التلاشي الاخير
كان يعبر الطريق ويلتفت نحوه مذعورا، يجر خطاه بتثاقل وفي اعماقه بعض الأصوات تختزن كثيرا من الصور.... شعر بالمرارة والندم وثار في نفسه بركانا من الألم.... تسللت على خده دمعة حارة، حاول مسحها بيده فما استطاع،.. تدافعت الي مخيلته عقودا من الايام الرتيبة.... احس وكأنه يقف على ضفاف الغفران.... تسارعت حشرجة أنفاسه وتباطأت نبضاته،كان جسده يختلج وروحه تكاد تنسلخ عنه تدريجيا، اختفت من أمامه جميع الصور ولم يبق الا ذاك الشفق المظلم الذي شرع في السير الي اعماقه.... فبلغ به الضيق مبلغه،.. الموقف حرج و الأفكار تكاثرت في راسه.... لم تمضي ثواني حتى أثقل الأرض بخطواته وتسلل بنفسه خارج تلك الاسوار.... كان ينظر إلى الشمس َويبتسم واثقا وقد ازدحمت به الذكريات من كل الجهات.... تبسمت بخبث ومكنته من دخول رسائلها الخاصة، جلس على الاسفلت الساخن يتحاور مع نفسه ويسترق بعض الدقائق من يومه الثقيل، لقد تحمل سنينا عجاف.... فانتصبت أمامه صورتها تحتويه وتدعوه الي احضانها.... كان جسده المنهك ونفسه الممزقة تلح في الطلب... وهو يبتلع ريقه علقما ،مضت ايام أخرى فتصخر صبره ونهش صدره القلق،.. كيف ينظر إليها وهي تتمرد بداخله وتصنع لنفسها اجنحة تحلق بها بعيدا..... و تغرق في الصمت.... مد ذراعه لينهض من مكانه... فاسترقت النظر إليه مجددا... انها السنوات الطوال تتكاثر في تناغم وتحفر بعمق.. فيرفع وجهه ويبادلهارة سريعة كأنه يزيح عنها عقودا طويلة من الشوق والعذاب... رافقته بصمت في تلك الطرقات المتعرجة واخترقت تفكيره.... فاشعل سيجارته على مهل، نفث دخانها الي السماء... مدت يدها الي واحدة أخرى فاشعلتها هي أيضا وفعلت ذات ما فعله... فتشابك دخان السيجارتين قبل أن يصعدا في رحلة التلاشي الاخير.
بقلم توفيق العرقوبي-تونس _

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق