الأحد، 25 أبريل 2021

خسرنا الانتخابات لكن....راضية قعلول/مؤسسة الوجدان الثقافية


 خسرنا الانتخابات لكن....

أوّل مرّة التقيت بها وجها لوجه كانت في لقاء إذاعي بمناسبة الحملة الانتخابية، أوّل من أعطاه الكلمة المذيع أنا فبدأت الحديث بكلّ ثقة في النّفس:
ــــ أنا كما تعلمون مرشح مستقل، سياسة بيع الوهم ليست من مشمولاتي... أنا من أولويات برنامجي الانتخابي ... نظافة المدينة والعناية بالمناطق الخضرا والحدائق العمومية، كذلك سأعمل على تعبيد الطّرقات وتجديد الطّروقات القديمة، وسأعمل أيضا على تزويد كل البيوت بالغاز الطّبيعي، ولن أنسى الشباب سأعمل على إحداث مسبح بلدي بمواصفات دولية، كما سأعتني بالملاعب خصوص الملعب البلدي سأعمل على تعشيبه.
قطع المذيع مداخلتي وأعطى الإشارة للآنسة فابتسمت ساخرة وردّت بلهجة جعلت الدّماء تحترق في عروقي:
ــــ أوّلا أنت غواصة لحزب معروف يريد وهذا لا يهمّني، رجاء يكفي من الكلام في الرّيح راه الحملات الاذاعية بفلوس الشعب !.
أنا إذا يأتي عليّ يوم وأمشي في طريق نظيفة وعلى جانبيه صفين من المنازل في نفس المستوى مع القليل من نبتات الزينة والشجيرات الجميلة، ولا أرى كلّ يوم جدار من الآجر العاري في غير مكانه وقتها أقول صرنا قوما يحترم مثال التهيئة ههههه قالو مثال تهيئة منتهي الصلاحية ومسبح يا ريت يكون عنّا في كل حي بطحاء يلعب فيها أطفالنا.
من يومها أعلنت الحرب ضاريّة طاحنة بيننا، تعارضت أفكارنا، واحتدّت النقاشات بيننا، واشتدّ الصراع بيننا وأدار رحى حرب التد وينات الفاسبوكيّة جمع من رفاقي المتخفيين خلف شاشات الحسوب.
وللأمانة كانت هي تفوقني هدوء و رصانة وأخلاقا وحصافة رأي، كنت متعجرفا شتّاما متمسّكا برأي حدّ الجنون، وكانت مؤمنة بأنّ السّياسة أخلاق أو لا تكون وكان هذا مثيرا لسخريتي، أ في بلادي ستنجح سياسة الأخلاق؟؟؟
صرّحت مرّة في مقابلة صحفيّة، بأنّها شغوفة بالتّصوير الفوتوغرافي، وقالت أنّها إذا خسرت الانتخابات فسوف تتخلى عن كل شيء وستسافر لتتجوّل في إفريقيا خصوصا إفريقيا الاستوائية ومنطقة الرّأس الأخضر فهي مهووسة بالطّبيعة البكر في هذا الرّكن المتوحش من العالم.
وجدت أسلوب الحياة الذي تحدّثت عنه سخيفًا لأنّه عكس أسلوب حياتي، وأعتقد أنّني شعرت بالغيرة منه بطريقة ما، بصراحة كنت أغار منها بصفة غير معقولة... أغار من فصاحتها، من حضورها الميداني، من أسلوب تواصلها مع الآخر، وخصوصا من شخصيتها القويّة الجذّابة فهي قياديّة بامتياز " امرأة قادرة" وشعرت بالقهر يوم نعتها أحد رفاقها في تدوينه
" سوزان بطاريّة دوراسال متع الانتخابات"
فزت في الانتخابات بأساليبي ... وانهزمت.
تمّ تعييني نائبًا لرئيس بلدية مدينة كبيرة وبعد مدّة، ولأنّ رئيس البلديّة كان مسنًا ومريضًا استقال، فتوليت أنا رئاسة الرّئاسة.
كانت مسيرتي السّياسية واعدة للغاية، وبدأ حلمي يكبر، وطموحاتي تتضخّم خاصّة و قد اكتسبت خبرة، ولي أذرع تكمن مصالحها في ارتقائي السّلم بيسر وسلاسة.
لكن مشكلتي العويصة التي لم أتوقعها هي أنّ هذه المرأة الحديدية الشّرسة بقيت عالقة في ذهني، بل هي تسكنني، تؤرّقني وتعذّبني دون رحمة، كلّما أقول يجب أن أنساها حتّى لا تحطّم حلمي، أجدها تحتلّني، ربحت الانتخابات، وهزمني صوتها فيّ.
عدت إلى صفحتها على الفاسبوك ومقابلاتها التي انتقدتها، وسخرت منها، بدأت في إعادة قراءة برنامجها الانتخابي، وجدت نفسي أقرأه بشكل مختلف، تفطّنت إلى أنّ لدينا العديد من النّقاط والقيم المشتركة، بل هي أكثر ممّا كنت أتخيله.
كانت تنشر بانتظام صور رحلاتها على صفحتها، أدمنت تتبع أخبارها و مغامراتها، كتبت أنّها ستمضي ثلاثة أيّام في جزيرة ساوتياغ وستزور مدينة برايا عاصمة جمهورية الرّأس الأخضر، كان ذلك أحد أحلامها في السّفر، فهي تتمنّى ركوب قوارب الصيّادين ومعانقة مياه المحيط الأطلسي التي وجدتها رائعة في الصّور.
في ذلك المساء لم يغمض لي جفن، تساءلت كثيرًا عن مستقبلي المهني، تساءلت لماذا أفعل هذا، وماذا أريد؟؟؟ ...
في صباح اليوم التّالي، وضعت خطاب استقالتي في صندوق بريد عملي وفي نهاية الصّباح كنت على متن طائرة متجهة إلى برايا (العاصمة) إلى آخر نقطة في القارة السّوداء.
بحثت عنها طوال فترة ما بعد الظّهر لكني لم أعثر عليها، وفي اليوم التالي دون أن أعرف السّبب حقًا لاحقتها، ألفيتها تقف على صخرة بركانيّة شاهقة تتأمّل المياه اللازردية لساحل ديل تيدي في تيني ريفي.
كانت على وشك تصويرها عندما مسكتها من خلف، وأنا أهمس: الآن «أفهم سبب رغبتك في تصويرها " إنّه أمر لا يصدق، جمال خرافيّ... مذهل لم يكن يخطر ببالي.
صمت رهيب ساد المكان، نظرات فيها: فرح... عجب... شوق... ثم سرت بشكل عفوي للغاية ، كأنّني أحرر نفسي من ثقل هذه المرتفعات البركانية الرّاسية على كتفيّ قلت:
ـــ تذهبين إلى حيث تريد ين على هذا الكوكب، لكنّني سأكون معك. الآن، لا شيء آخر يهمني أحببببببببببك.
انتهينا من جولة أفريقيا معًا وعندما عدنا انتقلنا لنعيش معا، تزوجنا زواجا بسيطا حضره بعض الأصدقاء والأقارب والآن لدينا طفلان جميلان. خسرنا الانتخابات لكننا فزنا بحب العمر.
هههههههه هل صدّقتم إنّها قصّة من وحي الخيال فأنا ما زلت أعزب وأعشق الكتابة عن السّياسة والسّياسيين...
راضية قعلول{ مجموعي القصصي امرأة بنصف وجه}

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق