قصة قصيرة ( لم أتوقع ما حدث)
لم تكن لي صديقة في الحي الذي أقيم فيه سوى مستودع أسراري و زهرة ابتساماتي و خليلة أيامي فضيلة ، بين بيتي و بيتها بيت واحد ، فالمسافة كعب رجل واحد و نرتوي من المحبة و المودة فضيلة آية في الجمال طويلة القامة لم تكن سمينة شعرها أسود كالليل مفعمة بالحياة و الابتسامة العريضة و ديان نكت و قصص ، ملهمة بالأشغال المنزلية التي تعلمت أصولها عن والدتها مريم ، لم يحالفها الحظ أن تتم الدراسة ، لكنها لم تبق متعثرة بل تعلمت ما يسند ظهرها إذا طلب أحدهم يدها للزواج .كنا نلتقي مع بعضنا البعض مرة في منزلنا و مرات في منزلها إذا زرتها و كنا نطرق كل المواضيع التي تثير فضول الفتيات
إحدى اللقاءات قلت لها : هل من شاب تقدم لخطبتك ؟ ردت لم يلتفت إلي الحظ بعد.و انت ؟ قلت : مثلي مثلك صديقتي لا باس ربما ينتظرنا الأفضل فالصبر جميل .نعم أخيتي الخير فيما اختار الله .
مرت الشهور و الأيام سمعت بخبر خطبة فضيلة امتلأت نفسي فرحا لها ، لكن الشعور بأنها ستتزوج و تفارقني صير قلبي يرتعش حزنا على صديقتي التي تفرح لفرحي و تحزن لحزني و تستيقظ هي و أنام أنا و و تعمل هي و أركن أنا للراحة .سرعان ما طردت عني هذه الأفكار و قلت في نفسي لا بد أن أكون سندا لها أيام الزفاف.فلم أفارقها فإن حبست عنها النصيحة أسديتها و إن لم تطلب يد المساعدة حدسي لوحده يدلني على التخفيف عنها ثقل التفكير و إنجاز الأعمال حتى زفت إلى زوجها و انتقلت إلى عش الزوجية .
بقيت وحيدة و توقف باب بيتي عن الدقات التي كانت تطرقها لكن الذكرى لم تمت في كل دقيقة تجثم أمامي و تحدثني عما فات فأبتسم مرة و أبكي من شدة الاشتياق لها .استفاق حظي أنا الأخرى و دق بابي شاب في مقتبل العمر خلوق مثقف طلب يدي ووافق أبي و دخلت بيتي الزوجية و رزقت أطفالا و كنت كلما زرت منزلها تصلني الأخبار عنها و أن لها أطفالا في عمر أبنائي ، وبقيت أزورها لمدة تعلم الأبناء و حققوا نجاحات و سمعت بأن فضيلة استوطن ثديها المرض الخبيث و تفاقمت زياراتها عند والديها بحكم أن المستشفى أقرب،واشتدت الآلام و طلب منها أن تنزع إحدى الثديين لتقطع دابر المرض من كل الجسد
و حدث ما طلبه الأطباء و عادت إلى بيتها من جديد أملا في أنها شفيت ، لكن المرض استفحل جسمها ، و عادت إلى بيت والديها رغبة في إجراء العلاج الكيمياوي ..تفاقم الوضع و ضربت الأوجاع بيد من حديد و بقي الأبناء بين الجد و الأعمامو، و لم يعد من بد لأي علاج فكأن الموت حط بجناحيه على الجارة و الأخية فضيلة.
زرتها قبل أن تموت بيوم واحد لم أعرفها البتة لمحت ملامحها و ابتساماتها و بياضها و كانه لم يكن يوما.
صباح يوم الأربعاء أذكر جيدا كيف أنسى ذلك اليوم المشؤوم غادرت فضيلة هذا الوجود و لم يبق لي منها إلا الذكرى الطيبة ، فإذا مررت ببابهم قلت في نفسي : اللهم ارحم صديقتي و اغفر لها ، و اجعل الجنة مسكنها
وهيبة بتشيم ( الجزائر )

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق