* الحاكورة *
===========
تطلّ نافذة بيته ، على حاكورةٍ كانت ذات يوم مضى مزروعة بالأشجار الخضراء والورود المتعددة الألوان.
ورغم غياب هذا المشهد الأخضر الجميل، إلا أن الحاكورة ما زالت موجودة، ولعل ما يجمّلها ويؤنس وحشتها وجود العشرات من الدجاج والأوز والطيور التي تنتشر في أرجائها ؛ باحثة عن طعامها، بين الحشائش المنتشرة بعشوائية هنا وهناك .
دأب صاحبنا على تفتيت بقايا الخبز ، والأرز والأطعمة ، وإلقائها عبر النافذة ، فتتقاطر الدجاجات والطيور من كل مكان، وتلتهم رزقها، وهي تنقنق بسعادة وحبور .وكم كان هذا المشهد يبهجه ويسعده، ولا سيما في الصباحات المبكرة، حيث كان يسمع أصوات الطيور ، تحت النافذة ، وكأنها تستحثه على تقديم طعامها الشهي..!!.
وذات صباح، افتقد أصوات هذه الطيور الداجنة الأليفة ، وحينما سأل عنها، قالوا له : ألم تعلم ..؟!!، لقد هجمت مجموعة متوحشة من الكلاب على مسكن الطيور، وأمعنت فيها خنقا وتشريحا والتهاما بأنيابها الحادة البشعة..!!. ولم تبقَ إلا دجاجة واحدة ، كانت تلوذ في ركنٍ منزوٍ بعيد ، وتحتضن العشرات من البيض الذي ينتظر التفقيس، عما قريب، بالإضافة إلى عدد قليل من الطيور ذات الأجنحة التي تمكنت من الطيران، والابتعاد عن خطر المعتدين .
تأسف صاحبنا أشدّ الأسف ، وحزن على مصير أصدقائه الذي كانوا يشيعون في قلبه البهجة والمرح، غير أنه لم يفقد الأمل ، فعمّا قريب ستخرج الصيصانُ الصغيرة ، وتنمو وتكبر وستتكاثر من جديد ، ولن يستسلم صاحب الحاكورة لهذه النكبة التي حلّت بطيوره ، وسيُحكم إغلاقَ المنافذ التي استطاعت الكلابُ المتوحشة الدخولَ منها ، وارتكابَ المجزرة ، ولن تكونَ حاكورتُه مشاعا للغرباء ، ستكون لها بوابة و أسوار تحميها ، وستعود إلى سابق عهدها ريانة خضراء ، وستسرح فيها الدجاجاتُ وأسرابُ البط والحبش والحمام ، بكلّ أمنٍ وأمان .
*عبد السلام أحمد عابد *

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق