الجمعة، 6 نوفمبر 2020

نور العيون بقلم/ إبراهيم مصطفى الزاملي

 نور العيون

ابتسمت نور العيون وهي تراقب حملاً صغيراً يركض وراء أمه محاولاً أن يلتقم ضرعها ليرتوي منه لقد اعتادت نور العيون رعاية الأغنام بدلاً من والدها الذي كبر سنه وأعياه المرض فما عاد قادراً على الرعي . وفي المساء عادت نور العيون بالأغنام إلى البيت ثم أسرعت تقبل يد والدها قبل أن تبدأ في إعداد طعام العشاء حيث اعتادت ذلك منذ وفاة أمها قبل خمسة أعوام ,كان لنور العيون بلبلاً ربته صغيراً وأحبته حباً عظيماً حتى أنه كان يفهم كل إشارة منها .كبرت نور العيون وصارت فتاة حسناء وزاد من حسنها أدب جم وذكاء حاد وخفة ظل جعلتها حلماً لشباب القرية .كان على بعد من القرية التي تسكنها قصر الملك الذي كان يحاول جاهداً إقناع ابنه الأمير بالزواج لكنه فشل في كل محاولاته بسبب رفض الأمير . وأمام إصرار الملك وإلحاحه اضطر الأمير إلى الموافقة إرضاء رغبة والده لكنه وضع شرطاً تعجيزيا للفتاة التي سيوافق على الزواج منها فكان شرطه أن تتمكن من عد النجوم ليلا و في اليوم التالي أرسل مناديا في البلاد يعلن نية الأمير بالزواج وشرطه لذلك . سمعت نور العيون بشرط الأمير فاستفزها ذلك بشدة لما رأت فيه غرورا شديدا وتكبرا عظيما فقررت أن تتحدى غروره وتحطم كبرياءه فكتبت له رسالة تحدته فيها أن يحل لغزا لتقبل الزواج منه أما لغزها فكان أن يتمكن من تحويل التراب ذهبا و أمهلته أسبوعًا لحل اللغز على أن يبلغها الإجابة بذكائه و منحته أسبوعاً آخر ليعرف صاحبه الرسالة و يتوصل إليها .حمل البلبل الرسالة و طار بها إلى القصر حط البلبل على نافذة غرفة الأمير تم ألقى الرسالة على سريره و طار عائدا .و في المساء دخل الأمير غرفته و آوى إلى فراشه فلمح الرسالة على السرير فأسرع بالتقاطها و فتحها فاحمر وجهه غضبا و صرخ بأعلى صوته منادياً حراسه الذين جاؤوا يركضون على صراخه فبادرهم سائلاً : من الذي اقتحم مخدعي ؟ وأين كنتم ؟ ارتعب الحراس وأقسموا جميعاً أنهم لم يتغيبوا عن باب الغرفة وأنهم لم يشاهدوا أحداً بداخلها .شغلت الرسالة بال الأمير واحتار في أمر صاحبتها هذه التي تجرأت على تحدي الأمير بهذا الشكل .لاحظ الملك انشغال ابنه وشروده وتغير أحواله فسأله عما به تنهد الأمير وهو يخرج من جيبه الرسالة ويقدمها للملك وما أن انتهى الملك من قراءتها حتى انفجر ضاحكاً وقال يا لها من فتاة ذكية استطاعت أن تشغل بالك وتغير أحوالك ... ثم ربت على كتف الأمير قائلاً : هيا أيها البطل حل اللغز واعثر على الفتاة .وفي اليوم التالي استدعى الأمير المستشارين و الحكماء و سألهم من يستطيع تحويل التراب ذهبا نظروا إلى بعضهم مندهشين من هذا الطلب الغريب و مرت الأيام فلم يقدم له أحداً أي تفسير و انتهت المهلة المحددة و لم يستطع الأمير حل الشرط .أدركت نور العيون أن الأمير قد عجز في حل الشرط فأرسلت إليه البلبل برسالة أخرى مددت فيها المهلة أسبوعا آخر و أخبرته أن هذه المهلة الجديدة كرم منها ونصحته بان يفكر جيدا و انه سيصل إلى الحل بمفرده . كان الأمير يشعر بالحيرة و القلق , فخرج يروح عن نفسه و في الطريق رأى مجموعة من الفلاحين في حقل من القمح فأخذ يتأملهم كانت سنابل القمح تلمح تحت أشعة الشمس كالذهب وكان بريقها يخطف الأبصار,فانفرجت أساريره وعلت وجهه ابتسامة ,وهز رأسه متمتما نعم انه القمح.وفي صلاة الجمعة صعد الأمير منبر المسجد خطيبا بالمصلين وبين في خطبته أهمية الزراعة وخاصة محصول القمح هذا الذهب الذي ينبت من الأرض . تناقل الناس خطبة الأمير وحديثه عن القمح ذهب الأرض حتى وصل الخبر إلى مسامع نور العيون,أرسلت نور العيون إلى الأمير رسالة تهنئه بحل اللغز وتذكره بشرطها الثاني وفي هذه الإثناء كان الأمير قد أمر بتشديد الرقابة على جميع أنحاء القصر ومداخله , ولما جاء البلبل يحمل الرسالة بمنقاره لمحه الحراس يدخل من نافذة القصر فلما خرج انطلقوا خلفه بخيولهم حتى اختفى عن أنظارهم داخل الغابة اخبر الحراس الأمير بأمر البلبل .قرأ الأمير الرسالة فاصطحب حراسه متوجهين نحو الغابة حتى وصل إلى القرية فاخذ ينظر هنا وهناك حائرا لا يعرف سبيلا إلى الفتاة وبينما هو يتجول في القرية رأى فتاة ملثمة ترعى الأغنام فاقترب منها وألقى عليها التحية فردت: مرحبا بك أيها الأمير. هل من خدمة أقدمها لك يا مولاي الأمير وحين هم الأمير أن يتحدث فإذا بالبلبل يحط على كتف الفتاة,ابتسم الأمير فهز رأسه وقال الآن أدركت غايتي.....أهلاً بصاحبة الرسالة التي تجرأت على الأمير. وهنا رفعت عن وجهها المنديل الذي كانت تتلثم به من وهج الشمس فلما بان وجهها ذهل الأمير من جمالها الفتان وحسنها الرائع وقال : ما شاء الله سبحان ربي العظيم وسألها عن اسمها ومسكنها ثم ودعها مبتسما قبل أن يعود إلى قصره والفرحة ترقص بين ضلوعه ولما وصل أسرع إلى والده واخبره بأمر الفتاة صاحبة الرسالة وطلب منه أن يخطبها له, سعد الملك بهذا الخبر فأسرع بخطبتها لابنه . فرحت البلاد بزواج الأمير وأقيمت الأفراح والليالي الملاح ابتهاجا بزواج نور العيون من الأمير.
بقلم/ إبراهيم مصطفى الزاملي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق