اللِّثام عن هذه الألفاظ...
تعد العملية الإبداعية في حقيقتها نفاذا إلى واقع متخيل،أين يستطيع الشاعر تحويل أخيلته إلى نوع جديد من الحقائق التي تكون انعكاسات قيِّمة لواقعه الذي يمثل مسرحا لتجربته الفنية،فتكون رؤية الشاعر لهذا الواقع مختلفة تماما عما يراه الناس،فهو لا يكتفي بحدود واقعه،بل ينفذ إلى عمقه متخطيا النظرة السطحية إلى نظرة مرتبطة بالكشف والتجاوز..
و”رسالة الى الطغاة” هي صورة نقية عن الوطن،وتعبير صادق عن طين الأرض،ودلالة خلاقة عن حب البلاد،وصرخة مدوية في وجوه المتخاذلين ممن خانوا أوطانهم وباعوا ضمائرهم..ثم أولا وأخيرا هي رسالة جاسرة،جسورة،تجلت في شكل رماح في خاصرة الطغاة..
نعم هكذا رأيت الشاعر السامق د-طاهر مشي في هذه الأبيات يجسّد المعنى النبيل لحب الوطن،والتحدي الصارخ للطغاة المتجبرين..
أراه يصرخ صرخات مزلزلة في وجه الطغاة-حفاة الضمير -يعشق وطنه،في نخاع العظم، وينتصر لرموزه وحتى وأن أخفى هذا الحب في حضرة الواقع،إلا أن الشعر الذي دائما يمثل اللهب الذي يختزن الطاقة الداعية للتغيير كشف أمره،إنه ينظر إلى العروبة التي يختزلها وطننا العربي نظرة لا تُنظر بالبصر،بقدر ما تُدرك بالبصيرة،إنه الوطن الجميل والمفعم بكل معاني الجمال،وبأثمن عبارات الصدق،إنه الجمال الكوني كله.
وإذن؟
الغضب إذا -يا سادة- هو عود الثقاب الذي يوقد الثورة،الغضب -يا أعزائي-هو ما يدفع البشر الى أن يقولوا لا،هو ما يبقيك حيا،هو ما يحافظ على حياتك،وهو ما يجعلك انساناً وان كان الغضب حقا لكل شعوب الأرض المقهورة المكبوتة فإنه في حالة الإنسان العربي يصبح واجبا لا يسقط الا بسقوط مسبباته.
ويأتي الصوت المثير للواعج لدى الشاعر الكبير  طاهر مشي مختلفًا عن سؤال طالع،فهو لدى -شاعرنا الفذ-سؤال الذات ذاتها..!
سؤال واقع الإنسانية المهدر حول الوطن..سؤال الظلم الذي تعانيه «الذات» لتضحي هيكلًا من هول الطعنات والجراح التي لم تجد نصيرًا لها..!
بيد أن الوطن هنا يصبح لدى «الشاعر» حالة خلاص،وطوق نجاة أمام هذا الواقع المر،إنه الوطن الذي يأتي في لحظة الذهول والألم معلنًا الخلاص النفسي عبر استحضار تاريخ الوطن الذي يصبح أملًا في الخلاص..
في هذه القصيدة يظهر لنا الشاعر التونسي الألمعي  طاهر مشي كما لم يظهر لنا من قبل، ولأن الأحداث العظيمة تجبرنا على الابداع،فإن قريحة -شاعرنا-قد اجترحت أفضل ما يمكن لشاعر ان يكتبه..فكتب بحبر الروح..ودم القصيدة ..
وأترك للقارئ الكريم حرية التفاعل والتعليق..
محمد المحسن
رسالة الى الطغاة
---------------
اذا كنت انت
عدو السلام
اعداء نحن
لك للأبد
نحب الامان
ونفدي البلاد
دمانا تسيل
تثير الوتد
فنحن شعوب
حماة عصاة
وسد منيع
كثير الجلد
ونحن جنود
لك قامعين
إذا ما طغوت
وكنا سند
نعيش الوفاء
برغم الالم
برغم الجراح
وجزر ومد
جرائم قتل
تبيد الصبا
وغدر
وصرخة ام البلد
بنين يموتون ظلما
وجورا
فداء لأرض الجلاء
فداء لكل شهيد رقد
فلا عاش في حضنك
من يخون
ولا ظالما
ولا مستبد
نعيش وطبع الوفاء
لدينا
فداء لجند
له والعضد
نموت ونحيا
لأجل الحياة
شموخ الكرامة
جمر بيد

(طاهر مشي)

وإلى هنا أكتفي لأعلن شهادتي من عمق-الجنوب التونسي-أني أقف أمام فارس من فرسان الكلمة المجيدين،يملك زمام اللغة فأحبته اللغة،وأعطته من ذاتها وأعطاها من ذاته،فامتزجا وقدما لنا إبداعاَ خلاقا،راقياًو رائعاً.

محمد المحسن

L’image contient peut-être : 1 personne, costume
L’image contient peut-être : 1 personne, gros plan

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق