الأربعاء، 21 أبريل 2021

على دروب الجمال /رماز الاعرج/مؤسسة الوجدان الثقافية


 **** على دروب الجمال ****الشيفرة الكونية ..

تحية الصباح الجميل والعطر ,
علم الجمال
(الحلقة السادسة )
2 : الجمال في الطبيعة أولاً:
لقد سبق وأشرنا إلى أن الجمال من الصعب وضع معايير معينة له , وقد حار المفكرين والفلاسفة في ذلك , ولكن هذا لا يمنعنا من البحث عن صفات الجمال العامة وما هو مشترك بين كل ما نطلق عليه جميل , والجمال مفهوم مركب وهو تعبير يطلق ليس على صفة واحدة , بل جملة من الشروط والمواصفات التي وجب توفرها في الشيء , وحينها يمكننا القول أن هذا جميل أو قبيح , وقد سبق وتطرقنا لشيء من هذا القبيل في فصل سابق ولكنا هنا بصدد التوسع في نقاش هذا الأمر ومتابعته لآخره ,
فما هي صفات الجمال المجرد ؟
يتكون الجمال المجرد من
1 : الوحدة الداخلية
2 : التناقض
3 : التوازن .
4 : الإيقاع .
5 : الانسجام الداخلي والخارجي.
6 : الإتقان والدقة والنظام .
7 : الحركة والتجديد.
هذه النقاط السبع العامة وقد يضيف اَخرين عليها شريطة أن يكون المضاف ذو شمولية عامة , أن هذه الصفات بالضرورة أن يشملها كل ما هو جميل كحد أدنى , وهذه جميعها من مواصفات أشياء الطبيعة , ولو تلفتنا إلى ما حولنا من بقايا الطبيعة سنرى بوضوح أن أي وحدة من موجودات الطبيعة تشمل هذه المواصفات جمعها , من أصغر الاشياء إلى أكبرها , ولو أخذنا أي شيء أو كائن حي سواء كان نبات أو حيوان وتأملنا به بحثاَ عن ما ذكر من صفات عامة مبدئية ,حتماَ سنجدها وبكل وضوح وبأشكال متعددة , منها الظاهرة ومنها الخفية , وأي شيء أو ظاهرة طبيعة صامته أو حية مثل النبات والإنسان والحيوان , أو أي منتج إنساني أو فكري اَخر بما في ذلك المنتجات الفنية والجمالية , إنها مواصفات طبيعية للطبيعة والأشياء جميعها في شكل وجودها كوحدات.
وهذا معناه إن كل شيء جميل , ومعناه أن لا شيء في الوجود يخلو من الجمال فيما لو أخذناه كوحدة , ولا وجود للقبيح بشكل مجرد منفرد ولا الجمال كذلك , وليس القبح سوى تعبيراَ عن ضعف وتدني المواصفات الأساسية للجمال أو جزء ما منها , فغياب بعضاً منها أو ضعفه سيقلل من القيمة الجمالية للشيء , مثل غياب الانسجام بين عناصر الشيء في شكل وجودها وعلاقاتها , أو غياب التناقض مثلاً , أو الإيقاع , أو غيره.
وهذا ليس اعتباطياً بل حقيقة جمالية حتى في الحيوانات , فالعصفورة تسمع وتطرب وثم تعجب ثم تغرم وتصبح عاشقة لذلك الذكر صاحب الصوت الأجمل , أي الأكثر غناء بمواصفات الجمال في صوته أولاً ثم ألوانه وقد تكون حركاته أيضاً وتأتي المواصفات الوراثية الأخرى .
نلاحظ بوضوح في الطبيعة , إن جميع الحيوانات والطيور والحشرات والزواحف لها طقوسها الجمالية في ممارسة حياتها ونشاطها , وفي الحب نرى ذلك أكثر وضوحاً لدى غالبية الكائنات , وهذا تحديداً ما جعل بعض النظريات تصل إلى اعتبار الجنس هو الدافع الأساسي لإنتاج الفن لدى الإنسان , ومثال قريب على هذا رؤية فرويد عالم النفس النمساوي الذي اعتبر أن جميع دوافع الإنسان ذات بعد جنسي بما في ذلك التذوق الجمالي والفني.
اتضح لنا الان مواصفات الجمال في الطبيعة , وهي موضوعية في وجودها ولها أثرها على كل الأشياء , ولكن بتفاوت بين شيء و اَخر وظاهرة وأخرى , وكلما ارتقى الشيء في تطوره ارتقت معه طبيعة التأثير ونوعيته , بداية من الحشرات وعلاقتها بالأزهار , حيث ينتج الزهر اللون والشكل الملفت والمحبب للنحل ليجتذبه إليه ليحقق نشر رحيقه , وإلى الطيور والحيوانات حتى الوصول إلى الإنسان , العاقل والوعي وتعقيداته , وفي كل مستوى من هذه المستويات للوجود نجد للجمال وقيمته وتذوقه وطابعه الخاص وتفاعلاته الخاصة به , بل كل نوع له خصائصه على هذا الصعيد التي تتلاءم وتنسجم مع حقيقة وجوده وطبيعته.
في الحيوانات والكائنات الأخرى معلوماتنا ضحلة للغاية على هذا الصعيد , حيث لا نكاد نتفهم وندرك ما لنا نحن على فما بالك على مستوى الأشياء الخارجية الأخرى ,,, إننا ما زلنا في الطفولة بما يخص موضوع المعرفة الإنسانية الحقيقية عن ذاتنا وهنا تكمن المعضلة الرئيسة في فهم موضوع الجمال ( فنحن نمتلك مورث فكري وثقافي يغيب القدرة على سبر أغوار الحقائق في مهدها وموطنها , ويتركنا عالقين في مكان ومساحة لا يمكن تجاوزها , قبل تجاوز هذا المورث والانطلاق من الواقع ذاته لاكتشاف الحقائق بدل إسقاط مفاهيمنا إعتباطياً على الواقع).
كيف يؤثر الجمال في الأشياء وما هي هذه المعايير الأساسية الحسية الذاتية التي بناء على أثرها نصدر الحكم الجمالي على الأشياء , فما هي المسببات لهذا الشعور ومن أهمها
1: الدهشة والتعجب .
2: المفاجأة .
3 : التأمل .
4 : الشعور بالجديد.
5 : انفعال مركب بين الدهشة والعجب .
6 الشعور بالرضى و الإنسجام مع الموضوع , والرغبة في استمراره وتكراره .
هذه جميعها تشكل مصدراً للسعادة والرضا الفني والجمالي , أي تحقيق المتعة الحسية والروحية عبر التفاعل مع الموضوع الجمالي أو الفني , سواء كان إنتاج أو تلقي وتذوق , ونتيجة هذا التفاعل الذي يدخلنا في عالم غريب الأطوار من الأحاسيس والمشاعر المعقدة المركبة العصية على الفهم والتفسير مباشرة.
إن هذه الانعكاسات المذكورة لها أثرها في المتلقي أي كان نوعه , ما دام من ضمن الأشياء الحية والمتنقلة وذات جهاز عصبي متطور يشمل عدة حواس من أهمها البصر والسمع , وذلك لتحقيق المعرفة و الادراك والتذوق والإعجاب , أي في النهاية تحقيق شيء من السعادة التي يشكل شعورنا بها أهم عامل من عوامل شعورنا بالوجود , حيث ينقلنا التذوق الجمالي إلى عالم جديد ومتجدد مدهش مفاجئ يشعرنا بعمق وجودنا ويدخلنا لنصبح جزء من الكل العام حيث نصبح في لحظة ما جزء من الموضوع وجزء من الطبيعة وانفعالاتها الحسية والوجدانية العميقة , وبذلك نحقق قدراً أكبر من السعادة عبر تحقيق انسجامنا مع الوجود الكلي المتبادل في علاقة أشياء الطبيعة و كل ما تحتويه وعلاقته بعضه ببعض وتفاعلها المتناغم ,, في إيقاعاً وانسجاماً أزلياً شاملاً لجميع التناقضات دامجاً إياها في شيء واحد مدهش نشكل نحن جزء منه .
إن السعادة ليس شيء مادياً محسوساً بقدر ما هي نتاج لإنعكاس الواقع وتأثيره على الكائن المتلقي المفترض , حيث ينتقل به التأثر بالجمال إلى حالة وجدانية شعورية من الوجدان الكلي الذي يحقق الإنسجام مع الوجود الكوني العام ونصبح جزء متفاعل منفعل وفاعل في النظام الكوني الشمولي , ويدخلنا به لنصبح جزء من هذا الإنسجام الكلي المتناغم , حيث نصبح جزء من الطبيعة والوجود في تفاعلها وإيقاعها , وهذا تحديداً من أهم أسرار إمكانية تحقيق مساحة أكبر من السعادة , التي هي في النهاية نتيجة لتحقيق انسجامنا الكوني العميق بالوجود وتفاعلنا معه كجزء من كل وليس شيء فوق الكل .
وهنا تحديدا يكمن مأزق الانسان في تحقيق السعادة وتفهم معناها ووجودها كجزء من كيانه وتركيبه الداخلي .
إن جهلنا للحقيقة الجمالية يجعلنا نعيش حالة من الشعور بالملل من الحياة والهث الدائم خلف تحقيق شيء نحن نجهل مصدره وأصوله , وهذا يجعلنا في ورطة عدم القدرة على تحقيق الشعور بالرضى , على الرغم من تحقيقنا للكثير من ما نحب ونرغب , فالجمال ووجوده في حياة الكائنات الحية كحالة من الانسجام والتفاعل الطبيعي مع الوجود , يشكل جزء هاماً من حاجتها الوجدانية الشعورية , فهو المدخل إلى تفاعلها مع الحياة بطريقة مرضية ومريحة تحقق شعور بالرضى والانسجام مع الحياة , ولذلك نجد أن الكثير من المفكرين يعيشون زهاداً في الحياة تاركين ورائهم الكثير من ترف الحياة مكتفين بالمتع العقلية التي يحققها لهم إنتاجهم الثقافي من سعادة ورضى عن الذات , وبإمكاننا أن نرى الاَن بوضوح مدى حساسية مفهوم الجمال في الكون والحياة كجزء هام وأساسي من الوجود والطبيعة والواقع .
إن الجمال والفن والسعادة ثلاثي لا يمكن فصله إطلاقاً وذلك بحكم العلاقة الشرطية بينها , فالجمال والفن على علاقة سببية بالسعادة وتحقيقها من خلال الممارسة والإحساس وليس الوهم كما يحاول البعض اعتبار السعادة مجرد وهم مادي لا يمكن تحقيقه ( شوبنها ور مثلا وغيره من التشاؤميين ) ويمكن تحقيق السعادة من خلال الوقائع الجمالية الموجودة في الطبيعة والحياة , وما الجمال سوى إحدى أشكال التعبير عن انسجام الحياة وتناقضاتها وتفاعلها وبذلك فهو مصدر هام من مصادر السعادة , بل إن السعادة من أهم غايات الجمال , وهذا يقودنا إلى أن القضايا الحسية الجمالية تنقلنا إلى حالة من الوجدان والشعور بالوجود الكلى المتناغم فنصبح جزء من كل في شعورنا وإدراكنا لهذا الوجود.
إن للجمال غاياته الطبيعية المتأصلة في الطبيعة والوجود ويرتقي مع إرتقاء الظواهر وتتعقد غاياته وأهداف تحقيقها من الغريزة والإدراك الغريزي المحض إلى الوعي والوجدان ( الشعور الكلي بالوجود) للذات الواعية المدركة لذاتها , التي تحتوي وتشكل أرقى شكل من أشكال الوجود الذي نعرفه حتى الاَن وليس هذا الشعور إلا جزء من الوجود وتفاعله ,,, ونحن جزء من هذا الوجود الكلي .
الخلاصة التي وصلناها يمكن اختصارها في
أولاً : إن الجمال والفن هما نتاج طبيعي محض , وجزء من الطبيعة بالأساس وليس ضعف رؤيتنا لحقيقتها سوى جزء من العمى الذهني المسيطر على عقولنا في رؤيتنا للأشياء والواقع , وهذا ليس ذنبنا حقاً , ولكن ذنبنا أننا لا نريد أن نرى غير ما ورثناه ونعتبره هو الحقيقة بعينها بلا منازع ولا يمكننا رؤية شيء أو إدراكه عقلياً ومنطقياً خارج هذه الأرضية الموروثة المهترئة ,
ثانياً : إن الجمال والفن على علاقة لا يمكن فصلها , وإن الجمال هو مصدر الفن الأساسي , وليس الفن سوى شكل وتجلى من تجليات الجمال وظواهره ,
ثالثاً : إن السعادة هي الغاية النهائية للجمال وليس المتعة بحد ذاتها , وهناك فارق كبير بين المتعة والسعادة , فالمتعة سريعة وزائلة بينما السعادة شعوراً دائم يرافقنا في تفاعلنا مع الحياة , وقد تكون المتعة جزء من مسببات السعادة , ولكنها مختلفة تماماً عنها ( وهذا من أسباب انتقادنا لتسمية علم الجمال بعلم المتعة أو الشهوات) وقد يكون من الأدق تسميته ب (علم السعادة وأشكال تحقيقها).
فغاية الجمال والفن بالنسبة للكائن الحي هي تحقيق السعادة والرضى عن الذات والوجود وتحقيق التوازن بين الذات وهذا الوجود , وهذا لا يتحقق فعلياً وبوضوح إلا من خلال الجمال والفن تذوقاً وإنتاجاً , ( هناك طبعاً الكثير من القضايا المادية الاخرى والحاجات التي تحقق تلبيتها السعادة ولكن الجمال والفن يعتبر اهمها وارقاها) وهذا ينقلنا إلى الإدراك الجمالي والتذوق و الإنسجام ثم السعادة وهي بذاتها الغاية القصوى للجمال والفن بالنسبة لكائن حي ( ونشير هنا إلى قصور اللغة الإنسانية بشكل عام في المفردات و التعابير التي يمكن استعمالها في شرح قضية شعور الحيوانات وتأثرها بالجمال والحب , وإنتاج الجمال وتذوقه وشعور الحيوانات بالحزن والفرح والقلق والسعادة , ولكن كلا ومستوى تركيبه العصبي والفسيولوجي ) وهذه من أبرز قضايا التجديد والإضافة في علم الجمال , التي وضعت الشيفرة الكونية بصمتها عليها وذلك بالكشف عن الجذور الطبيعية للجمال والفن والسعادة .
إن السعادة تأتي بالدرجة الثالثة في التطور للعملية الجمالية وتفاعلها , وكنتيجة حتمية ونهائية لها , حيث تسير العملية الجمالية على النحو التالي
الجمال في الطبيعة أصل , ينتج عن انعكاسه وتأثيره على محيطه الفن , وهذا الأخير سينتج السعادة وهي القيمة الحتمية والنهائية لكلاهما معا ونتاج لتفاعلهما وانعكاساتهما على الكائن الحي المتفاعل مع الموضوع , حيث بالضرورة أن نكون نحن جزء من النشاط المحقق للسعادة بالذوق أو الإنتاج وهكذا تتحقق غاية أسمى من كلاهما وأكثر رقياً , وبالضرورة أن تصبح أخلاقية أيضاً كونها ارتقت إلى مستوي مفاهيمي معقد وخاصة لدى الإنسان الذي يشمل ويحتوي في وجوده على كافة أشكال الحركة الموجودة التي عرفناها حتى الاَن .
إننا من خلال الشيفرة الكونية وتطبيق مفاهيمها وقوانين الواقع العامة والشاملة قد حصلنا على نتائج محايدة تماماً وبعيدة عن أي تحيز سوى للحقيقة عينها كما هو الواقع تماماً وتاركين الباب وبتحدي كبير بحجم المرحلة وتعقيداتها لجميع الباحثين والمختصين بشحذ الهمة والرقي لمستوى تحدي المرحلة ,, وتجديد الموروث الفكري والثقافي الإنساني وغربلته وإعادة صياغته بما ينسجم مع الحقائق والواقع وليس بحسب ما نحمله من أفكار مسبقة عن الواقع .
إن المطلوب منا جميعاً النظر إلى الواقع كمن يراه لأول مرة , حيث الاندهاش والغرابة والفضول ولاستطلاع والتأمل العميق للأشياء في علاقاتها المتبادلة ورؤيتها في سياق حركتها وتطورها (الزحكاني) وتعني ( الزمان والحركة والمكان بكافة أبعاده) الشامل مما يمكننا من تحقيق الهدف الأسمى للمفكر والباحث الحر وهي الحقيقة كما هي عليه بغض النظر عن رؤيتنا الايديولوجية أو الدينية أو الاجتماعية , ويجدر الإشارة في هذا السياق إننا نكمل من خلال هذا البحث مشروع تجديد الفلسفة الذي أخذناه على عاتقنا بحيث تكمل هذه الدراسة مادة الشيفرة الكونية الذي نحن بصدد إسناده ببعض المؤلفات المكملة للمشروع , وكلاً منا يعلم أن علم الجماليات هو فرع هام من فروع الفلسفة التقليدية وركن هام من أركان الوعي البشري الفردي والجماعي .
رماز الاعرج

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق