قراءه للوحة الفتاة الأمازيغية للفنان بشير الهدومي
الفن في هذا العالم له عدة أواصر وأوجه رحبة، لا نعرف متى تظهر، وليس هناك أي وقت كي تعبر وتخرج مفرداتها ومواضيعها بشكل سلسل، هذه التراكمات التي تسكن في داخلنا، ومنها هموم الحياة، ومشاغلها، وجرينا مع السنين. لكن عنده لحظة الاستكانة وعندما تهدأ وتيرة الزمان وتقل المسؤوليات ويتفرغ الإنسان ليعبر عن ذاته، وقت (التقاعد عن الخدمة المدنية) فيبحث في داخله عن هواياته التي كان شغوفًا بها والتي يحبها أيام الطفولة أو الصبا، وقد تأتي بعدة صور ممكن إنه كان متميزًا يكتب القصص التي مرت عليه أو يكتب الشعر يستذكر فيه حياته أو يرسم كما حدث لكثير من الموهوبين في العالم الغربي والعربي حتى يصبحون فنانين ويشار لهم بالبنان.
وعلى سبيل المثال الفنان (هنري روسو) الرسّام العصامي وكما يطلقون عليه حين ذاك بـ (الجمركي)، لأنه كان يعمل في إدارة الجمارك، وعند إحالته على التقاعد ،كان يرسم على سجيته وفطرته البسيطة دون معلم، ويرسم ما يعرفه ويحاول من خلال المشاهدة الحية لمدينة بأن يلتقط مشاهد عادية كموضوع ليرسمها في ذلك اليوم.
والفنان روسو ينتمي للمدرسة (الساذجة)- نسبة إلى مرحلة رسوم الأطفال- لان لوحاته بسيطة وشعبية، فكان له نصيب كبير في العالمية بعد أن اعترف فيه الفنانين والنقاد وفسحوا لهم المجال كي يعبروا بكل حرية.
وكما ونحن نستقبل الفنان العصامي بشير الهمومي المتقاعد من إدارة السكك الحديدة، يختلف عن هنري روسو لأنه درس نفسه بنفسه حتى قد أجاد في الرسم الأكاديمي بشكل يضاهي الطالب المتخرج من المعاهد الفنية وهي صفة التحدي التي يخوضها بجد ومثابرة وإصرار، لهذا السبب سوف نستثني صفة العصامي وسوف ننقد عمله كفنان محترف.
§ اللوحة المعروضة:
تعبير من لوحات فن البورتريه، وتمثل فتاة – صبية- تحمل فوق رأسها صحن خزفي، ويبدو الصحن قديم ومستخدم كثيرًا في أكلة الكسكسي الطعام الأكثر شعبية لغالبية الشعب التونسي، وفي ذاك الصحن، وضعت الحلي والمجوهرات، كي تقدم إلى أهل العروسة، ويبدوا أن هذه الفتاة السعيدة هي أخت العريس وهي مبتهجة وابتسامتها العريضة ووجهها المشرق لزواج وفرح أخيها، وقد ارتدت الزى التقليدي الوطني لتلك المدينة أو الجهة حيث يعتز التونسي بزيه المحلي والمناطيقي حيث تتنوع وتختلف من مكان إلى مكان أخر حسب جو وثقافة تلك المدينة أو – الجهة- وقد ارتدت تلك الفتاة مكملات الاكسسوارت الذهبية من الحلي، حيث تتبارى اغلب الفتيات في مثل هذا اليوم باستعراض ملابسهن وأناقتهن ويظهرن بأجمل حلة وبهاء.
§ رسم اللوحة:
اعتقد بأن الفنان استعان بصورة فوتوغرافية من إحدى الإعراس المحلية، وقد قام برسمها.
§ تقنية الرسم:
الألوان، نظيفة وهادئة، واللوحة تعطي إشراقه وتفاؤل واضح.
ملاحظات بسيطة:
هناك ملاحظة بسيطة هي عندما نرسم أي موضوع يكون داخل حدود اللوحة (المستطيلة) أو (المربعة) أي إن يكون كامل الجسم داخل اللوحة وغير مقصوصة أو منقوصة من أجزائها:
§ كما نشاهد في الجانب الأيمن من اللوحة حيث نرى جزء من يد الفتاة والملابس قد اقتطعت.. حتى لو كانت في نفس الصورة أي في المشهد المصور فكان يجب إن يكملها الفنان.
§ لون بشرة الفتاة البيضاء جداً لم يعطيها تلك الحرارة والتدرج اللوني فقط كان الوجه ملون بالون الـ (وردي فاتح) وذلك الظل الباهت وحدد تعابير الوجه بخطوط أي بدون تدرج لوني متداخل، حتى لون شفة الفتاة كان لونه باهت ونحن نعرف لو أعطاها اللون الأحمر لأصبح لوجه الفتاة حرارة وروح. وكسر ذلك الجمود البارد اللوني في الوجه واليد.
§ الفنان لم يحرك الأقمشة ولم يهتم كثيرًا بتفاصيل الظل والضوء في ثنيات أو طوياتها ولم يبرزها بشكل أكثر فقد كانت خفيفة جداً. حتى بات الألوان مسطحة واقرب إلى فن البوستر ، وكلنا يعرف ألوان البوستر صريحة ونظيفة.
وأخيرا نبارك الصديق الفنان بشير بهذه المثابرة في استعرض أعمالة المتميزة وان يكون أكثر حرصًا في المستقبل من تلك الجزئيات الطفيفة .. ونهنئ الفنان بقرب معرضه الشخصي الجديد في بن عروس متمنيًا له كل التوفيق والنجاح.
الناقد والرسام سمير مجيد البياتي 20-10-2020



ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق