نظام لا يمكن اختراقه
بقلم نصر العماري
سجّلتْ اسمي ورقم بطاقتي وكل بياناتي على هاتفها الذكي. وأرسلتْ المعطيات في ارسالية، وتلقّتْ الموافقة والكُود. أخذت صورة للبيانات وحفظتها في ذاكرتها قبل أن تحفظها في ذاكرة الهاتف.رفضتْ أن استعمل الكمّامة القماشية . وأصرتْ على استعمال ذات الاستعمال الواحد. .ووضعتْ قوارير المعقمات بالقرب منّي. وألحّت على حمل واحدة صغيرة الحجم معي ، ودسّتها في جيبي ، مؤكدة على استعمالها. محذرة من الاختلاط والاقتراب ناصحة بالإقلاع عن ارتياد المقاهى ...
كانت تنتظر بفارغ الصّبر موعد التّلقيح وكانتْ تتابع اخبار الملقّحين، وتطلبُ لهم السلامة
وتُثني على رجال الصّحة الذين يشتغلون و يدققون وينظّمون الصّفوف، محترمين مبدأ الأولوية ، باعتبار أصحاب الامراض المزمنة والمتقدمين في السن والذين أهّلهم القانون أن يتلقوا التلقيح قبل غيرهم. فهم معرّضون للعدوى ولهجمات الفيروس الشرسة .
كانتْ حريصة أن تطّلع على علبة الارساليات وتتفقد محتواها كي لا يفوت موعد التلقيح.
وهي تُؤكد أني سأقومُ بالتلقيح قبلها، باعتبار فارق السّن بيني وبينها واحترام مبدأ الأولوية
وكانت راضية مستسلمة منتظرة...
وفجأة، صرختْ لاعنة رجال الصّحة من وزيرهم إلى صغيرهم، و كل من ساهم وعاون وساعد على خرق نظام التلقيح ومبدأ الأولية . كانت تستشيط غضبا وهي تؤكدُ وتقسمُ أن كل شيء في هذه البلاد يُدار بالرّشوة والمحسوبية . حتى التلاقيح التي تبرع بها أهل الخير من الكفار...
حاولتُ كبح جماح غضبها واستطلاع الامر. وأدركتُ أن روحي تخاف عليّ أكثر من خوفي على روحي وعلى روحها. وأدركتُ أن النساء لا يفوتهن شيء. وأنّها لمحتْ صورة أحد الملَقحين وزوجته على صفحات الفيسبوك . وأدركت أنهما فاقدان للأولوية وأنّهما لم يكونا من أصحاب الأعذار وأنهما أصغر منّي سنا.
صرخت في وجهها أن تهدأ سائلا: بالله عليك كيف عرفت أنّهما أصغر منّي سنّا ؟
قالت: كنّا ندرس في نفس الفصل وفي نفس المدرسة .
قلت : ولو هذا ليس دليلا قد يكونا مصابين بمرض مزمن
ردّت وهي غير مقتنعة: بل هما "أصح منّي ومنّك" ولكنّهما من أصحاب الجاه وأنهما يتبجحان بقدرتهما على خرق النظام.
قلتُ: يا حبيبتي ، لا عليك إن نظام الموت والحياة لا يمكن اختراقه. انسيت قوله تعالى:
( فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ ) وقوله تعالى ( وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا ).
فانتحت جانبا من قاعة الجلوس وهي تردّد "الحمد لله ... هذا النظام لم يستطع أصحاب النفوذ اختراقه ... ". ولم ادر ماذا كانت تتمتم ...
وظننها هدأت لكنّها التفتتْ نحوي قائلة: "والله كنت أودّ ..." ثم سكتت...
فسألتها : "تودين ماذا؟... قولى لا عليك..."
قالت وعيناها في عيني وكأنها تحاول اقناعي : " لو اعطينا خمسين دينارا أو حتى مائة لابن جارتنا علجية ...قيل لي أنه مسؤول عن التلاقيح"
فردّدتُ "اللهم اني صائم" اعدتها ثلاثا وتوجهتُ الى دورة المياه لأتوضأ فقد حان موعد صلاة الظهر...

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق