الأحد، 25 أبريل 2021

على دروب الجمال/رماز الاعرج /مؤسسة الوجدان الثقافية


 **** على دروب الجمال ****الشيفرة الكونية ..

تحية الصباح الجميل والعطر ,
فلسفة الفن و الجمال (فنجال)
رماز الاعرج
(الحلقة العاشرة)
تحية عطرة مفعمة بالجمال والفلسفة والفن
الفصل الرابع
1 : نحن والجمال
هنا تحديداً مربط الفرس في موضوعنا بكامله وفي النهاية أكثر ما يهمنا في أي موضوع نقوم ببحثه ودراسته فإننا نسعى إلى الوصول إلى هدف ما وأهم شيء نريد معرفته عن الشيء ما هو بالنسبة لنا , أي أن معرفتنا له ليس مجرد هواية مسلية بل هي هدف عملي مادي سيتحقق ونحصل منه على أشياء كثيرة من ضمنها ما هي حقيقة الشيء وعلاقتنا به وطبيعة هذه العلاقة , وأحينا تكون غير مباشرة , ولكن بما يخص موضوع الجمال فهي مباشرة وهامة وفاعلة ومقررة , بل نحن ندرس ذاتنا من خلال دراسة الظواهر الجمالية كونها جزء منا ومن منتجاتنا ومن حاجاتنا وطبيعتنا , ولهذا فإن دراستها وإدراكها عقلياً أمراً هاماً وأساسياً إذا أراد الإنسان أن يدرك ذاته ومدى إمكانياته المادية والروحية وكيفية إدارة هذه الطاقة وتشغيلها بطريقة مجدية تساهم حتماً في تحقيقه لمساحة أكبر من الشعور بالوجود وتحقيق الإنسجام الكوني بيننا وبين الطبيعة والوجود حيث تكمن المساحة الأوسع من الشعور بالرضى والسعادة.
إن الجمال عند الإنسان يصل إلى مستوى عالي من التعقيد , حيث لا مثيل له في حدود معارفنا حتى الاَن , وقد يكون موجوداً في أماكن أخرى على كواكب أخرى ولكن معارفنا واكتشافنا له لم يصل بعد إلى مستوى التطور المطلوب التحقيق ذلك , ولهذا يقتصر بحثنا على ذاتنا وكوكبنا حتى الاَن , وينقسم الجمال في الحالة الإنسانية إلى عدة أقسام مختلفة في المستوى والتطور , تحددها طبيعة الإنسان المعقدة التركيب , وقد أشرنا سابقاً إلى سلم التطور وأنواع الوجود التي نعرفها من الفيزياء وحتى الوعي البشري , ولكنا لم نأخذ الجمال الإنساني ونلقي عليه الضوء لكشف جوهره وطبيعته وتركيبه وما الفوارق بينه وبين الجمال في الأماكن الأخرى.
إن الجمال بالنسبة للإنسان جزء من تركيبه الداخلي والخارجي , أي الشكل والمضمون , وصفات الجمال التي تحدثنا عنها في مكان اَخر تنطبق على الإنسان أيضاً وجمالياته , وبذلك فالإنسان جميل ومنتج للجمال المادي المحسوس و المفاهيمي أيضاً , وهنا ابتدع الإنسان الكثير من المفاهيم حول موضوع الجمال , بل وأبدع في إنتاج الكثير والواسع والشمولي , لتنوع مذهل من مواد الطبيعة وجمالياتها المذهلة والمبهرة للعقل حين إدراكها ذهنياً , حيث ترتقي من مستوى الغريزة العمياء لدى فطرة الإنسان الطبيعية إلى مستوى العقل والوعي والإدراك الذهني والروحي العميق , وبذلك تتعدد مراحل حركتها ورقيها من الأسفل إلى الأعلى في سلم التطور العقلي لدي الإنسان وملكاته الذهنية.
الجمال الإنساني الذاتي يتوزع في وجوده على النحو التالي
1 : الجمال الطبيعي الأول , , جمال الإنسان ذاته
2 : الجمال المنتج حسياً ,, مثل الفنون
3 : الإدراك الذهني للجمال
ويتشكل هذا الأخير من مراحل مختلفة مبنية على بعضها البعض ومتداخلة في فعلها ونشأتنا ويشترط الجديد القديم كمقدمة ضرورية لنشوئه , وهي من أسفل إلى أعلى على النحو التالي
ا : الإدراك الجمالي الحسي
ب : الإدراك الغريزي للجمال
ج : الإدراك العقلي والذهني المجرد للجمال
د : الإدراك الثقافي للجمال
ه: الإدراك العقائدي والأخلاقي للجمال
و : الإدراك النفسي والروحي للجمال
إن هذه المستويات من الجمال تتوج بأرقى أشكال الوعي الجمالي بغض النظر عن نوعية المفاهيم والبنية الفكرية التي نشأت عنها وهو الإدراك الروحي والمتعة النفسية التي يحققها الإنسان من خلال هذا الارتقاء الذهني بالجمال بحيث يؤدي الإدراك الحسي للجمال إلى الإدراك العاطفي الفطري الإنساني العميق ومنه إلى العقلي الذي يؤدي إلى الإدراك الذهني المجرد , وهذا الأخير يحملنا إلى حالة الشعور بالإنسجام الكوني , ويحولنا إلى جزء من الإنسجام الكوني الشامل حيث نصبح جزء من نسيج الكون والطبيعة , وهذا بدوره يحملنا إلى عالم المشاعر والنفس واليقظة الروحية العالية في أدراك الجمال الشمولي الصافي البعيد عن الغرائز والحاجات المادية المباشرة , لقد ارتقى من الغريزي المادي ووصل مرحلة بعيدة عنه في عمق الذات الإنسانية وتركيبها الذهني والنفسي الروحي المجرد والمعقد .
ولهاذا نجد أن ممارسة إنتاج الجمال من خلال الفن أو تذوقه والاستمتاع به يشكل جزء هام وأساسي من حياة الإنسان وشخصيته , ولو نظرنا إلى نشاطنا اليومي في الحياة سنتفاجأ أننا غارقين في الجمال ليس إلى الأذنين بل إلى ما فوق رؤوسنا , وإننا نتعرض له باستمرار ونخضع لتأثيره المباشر والغير مباشر وبشتى الطرق المختلفة , فكل حياتنا وأدواتنا المستخدمة منتجة أصلاً بشكل جمالي ما, إلى جانب حاجتها الاستعمالية المباشرة والمادية , ونسمع الموسيقى في كل مكان حتى في الجنازة والحزن والموت , ولو أمعنا النظر قليلاً سنتفاجأ من الكم الهائل الذي نتعرض له من المؤثرات الجمالية المنتشرة حولنا , حيث نبدأها من الطبيعة والبيئة الاجتماعية إلى كافة أشكال المنتوج الإنساني بما في ذلك السلوك والأخلاق والقيم الإنسانية , وحتى المبادئ والقيم فهناك قيم قبيحة وسيئة وهناك قيم جميلة وإنسانية وخلاقة وراقية , وبذلك نجد أن الجمال يغطي كل حياتنا بشكل غريب , وموروث حيث نرث مستوى تطور البشرية الفكري والمعرفي والقيمي حول كل شيء بما في ذلك الجمال , وكل ما له علاقة به , سواء الذاتية أو الموضوعية.
إن الجمال بالنسبة لنا يشكل نسيجنا الفكري والروحي والسلوكي و القيمي وليس من شيء في حياتنا خارج عن هذا الإطار الشامل لكل شيء في الحياة , ولو أمعنا النظر أبعد قليلاً سنجد أن (الإنسان يقضي حياته لاهثاً وراء الجمال من المهد إلى الحد) والإنسان منذ نشوء وعيه لذاته يبدأ بالاهتمام بشكله وبما حوله من جماليات ويتطور ذلك وينمو مع تطور وعيه ونموه , وبذلك يبدأ بتجميل شكله ونفسه ويستمر في ذلك حتى نهاية حياته , ويلتزم هذا التجميل والتعديل على الشكل بالقيم والمفاهيم والمقاييس الجمالية للعصر والمرحلة ويبقى في نطاقها كشيء موروث ليس من السهل التخلي عنه إلا تدريجياً في الغالب , وما الثياب وقصة الشعر وحلاقة الذقن وغيرها من الممارسات الإنسانية سوى فعل تجميلي نضيفه لشكلنا لكي يكون أجمل بحسب الذوق العام الدارج في العصر الذي نعيشه أو يعيشه المرء.
ولا بد في هذا السياق التذكير بأن الجمال الموضوعي المحيط بنا يشكل أساس منتجاتنا الفنية والجمالية , وذلك بحكم البيئة والظروف والاحتكاك والتأثر بسبب التعرض المتواصل للجماليات المحيطة بنا والتي نتواصل معها كل لحظة , مما يرسخها في الوعي الجمعي وإلا وعي الفردي كقيمة جمالية , ونلاحظ في جماليات الشعوب التراثية مدى تناغم الجماليات مع البيئة وتأثرها بها , فنجد الأزهار والنباتات الجميلة الشهيرة في المنطقة مثلاً مطرزة أو ملونة أو مجسمة بشكل ما على الثياب والكثير من الأدوات المنزلية والفرش وغيرها , وقد لا تكون الأجمل , ولكنها المفيدة أكثر من غيرها أحياناً بحكم الحاجة والمنفعة , المادية أو الروحية.
إننا في الحقيقة نعيش الجمال ونمارسه ونتذوقه ونتأثر به سواء كان ذاتياً أو موضوعياً , ولو نظرنا قليلاً إلى حياتنا , كيف نمارسها وما تحتويه من سلوك وأدوات ونشاط , فكلما قمنا بإنتاج شيء ما لا بد من دخول الجمال في سياقه بنسبة معينة , ويمتعنا دوماً النظر إلى ما ننتجه وما يحمله من قيم جمالية , والتأمل فيه وتذوق جماله , ولا نمل من ذلك مع التكرار بل يمتعنا دوماً , إن انفعالنا العاطفي الجمالي لا يفقد حماسه للجمال أبداً ومهما بلغنا من العمر نبقى مولعين بالجمال كقيمة وشيء مادياً وروحياً هاماً من الحياة , وجزء من ذاتنا ومفاهيمنا وأفكارنا ورؤيتنا للعلم وللأشياء , ولذلك نفكر في الجمال دوماً ونكاد لا نقتني شيء يخلو من الجمال بالنسبة لنا , وحين نذهب إلى السوق لشراء ثياب أو أي أدوات أخرى لن يعجبنا إلى ذلك الشيء الذي نراه جميلاً , بل الأجمل فنقول مثلاً إن هذا الحذاء أجمل من ذاك , إنه يناسبني , المقاس مهم أن يناسب حجمنا والحاجات الاستعمالية المادية الاستهلاكية ولكنها جميعاً لا توازن الجمال , حيث أننا حين لا نرى أن الحذاء جميلاً فلن نشتريه حتى لو كان مريح وذات مقاس مناسب ومتين الصنع , وأحياناً ألون وحده كفيلاً بأن يبعدنا عن شراء الشيء إذا لم يروقنا , فنقول أرى لونه ليس جميلاً وهكذا نرى أن نقص واحد في الصفات الجمالية المرضية لنا كفيل ان ينفرنا من اقتناء الشيء.
إننا نسعى باستمرار لاقتناء القيمة الجمالية ووضعها من حولنا لتضيف الجمال إلى حياتنا من خلال وجودها في محيطنا مما يتيح لنا تذوقها في أي لحظة نشعر بالحاجة إلى ذلك , ونسعى دوماً إلى الحفاظ على جمالنا الذاتي الجسدي والروحي وإبقائه في أبهى صورة , ولهذا نجمل انفسنا دوماً ونقص شعرنا ونهندم مظهرنا الخارجي ونسعى دوماً أن يكون أنيقاً وجميل , ولا ندعه وشأنه بل نضيف إليه ما نضيف ونعدل عليه ما نعدل ليلائم مفاهيمنا الجمالية العصرية السائدة اجتماعيا في المرحلة التاريخية التي نعيشها , بحيث نرث مفاهيمنا الجمالية كما نرث جناتنا الوراثية .
هذا من أهم الأسباب الذي يؤدي بنا إلى السعي نحو تعديل وتنسيق كل شيء من حولنا بشكل جمالي معين وتنظيم كل شيء يخصنا وفق هذا النسق الجمالي بما في ذلك ذاتنا وشكلنا الاجتماعي الذي يجب أن نكون عليه , من طول الشعر للإناث وقصره للذكور أو العكس , أو شكل الثياب الخاصة بكلا الجنسين , إن الجمال في النهاية هو الجمال ذاته ولكن المفهوم الإجتماعي للجمال هو ما يأخذه بالاتجاه الذي يرغب , وبذلك يبقى الجمال في النهاية طبيعياً , وأصيلاً فينا حتى نأخذه نحن إلى مكان اَخر وبذلك يصبح في سياق اَخر نسميه الفن أو التزين أو التجميل.
رماز الاعرج

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق