التَّوْبَةُ فِي حَضْرَةِ المَلِكْ :
بقلم محمد جعيجع من الجزائر ـ نوفمبر 2020
يُحْكَى أَنَّ المَلِكَ دَعَا حَيَوَانَاتِ الغَابِ لِاجْتِمَاعٍ حَضَرَهُ مَنْدُوبٌ عَنْ كُلِّ فَصِيلٍ ، وَمِنْ أَجْلِ إِرْسَاءِ الأَمْنِ وَالسِّلْمِ فِي كَامِلِ رُبُوعِ الغَابِ، طَلَبَ مِنَ الحُضُورِ اِقْتِرَاحَ سُبُلًا تُمَكِّنُ مِنْ تَحْقِيقِ الغَايَةِ المَنْشُودَةِ ...
بَعْدَ أَنْ أَدْلَى بَعْضُهُمْ بِدَلْوِهِ أَتَى دَوْرُ الثَّعْلَبِ الَّذِي بَدَأَ حَدِيثَهُ قَائِلًا : "بَعْدَ التَّحِيَّةِ وَالسَّلَامِ؛ لَا شَكَّ فِي أَنَّ كُلًّا مِنَّا كَانَتْ لَهُ مِنَ الخَطَايَا مَا كَانَ، وَأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَّا يَبْحَثُ عَنْ تَوْبَةٍ لِتَكْفِيرِ ذُنُوبِهِ؛ وَإِنِّي أَرَى أَنْ نَزُورَ البِقَاعَ المُقَدَّسَةِ لِتَأْدِيَةِ فَرِيضَةَ الحَجِّ"...
تَشَاوَرَ الجَمِيعُ وَخَلَصُوا إِلَى الأَخْذِ بِاقْتِرَاحِ الثَّعْلَبِ كَإِجْرَاءٍ لِإرْسَاءِ السِّلْمِ وَالأَمْنِ، مُشِيرِينَ عَلَى المَلِكِ الذَّهَابَ عَلَى رَأْسِ البِعْثَةِ، مُتَمَنِّينَ لَهُ طُولَ العُمُرِ ومَوْفُورَ الصِّحَةِ وَالعَافِيَةِ. وَفِي طَرِيقِ السَّفَرِ اِسْتَسْلَمَ الجَمِيعُ إِلَى الرَّاحَةِ تَحْتَ ظِلِّ أَجَمَةٍ؛ دَنَا الثَّعْلَبُ مِنَ المَلِكِ مُسْتَفْسِرًا :"أَمِنْ جُوعٍ شَرَدَ ذِهْنُ جَلَالَتِكُمْ؟ أَمْ مِنْ هَمٍّ أَلَمَّ بِكُمْ؟
قَالَ: بَلْ لِأَمْرٍ خَصَّ وِجْهَتَنَا، فَاجْمَعْ لِي المُرَافِقِينَ كُلَّهُمْ.
ذَهَبَ الثَّعْلَبُ مُسْرِعًا لِتَنْفِيذِ الأَمْرِ، وَقَدْ أَدْرَكَ نِيَّةَ جَلَالَتِهِ، مُنَادِيًا وَدَاعِيًا الجَمِيعَ لِحُضُورِ كَلِمَةٍ سَيُلْقِيهَا جَلَالَتُهُ عَلَى مَسْمَعِ الحَاضِرِينَ... هَلُمُّوا
المَلِكُ : فَكَّرْتُ مَلِيًّا فِي التَّوْبَةِ وَقَبُولِهَا دُونَ سَمَاحٍ بَيْنَنَا؛ وَقُلُوبُ بَعْضِنَا مَلِيئَةٌ بِالضَّغِينَةِ وَالدَّسِيسَةِ؛ وَلِكَيْ نَدْخُلَ البِقَاعَ المُقَدَّسَةِ طَاهِرِينَ، لَا بُدَّ مِنْ كُلِّ مُذْنِبٍ أَنْ يُفْصِحَ عَنْ ذَنْبِهِ؛ وَعَلَى الثَّعْلَبِ النَّظَرَ فِيهِ، وَالحُكْمَ عَلَى صَاحِبِهِ...
الدِّيكُ : أَزْهَقْتُ أَرْوَاحَ الكَثِيرِ مِنَ الدِّيدَانِ، وَأَفْنَيْتُ حَبًّا كَثِيرًا...
الثَّعْلَبُ : هَذَا وَلَا شَيْءَ أَمَامَ فَتْكِي بالدَّجَاجِ؛ وَلَكِنَّهَا سُنَّةُ الحَيَاةِ .
الكَلْبُ : غَفَوْتُ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَهَجَمَ الذِّئْبُ عَلَى الزَّرِيبَةِ وَنَالَ مِنْ شُوَيْهَاتِهَا مَا نَالَ ...
الثَّعْلَبُ : هَذَا عِقَابُ صَاحِبِكَ لِمَنْعِهِ زَكَاةَ مَالِهِ، فَكِلَاكُمَا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ .
الضَّبْعُ : ذُنُوبِي كَثِيرَةٌ وَجَرَائِرِي عَظِيمَةٌ وَطِبَاعِي فَرِيدَةٌ؛ أَشْرَعُ بِأَكْلِ فَرَائِسِي حَيَّةً دُونَ ذَبْحٍ وَدُونَ تَقْصِيرٍ ...
الثَّعْلَبُ : "الطَبْعُ غَلَّابُ وَأَنْتَ مَا عَلَيْكَ مِنْ عِتَابٍ".
الثَّوْرُ : عَثَرْتُ وَأَنَا أَسْرَحُ وَأَمْرَحُ عَلَى قُشُورِ بَطِيخٍ "دِلَّاعْ" فِي إِحْدَى المَزَابِلِ، فَأَكَلْتُ وَأَفْنَيْتُ وَلِلأْثَرِ مَا أَبْقَيْتُ ...
الثَّعْلَبُ : هَلْ أَبْعَدْتَ البُذُورَ عَنِ القُشُورِ وَأَنْتَ بِصَدَدِ أَكْلِهَا .
الثَّوْرُ : لَا لَمْ أَفْعَلْ؛ فَقَدْ أَكَلْتُهَا بِبُذُورِهَا وَلَمْ أُبْقِ شَيْئًا مِنْهَا.
الثَّعْلَبُ : بِمَا أَنَّكَ حَيَوَانٌ عَاشِبٌ فَالقُشُورُ مِنْ حَقِّكَ، وَلَكِنَ البُذُورَ لَيْسَتْ مِنْ حَقِّكَ لِمَا فِيهَا مِنْ فَوَائِدَ كَبِيرَةٍ تَعُودُ بِالنَّفْعِ عَلَى الكُلِّ، حَيْثُ يَقُومُ المُزَارِعُ بِدَفْنِهَا فِي التُرَابِ لِتَنْمُو وَتُورِقُ وَتُزْهِرُ وَتُثْمِرُ وَتَنْضُجُ ثِمَارُهَا، فَيَسْتَفِيدُ مِنْهَا الإِنْسَانُ وَالحَيَوَانُ العَاشِبُ وَالحَيَوَانُ اللَّاحِمُ، وَمِنْ اِخْضِرَارِهَا البِيئَةُ...
الثَّوْرُ : إِذًا فِعْلِي فِعْلُ لَئِيمٍ وَجُرْمِي عَظِيمٌ فَلَا مَنَاصَ مِنْ تَطْهِيرِ النَّفْسِ.
الثَّعْلَبُ : لَقَدْ أَجْرَمْتَ فِي حَقِّ مَخْلُوقَاتٍ كَثِيرَةٍ وَوَجَبَ عَلَيْكَ التَّطْهِيرُ مِنَ الذَّنْبِ لِتُصْبِحَ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ؛ وَسَيَقُومُ المَلِكُ بِذَلِكَ فَيَمْسِكُ عُنُقَكَ، فَإِذَا عِشْتَ وَكُتِبَتْ لَكَ الحَيَاةُ مِنْ جَدِيدٍ فَأَنْتَ مُسَامَحٌ، وَإِنْ مِتَّ فَقَدْ بَرِئْتَ وَتَصْعَدُ رُوحُكَ الطَّاهِرَةُ النَّقِيَّةُ إِلَى بَارِئِهَا وَهُوَ رَاضٍ عَنْهَا ...

شكرا جزيلا لحضرتكم الفاضلة عن نشر وتوثيق النّصّ ...
ردحذفبالتوفيق أستاذي الفاضل دمت متألقا نصوصك مميزة دوما فهي مزيج بين البساطة والعمق الدلالي بوركت أستاذ 🌹
حذف