الخميس، 29 أبريل 2021

على دروب الجمال /رماز الاعرج /مؤسسة الوجدان الثقافية


 دوما لنا مع الجمال لقاء و ميعاد

****على دروب الجمال ****الشيفرة الكونية
تحية الصباح الجميل والعطر ,
فلسفة الفن و الجمال (فنجال)
رماز الاعرج
(الحلقة الرابعة عشر)
*****
الفصل الخامس
1 : التذوق الجمالي والفني :
كثر هي الإلتباسات بين الفن والجمال وعلق في شركها الكثير من المفكرين والفلاسفة والباحثين وما زال سواء بقصد او غير قصد , ولا لوم عليهم , لبلاغة تعقيد الموضوع وإمكانية حدوث الإلتباس مع أي مفكر , فالفن والجمال يكادان يبدوان كوجهين لعملة واحدة للوهلة الأولى , ولولا القدرات العقلية المتطورة للإنسان لما استطاع التميز بين الجمال والفن , فالفن هو أحد أشكال الجمال في النهاية , ولا يمكن تصنيفه خارج هذا السياق , وقد فصلنا الموضوع في فصل سابق ونذكره هنا كخلاصة ضرورية قبل الدخول في التذوق الجمالي والفني لكي لا نقع في ما وقع به الكثيرين على قدر الإمكان.
دعنا نعود قليلاً إلى الجذور الأصيلة للجماليات ونكمل البناء عليها كي لا تبقى بلا أساس , ولنعود إلى سؤال قديم جديد , هل تتذوق الحيوانات الجمال وهل تشعر به ؟ وما هي طبيعة هذا التأثر بالجمال ؟
الجمال والفن أصيلين في الطبيعة ومن أبرز صفاتها العامة والشاملة , ولو عدنا قليلاً إلى كتاب الشيفرة الكونية لنلقي نظرة على الصفات الضرورية لمفهوم القانون فسنجدها مطابقة تماماً لمفهوم الجماليات ولو بحثنا عنها في أي شكل من أشكال الجماليات سنكتشف وجودها بوضوح في تركيبه الداخلي العميق والخارجي , مما يعني أنها من صفات الأشياء الداخلية , وهذا معناه كنتيجة أن الجماليات ووجودها ليس دخيلة بل أصيلة في الوجود وليس من صنع الإنسان , بل هي قانون أصيل من قوانين الوجود الكوني العام فهي تحتوي على ( التناقض والتوازن والشمولية والإيقاع والوحدة والترابط الداخلي) إن هذه جميعها من قوانين الواقع الأساسية أيضاً , وبما أن الجماليات ليس الشيء نفسه بل صفات للأشياء , ولكنها تصل إلى الأهمية الوجودية الضرورية أيضاً , ويصل غياب بعضها إلى عدم إمكانية وجود الشيء أو استمراره في الوجود , فهي ضرورة من ضرورات وجود الشيء.
وليس مجرد صفة خارجية عابرة , ولكن اختلافها يكمن في أنها خاضعة لمستوي تطور الأشياء , وهذا معناه أن وجودها مختلف في مستويات تطوره , والتفاعل معها سيكون مختلف أيضاً , فهناك الكثير من الأشياء والكائنات لا تتأثر إلا بما يخصها وحسب من جماليات , والكائنات الحية لها خصائصها في هذا , كلا حسب تطوره بما في ذاك الإنسان وهو أكثر الحيوانات على الأرض تطوراً عصبياً ودماغياً , وبذلك يصبح مفهوم الجماليات إنتاجاً وتذوقاً في مساحة جديدة متطورة ومعقدة لدى الكائن البشري.
وهذه المساحة هي مقصدنا الاَن وعلينا أن نركز في دروبها الإنسانية الشائكة الغريبة الأطوار والغارقة في النسبية والرؤية المختلفة باختلاف الثقافات ومستوى التطور والمعرفة لديها , حيث الوعي الاجتماعي يضع الجماليات في قالبه الموروث وتصبح إمكانية توحيد الرؤية الجمالية في معيار واحد غير ممكنة , حتى وإن جمع ما بينها الإطار العام للجماليات وأصول المصادر , وفي حالة الوعي الإنساني , تصل الجماليات إلى مكان متعدد المستويات في التعقيد حيث تدخل الحواس كشرط أولي لتحقيق الإحساس بالجمال ومنه إلى العقل والتجريد الذهني المعرفي المقارن والمميز بين الأشياء , ومنه تنتقل العملية إلى الشعور العميق بالجمال والوجدان (تلك الحالة الشعورية التي يصل إليها المتلقي أو المتفاعل مع الموضوع)
ان هذه الحالة التي يصلها الانسان تعكس مدى أصالة العمل من حيث قدرته على إختراق جدار الوعي إلى عمق النفس , إلى ألا وعي حيث المخزونات الفطرية الطبيعية الأولية , وإثارة العواطف الجمالية الإنسانية بطريقة راقية وأكثر تجريداً من سياقها السابق , فالشعور الذي ينتج لدينا كبشر يختلف في تطوره عن المستوى الذي كان به في أصوله حيث انتقل الاَن إلى مرحلة جديدة , وهي مرحلة الوعي والتفاعل والإدراك العقلي والحسي والعاطفي الإنساني للموضوع , وليس أي نوع من العواطف بل ذلك النوع الواعي لذاته وللموضوع وعياً غريزياً وحسياً وعقلياً وعافياً وأخلاقياً معاً .
إنه التذوق والتفاعل الإنساني مع الموضوع , إن اجتماع مستويات الجمال جميعها في شيء واحد لا نجده سوى لدى الإنسان العاقل , وهو من خواص الوعي البشري وتفاعلاته , ورغم أن الجماليات سواء كانت طبيعية أولية أو من الدرجة الثانية الغريزية أو الثالثة المدركة عقلياً ووجدانياً وعاطفياً كما هو الحال لدى الإنسان , فهي جميعها في النهاية لها بعدها الإدراكي العقلي الشعوري المميز لها في مستوى تطورها , بحيث لا يصل مستوى الذوق الطبيعي الغريزي إلى التذوق الانساني , وبإمكاننا أن نلاحظ أننا نميز حتى لغوياً بين الذوق والتذوق , حيث أننا نقول ذقت الطعام أو الشراب , ولا نستعمل كلمة تذوق في التعبير الغريزي , ونخص مفهوم التذوق للأشياء الشعورية أي الناتج الشعوري الوجداني وليس الحسي المباشر , فنخص الجماليات بالتذوق , حيث نحدد الحالة الشعورية تحديداً دقيقاً لتعريف النتيجة الشعورية الجمالية الحاصلة بعد أو أثناء التلقي , ونطلق على هذه الحالة التذوق الفني والجمالي , وهي لدى الإنسان حالة ومتطورة ومعقدة من حالة التذوق الجمالي يمتلكها الإنسان العقال لوحده دون سواه من الكائنات , الحية.
نرى بوضوح ان التذوق الجمالي والفني هي حالة عامة وشاملة يعيشها ويشعرها كل نوع ومستوي تطوره , تماماً كما حالة إنتاج الجمال الطبيعي الثاني والغة وغيرها حيث تبدأ عملية التطور من هذا المستوى من تطور الوجود وما فوق , أي الحالة الإنسانية التي نحن بصددها الاَن في سياقنا , ونحن نتذوق الجمال في جميع حالاته الموجودة التي نعرفها , ورغم أننا نميز بين ما هو طبيعي ووسيط وثالث وهو تذوق منتجنا الجمالي البشري ( الفن) وهو من أرقى وأعقد أشكال المنتجات الجمالية التي نعرفها على الإطلاق , وبذلك تصبح عملية تذوقه من أكثر أشكال التذوق الجمالي تعقيداً وثراء بالقيم الجمالية المتنوعة والشاملة لكل مظاهر الشيء وجوهره معاً مما يجعلها بالضرورة حالة شمولية من الأحاسيس والمشاعر الحدسية الجمالية العميقة المطلة على ظاهر الشيء وباطنه سوياً , وتحقق الشعور بالإنسجام الكوني العظيم بين الإنسان والكون , ويصبح في حالة من التناغم الكوني الشعوري وينتقل إلى مرحلة الإيقاع الشمولي للحياة والوجود الكوني , فنصبح حالة من حالات الإندماج الكوني الشعوري بل نصبح جزء من هذا الكل الكوني .
كما أن الجمال هو صفات للأشياء وليس الأشياء ذاتها نجد أن التذوق الجمالي شيء مختلفاً عن الجمال , إنه الطريق إلى الشعور بالجمال , وينقسم إلى قسمين , الجانب الحسي الملموس المتعلق بالحواس وعملها وفعاليتها , والجانب الشعوري الناتج , أي أنه شيء مركب بين الممارسة والنتيجة (الشعور الجمالي) ويعتبر هذا الشعور من معايير الجمال الأساسية , لدى جميع الفلاسفة والمفكرين على اختلاف اتجاهاتهم الفكرية , ولا نجد مفكراً يستبعد الشعور العفوي بالجمال خارج عملية التذوق , فالتذوق هو أصلاً شعور محض وهو نتيجة هنا في هذه الحالة , وهذه النتيجة في حال إدراكها وفهمها عقلياً وعاطفياً ستصبح سبب من أسباب السعادة التي يحققها الإنسان ويسعى إلى تحقيق أكبر قدر ممكن منها بلا انقطاع عن ذلك ما دام حياً وعاقلاً ومدركاً لذاته.
نستنتج من هذا أن التذوق هو حالة شعورية وجدانية في النهاية تتحقق بشروط معينة , فما هي هذه الشروط وكيف تتم هذه العملية المعقدة وما هي مراحلها وكيف نصل إلى هذه المراحل تباعاً , ولكي نبقى على صلة ذهنية حاضرة بتأثير الجمال وأسبابه نعيد تذّكر صفات الجمال الأساسية السبعة وهي
(1 , الوحدة الداخلية والتماسك. 2 , التناقض . 3 ,التوازن. 4 , الإيقاع. 5 ,الإنسجام الداخلي والخارجي. 6, الإتقان والدقة والنظام. 7 , الحركة والتجديد ) طبعا يحمل الفن الجمال ويخضع لنواميس الكون الشمولية جميعها مثله مثل اي شيء موجود
وهنا تظهر الكثير من التساؤلات على السطح , لنأخذ أبرزها
1 : كيف ندرك الجمال ونتذوّقه ؟
2 : ما هي مصادر الشعور بالجمال؟
3: ما هو الشعور الجمالي ذاته؟
ولكي لا ندخل في التباس لنأخذ هذه الأسئلة كلاً على حدى ونجيب عليها تباعاً كما هي واردة أعلاه
1 : كيف ندرك الجمال ونتذوّقه ؟
يمر الجمال بعدة مراحل حتى الوصول إلى مرحلة التذوق والتعبير عنه , ويظهر هذا الإنفعال الشعوري والعاطفي على مظهرنا الخارجي في الغالب , كما يحصل في حالة الطرب لسماع الموسيقى أو غيرها من حالات التذوق الصوتي , وقد يرافق ذلك حركات تعبيرية على الوجه والجسد أحياناً بحيث يهتز بطريقة معينة تتناغم والإيقاع اللحني المسموع الاَن , وبذلك يدخل المتلقي في حالة الإنسجام الكوني لا شعورياً مروراً بالوعي الخارجي , حيث يأسرنا شجى اللحن ويحملنا بعيداً على دروب الحن والمغنى , حيث تمعن الأشياء كلها في الفراغ وخلف المشاهدة البصرية , حيث ننتقل إلى عالم من الخيال الممزوج بكل معاني الطبيعة الجمالية وذكرياتنا الكامنة في أعماقنا أصيلة ومكتسبة معاً .
إن التذوق يجب أن يمر عبر مراحله الطبيعية في الغالب وإلا يبقى منقوصاً وغير مكتمل , وتبدأ العملية من مستواها الأول وهو المستوى الحسي , أي المنقول لنا عبر الحواس سواء كانت بصرية أو سمعية أو غيرها , ولكل حاسة لدى الإنسان مساحتها الجمالية وطبيعتها , وهي واضحة الفوارق بينها ويعتبر البعض منها أرقى وأكثر تطوراً وتعقيداً عن الاَخر , وحاسة الذوق مثلاً هي حاسة غريزية وبدائية , ولا نستعمل تعبير تذوقت الطعام بل نقول ذقت , ولا نقول جميلاً عن مذاق الشيء بل نقول لذيذ أو جيد أو حلو أو مالح أو حامض ولكنا لا نقول أبداً أنه طعم جميل , ونلاحظ أيضاً أنه نادر ما يستعمل بهذه الطريقة حتى مجازياً , وذلك لعدم انسجامه منطقياً مع طريقة تفكيرنا ومقاصدنا.
نلاحظ أن لكل حاسة من الحواس معيارها الجمالي , و تعابيرها الخاصة وإلا ضاعت البوصلة (وتهنى في دروب الجمال المجنونة , الوعرة المسالك والمليئة بالورود والرياحين والأزهار والألوان والألحان) وتجدر الإشارة هنا إلى أن القبيح سيظهر معنا كمعيار مناقض للجمال ودائم العلاقة به في وعينا , حيث ندخله كمعيار إضافي مقارن و ضروري للوصول إلى النتيجة أن الشيء جميل , أي عكس القبح , ولكنا لا نقول ليس قبيحاً بل نقول جميل وحسب , وفي أسوأ الأحوال نقول ليس سيء , ونصنف الجمال ونعطيه عدة مستويات ممكنة وواقعية محتملة , وقد تختلط أحياناً ونتذوقها معاً .
( 1 : الذوق. 2 : اللمس. 3 : الشم . 4 : السمع . 5 : البصر.6 : الحدس الأولي. 7 : الذاكرة الأولية .)
ومن أجل إدراك هذه المستويات لا بد من مرورها عبر مراحل حسية معرفية متنوعة ترتقي من الأسفل إلى الأعلى
( 1 , الحواس. 2 الذاكرة الأولية. 3 , الإدراك.4 , الحدس الأولي .5 , المعرفة والذاكرة الذهنية. 6 ,الشعور والوجدان العاطفي. 7 الحدس الذهني المركب .)
وهذه الأخيرة مجتمعة وضرورية لتحقيق المستوى المرغوب فيه من المتعة الجمالية . وهنى يحضر السؤال التالي
ما هو الشعور الجمالي ذاته ؟
هذا ما سنجيب عليه في العونان القادم
رماز الاعرج

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق